مع مرور أحد عشر عاماً على انطلاق ثورة الشام، ووصولها إلى أفق مسدود بنظر كثيرين، يتساءل المرء هل ما زال هناك أمل، وهل هناك أي مؤشر للتفاؤل في ظل واقع مرير وصلت إليه هذه الثورة اليتيمة، مع كثرة أعدائها من الداخل والخارج الذين يعملون بكل الوسائل والأساليب على إخمادها والقضاء عليها؟!
فنرى في الخط الأول من جوقة المعادين للثورة قادة المنظومة الفصائلية، الذين تحولوا إلى أدوات رخيصة بأيدي الداعمين. فكان أن تم تجميد الجبهات، واتخذ هؤلاء القادة وضعية المزهرية رغم تعرضنا للقصف شبه اليومي من النظام وحلفائه وأعوانه، وأصبحت فكرة إسقاط النظام من الماضي عندهم، بل أصبح شغل هذه المنظومة الفصائلية التضييق على الناس من خلال الأمنيات والسجون وفرض الضرائب والمكوس وفتح المعابر التي تدر عليها الأموال الطائلة على حساب معاناة أهل الشام، حتى غدت الحاضنة الشعبية مدركة عظم جرم هذه المنظومة، فتعالت الأصوات مطالبة بإنهاء وجودها كي يعود للثورة ألقها وقرارها واستقلاليتها.
أما من يسمون العلماء والمشايخ في بلاد الشام فقد كانوا فريقين اثنين؛ إلا من رحم ربي، لا يقل خطرهم عن قادة المنظومة الفصائلية؛ ففريق اصطف مع قادة الفصائل وأصبح يشرعن لهم كل خيانة وتخاذل واقتتال محرم خدمةً للداعمين، ولم يتخذوا موقفاً مشرفاً حقيقياً بالاصطفاف مع الثورة وأهلها، وجزء من هذا الفريق يقيم في تركيا ويعمل تحت مسمى المجلس الإسلامي السوري، والذي تأتي فتاويه على مقاس هوى القيادة التركية التي تقود حرباً ناعمة ضد ثورة الشام بتوجيه السيد الأمريكي.
أما الفريق الثاني من العلماء فهم المشايخ الظلاميون في المناطق المحررة، الذين تنكبوا عن المسير على خطا الأنبياء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيادة الناس نحو التغيير الذي يرضي الله، وأكثرهم يعتلون المنابر فلا نراهم يجرؤون على التفوه بكلمة الحق ونصرة الثورة والأخذ على أيدي الظالمين بما يساهم في تصحيح مسارها وتوجيه بوصلتها التوجيه الصحيح، وهؤلاء خطباء الحيض والنفاس ومكارم الأخلاق، إلا من رحم ربي، وهم قليل، هذا إذا سمحت لهم أوقاف الحكومات الوظيفية بالخطابة أصلا.
أما الدول (الداعمة) كتركيا والسعودية وقطر التي تتآمر على الثورة وتسير في الركب الأمريكي لفرض الحل السياسي المسموم عبر مالها السياسي القذر الذي أورد ثورتنا المهالك، فإنها بلا شك تتحمل مسؤولية كبيرة عما حصل، وجرمها كبير جداً في إيقاف الجبهات والتقاط النظام لأنفاسه وإيقاف قطار الثورة وحرف مسارها وفرض مسار التفاوض الخياني عبر الأذناب والأدوات. وقد كان لهذه الدول الدور الكبير في المشاركة في محاربة أهل الشام والتضييق عليهم، ولكن ما كان لها أن تنجح بهذا الدور الخطير القذر لولا خونة متاجرون على الأرض يسهّلون لها مهمتها وينفذون لها أجندتها.
وأخيراً رؤوس الشر من الدول العظمى، وفي طليعتهم أمريكا وروسيا، الذين اتفقوا على ضرورة حرب هذه الثورة المباركة وإخماد جذوتها والقضاء عليها كونها ثورة إسلامية بامتياز، رفعت شعارات إسلامية منذ بدايتها، وكان من أهم ثوابتها إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام كبديل عن نظام أسد العلماني المجرم.
في ظل هذه الجبهة المعادية للثورة ترى المشهد كالتالي: الغرب الكافر وأدواته من جهة في حرب مباشرة مع أهل الشام الرافضين للعودة لحظيرة نظام أسد المجرم، من جهة أخرى. أما نتيجة هذا الصراع فقد حسم بالنسبة لأهل الشام بعد كل ما قدموه من تضحيات عظيمة "ثورة مستمرة حتى النصر"، مستبشرين بقول الله تعالى: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. فلا أنصاف ثورة ولا عودة لحظيرة النظام المجرم ولا مجال للاستسلام مطلقاً، وهذا تمثل في شعار الثوار في بداية الثورة "الموت ولا المذلة".
وبعد أحد عشر عاماً من مكر أعدائنا لكسر إرادة أهل الشام، نرى دول الكفر وأنظمة الضرار قد وصلت إلى طريق مسدود، إلا أنها ما تزال تحاول وتحاول حتى تحقق مرادها، ورأس حربة مكرها حل سياسي يثبت نظام الإجرام ويعاقب كل من خرج في ثورة الشام. حيث إنها لم تستطع قتل روح الثورة في نفوس أبنائها، وهذا ما صرح به قادتهم، فالرئيس الأمريكي الأسبق أوباما يقول: "أنا على ثقة تامة أن القسم الأكبر من الشيب في رأسي بسبب الاجتماعات التي عقدتها بشأن سوريا". وهذا هو المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري يقول: "إن الإدارة الأمريكية ليس لديها استراتيجية شاملة في سوريا قد تؤدي إلى حل المشاكل المتعددة العالقة فيها". وأضاف أنه لا يوجد وضوح لدى السياسة العامة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حول سوريا.
وهذا يدل على تخبط الإدارات الأمريكية المتتالية في التعامل مع الملف السوري، حتى وصل الأمر إلى استمرار ممارسة الضغوط اليومية على أهل الشام ومحاربتهم في لقمة العيش عبر المنظومة الفصائلية وحكومات الأمر الواقع لإخضاعهم لقبول الحل السياسي الذي تهندسه أمريكا، من خلال ترسيخ مرجعية جنيف والقرار 2254 الذي يهدف لتثبيت النظام العلماني في سوريا وهم يدركون صعوبة ذلك.
ومما يبعث على التفاؤل أيضاً وجود حزب سياسي إسلامي يحمل مشروع إقامة دولة الإسلام، مناصر لقضايا الأمة المصيرية، ألا وهو حزب التحرير الذي يقدم نفسه كقيادة سياسية لثورة الشام، وهو يعمل ليل نهار لتحقيق أهداف الثورة وثوابتها، في إسقاط النظام برمته، بدستوره وأجهزته ومؤسساته القمعية، وليس الاكتفاء بإسقاط رأسه فقط، وإقامة حكم الإسلام متمثلاً بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وهو قد هيأ لذلك رجال دولة ومشروعاً سياسياً مفصلاً لبناء تلك الدولة بناء متيناً رصيناً شامخاً في وجه أعداء الدين والأمة.
وحزب التحرير يعمل منذ بداية الحراك الثوري في سوريا على إفشال جميع الأعمال والمؤامرات السياسية الغربية التي تهدف للقضاء على الثورة. وهو يسعى لبلورة أفكاره وآرائه ومواقفه لأهل الشام الثائرين، وخاصة بعد تساقط الأقنعة وتكشف الحقائق، ورسم خارطة طريق عملية لاجتثاث النظام من جذوره وتخليص الناس من شروره.
نعم، إن حزب التحرير رائد لا يكذب أهله، وهو يمد يده للأمة على الدوام لقيادة المرحلة الراهنة على الوجه المطلوب والوصول بثورة الشام إلى بر الأمان، إلى النصر والظفر والتمكين الذي وعد به رب العزة سبحانه القائل في كتابه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني