انطلقت أعمال مؤتمر جنيف يوم الجمعة الماضي بمحادثات من جهة واحدة بين ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا وبين وفد نظام الإجرام في سوريا مع غياب لوفد المعارضة صناعة مؤتمر الرياض الذي أعلن رفضه حضور هذه المحادثات في البداية ثم أعلن قبوله بعد تلقيه وعودا أو ضمانات أمريكية ودولية حول إجراءات بناء الثقة الضرورية لمشاركته في هذه المحادثات.
وحول هذه الضمانات أوضح المتحدث الرسمي باسم الهيئة سالم المسلط، أنها (الهيئة) تلقت تطمينات من الدول الحليفة بتطبيق مطالب المعارضة السورية، وأشار إلى أنهم سيبحثون تطبيق الفقرتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن الأخير 2254 حول سوريا، مع الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، وبيّن أن الوفد المفاوض لم يطرأ عليه أي تغيير وما زال أسعد الزعبي رئيساً للوفد وجورج صبرا نائبا له ومحمد علوش كبيراً للمفاوضين. وأشار المسلط إلى أن الوفد يُصر على تطبيق إجراءات حسن النية قبل الشروع في العملية التفاوضية التي ستكون مستندة إلى بيان جنيف وتفضي إلى إنشاء هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات. فيما يحاول النظام ومنذ وصول وفده إلى جنيف إدخال العملية التفاوضية بتفاصيل غير متوافقة مع بيان جنيف، متبنياً الخطة الإيرانية، مثل وضع ملف الإرهاب كأولوية في المباحثات والحديث عن حكومة وحدة وطنية.
وكان المنسق العام ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب قد تعرض لضغوط مباشرة من وزير الخارجية الأمريكي لحضور مباحثات جنيف كما صرح بذلك سفير الائتلاف في فرنسا منذر ماخوس في مقابلة مع محطة الجزيرة الفضائية حيث قال: "إن وزير الخارجية الأمريكي قال الجمعة خلال اجتماع في دافوس بسويسرا إن الحل في سوريا لن يتم إلا بالاتفاق على حكومة وحدة وطنية، وإن الولايات المتحدة متفقة مع إيران وروسيا على ذلك"، وعلّق ماخوس على هذا التصريح بأن هناك "تراجعا مخيفا في الموقف الأمريكي".
وكشف ماخوس في مقابلته عن اجتماع عقده كيري مع رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب في الرياض يوم السبت 23 كانون الثاني/يناير، حيث قال كيري إنه "يجب عليهم أن يذهبوا إلى جنيف (للتفاوض مع النظام) ضمن الشروط المفروضة عليهم، وإلا فسيخسرون دعم حلفائهم".
وبعد بدء المحادثات يوم الأحد الماضي، خرجت بعض التسريبات من مكتب المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، يعترف فيها بأن الأمم المتحدة "لن تكون قادرة على مراقبة أو فرض أي اتفاق سلام سوري في جنيف". وقبل ذلك بيوم أعلنت وزارة الخارجية الروسية السبت أن الوزير الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري اتفقا على "تقييم التقدم المحرز" في المحادثات السورية المنعقدة منذ الجمعة في جنيف، في 11 شباط/فبراير الجاري.
ووجه دي ميستورا دعوة لقائمة تضم شخصيات محسوبة على المعارضة المقربة من روسيا، وبعضها يعدّ مقربا من النظام السوري، لكن هذه الأسماء التي باتت تعرف بوصف "القائمة الروسية"، ستحضر المؤتمر بصفة "استشارية"، ولن تكون ضمن الوفود التفاوضية، حيث ينحصر تمثيل المعارضة بوفد الهيئة العليا للمفاوضات.
وقالت الهيئة العليا للمفاوضات في بيان لها إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أجرى اتصالا مع منسقها العام رياض حجاب وتعهد بتنفيذ كامل لقرار مجلس الأمن الأخير (2254)، خصوصا الفقرتين المتعلقتين بوقف القصف وإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة. كما أكد كيري التزام الولايات المتحدة بدعم تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، واستعداده للقدوم إلى جنيف لدعم وفد المعارضة.
وقال بيان الهيئة إن نائب الأمين العام للأمم المتحدة بعث رسالة أكد فيها أن المسائل الإنسانية فوق التفاوض وسيتم تطبيقها على الفور. كما تلقت الهيئة اتصالات من دول أوروبية - بينها بريطانيا - تدعم هذا الموقف.
ووفق ترتيبات الأمم المتحدة وبناء على اقتراح مباشر من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، فإن وفدي النظام والهيئة العليا سيجلسان في غرفتين منفصلتين في مقر الأمم المتحدة في جنيف، لتجري المفاوضات عبر دي ميستورا وسيُجرى الحوار بطريقة "غير مباشرة"، أي أن يتفاوض الطرفان مع دي ميستورا الذي يقوم بدبلوماسية مكوكية بينهما. أما "القائمة الروسية" فستكون في لوزان وليس في جنيف. ويوجد في جنيف أيضا وفود من القوى الدولية والإقليمية.
هذه الزوبعة الإعلامية والتحركات السياسية والزخم في تضخيم أخبار المعارضة ومتابعتها في وسائل الإعلام المختلفة، والمواقف من قبل جميع الأطراف وإعطاء تصريحات ثم التراجع عنها والقبول بالذهاب والضمانات والتعهدات... كل ذلك محاولة لتضليل الأمة والمخلصين وصرف أنظارهم عن الجريمة والخطر الحقيقي المتمثل بالتنازل والبدء بمفاوضات مع نظام عميل مجرم قاتل للأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء.
المتابع لثورة الشام وفصولها ومراحلها المختلفة وللمحاولات الأمريكية لاحتوائها أو إنهائها إن استطاعت لا بد أن يلاحظ أن أمريكا في سيرها وفي خطتها تتحكم بكل الخيوط، فهي من تملي على المبعوث الدولي تصريحاته وأفعاله، وهي التي تنسق مع روسيا في كل صغيرة وكبيرة، والمطالب الروسية والشروط التي تضعها روسيا المتعلقة بتشكيل وفد المعارضة ومن يكون أو لا يكون من هذا الوفد تتم بالاتفاق التام مع أمريكا فيرتفع صوتها رافضا حينا ثم تقبل إذا ما وافقت أمريكا على شكل الوفد ومكوناته.
مفاوضات جنيف وما سيتبعها من اتفاق أو قرارات، هي حلقة في مسلسل التآمر على ثورة الشام لإنهائها وإعادة نفوذ أمريكا والغرب بوجوه سوداء جديدة، ومسرحيات الرفض ثم القبول وصناعة معارضة ما يسمى بالخارج أو معارضة الفنادق ومطالبها بالدولة المدنية وبتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالوضع الإنساني وإنهاء القتال وفك الحصار وإدخال المساعدات - وهذا ما يمكن أن يحدث لاحقا - والقبول بالجلوس والتفاوض مع نظام الإجرام صنيعة أمريكا هو في حقيقته خيانة لثورة ودماء طاهرة بريئة امتدت لخمس سنوات عانى أهل الشام فيها من القتل والتهجير وبراميل الموت والحصار والموت جوعا، ما عانوه. ثم بعد هذا يقبل هؤلاء صناعة الرياض وأمريكا بأن يفاوضوا هذا المجرم ويقبلوا ببقائه ونظامه وأزلامه - والله إن هذا لهو الهوان والذل والخيانة بعينها.