نفذت نقابة المحامين اعتصاما أمام مجمع المحاكم في رام الله، مع إعلانها عن تصعيد إجراءاتها رفضا لبدء سريان مفعول تعديلات على ما يسمى قوانين "التنفيذ وأصول المحاكمات المدنية والتجارية والإجراءات الجزائية"، الصادرة عن رئيس السلطة من خلال "قرارات بقوانين" في آذار الماضي، وعدم قبول السلطة أية إجراءات للتعديل عليها.
يأتي هذا التحرك للمحامين، وهم الفئة التي تمثل الناس في قضايا الحقوق والمظالم والخصومات أمام المحاكم، كرد على ما تقوم به السلطة من سنّ جائر لقوانين ظالمة تُضيّع الحقوق، وهم الذين قاموا بإجراءات احتجاجية من قبلُ رداً على التسلط والعبث في الناحية القضائية، كسعي السلطة إلى تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، وتعيين رئيسه الذي أُعطي صلاحية تعديل القوانين ومن ثم إعادة تعيين نفسه، وكذلك من خلال ما يُسمى "القرارات بقوانين" والتي باتت تصدرها السلطة أو الجهات النافذة فيها بكثرة.
إن "القرارات بقانون" التي دأبت السلطة على اتخاذها، فوق أنها تفتقر إلى الشرعية القانونية والدستورية، فإنها أصبحت أداة بيد السلطة لانتهاك حقوق الناس وحماية كبار المجرمين، وتنفيذاً لإملاءات الدول المانحة التي تهدف إلى تغيير الأسس والمقاييس التي تبنى عليها التشريعات لتكون وفق الأسس والمقاييس الغربية القائمة على العقيدة الرأسمالية؛ فقانون حماية الطفل نزع من الوالدين حق تأديب أبنائهم بسبب العبارات الفضفاضة التي نص عليها القانون، والقانون يعتبر زواج من هم تحت سن 18 سنة جريمة يعاقب عليها، وفي المقابل يعطيهم الحق في الزنا ويوفر لهم الحماية، وهناك شواهد أخرى تهدف إلى تفكيك الأسرة وهدم بنيانها، فالقوانين والتعديلات لم تقف عند أصول المحاكمات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجزائية، بل تعدّت ذلك إلى الأسس التي تبنى عليها القوانين والمرجعيات التي تُعتَمد في توصيف الجريمة حتى أضحت حماية أبنائنا من الرذيلة والشذوذ جريمةً يُعاقب عليها القانون!
إن اعتماد السلطة الفلسطينية للقوانين عبر "قرار بقانون" يجعل مصير الناس ومقدراتهم بيد فئة تجيّر القوانين خدمة لمصالحها، ونتائجها ستكون كارثية على القضاء والمجتمع ومدمرة لكل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، فهي تضييع للحقوق وتلاعب بمقدرات الناس، وإثقال لكاهلهم، وهدم للنسيج المجتمعي والسلم الأهلي، ودفع الناس لأخذ القانون بأيديهم أو تحصيل حقوقهم بطرق سلبية خارج المؤسسة القضائية.
فقد جاءت تلك القرارات بقوانين بتعديلات تعقّد وتضيع حقوق الناس بدل صيانتها، وتذكي الخصومات بينهم بدلاً من حلها، وفتحت نوافذ عدة لحماية المجرمين من خلال ما تتيحه تلك القوانين الجديدة من إمكانية سقوط الدعاوى، كما وفرت الغطاء لأجهزة السلطة لتمديد مدة التوقيف دون عرض على المحكمة، أي وفرت الغطاء للأجهزة الأمنية الفاسدة لتوقيف من تشاء بغض النظر عما يوجبه القانون من حماية للأفراد وعدم احتجازهم إلا بقرار قضائي، وأمور أخرى ذكرها المحامون في احتجاجاتهم، كتكليف المدّعي بمهمة إحضار الشهود، والتبليغ الإلكتروني بالدعاوى أو عبر الهاتف، وكذلك وقف تنفيذ المطالبات المالية للشيكات والكمبيالات بدعوى التزوير وتكليف المدعي بإثبات صحتها، والرسوم الباهظة لاستغلال حاجة الناس للادّعاء والتقاضي لأغراض جبائية وغير وذلك من الإجراءات التي تضيع الحقوق وتحمي المجرمين وتزيد الجباية الظالمة.
إن الوقوف في وجه هذه القرارات هو مسؤولية الجميع، ومن مسؤولية الأحزاب السياسية والقوى الفاعلة تبني مصالح الناس وقيادتهم لمحاسبة السلطة وأَطْرها على الحق أطراً، ولذلك فإن حزب التحرير يثني على دعوة المحامين للقوى السياسية والمجتمعية للتحرك ومشاركتهم في فعالياتهم الاحتجاجية.
ففي الدول التي تملك قرارها وزمام نفسها فإن الأحزاب السياسية هي التي تتولى مطالب الناس وقضاياهم وتقودهم لتحقيق أهدافهم السامية، وإن نجاح المحامين في هذه المعركة يكمن في التحامهم مع الناس وقواهم السياسية المخلصة، فالقضية قضية عامة تمس أهل فلسطين جميعا.
ولا بد للمحامين من التصدي بقوة لهذه القوانين ومنها التعديلات المتعلقة بالمحكمة الإدارية، والوقوف في وجه اتفاقية سيداو والقوانين المنبثقة عنها، والتي عبّر أهل فلسطين عن رفضهم لها بأعمال جماهيرية ضخمة شارك فيها ممثلون عن المؤسسات والعائلات.
إن السلطة الفلسطينية التي تنفذ سياسات أعداء الإسلام التي تهدف إلى تدمير أهل فلسطين وجعل الأرض المباركة لقمة سائغة لكيان يهود، وإن جرائمها بحقهم لم تقف عند تنازلها عن البلاد ليهود، أشد الناس عداوة للمؤمنين، بل تعدت ذلك إلى توفير كل الأسباب والظروف التي تمكن كيان يهود من إحكام قبضته على الأرض المباركة، والتي من أبرزها تدمير المجتمع وهدم قيمه، فالمستهدف الآن ليس الأرض لأن السلطة تنازلت عنها، بل المستهدف الآن هم أهل فلسطين وأسرهم وأبناؤهم وأموالهم، فالهجمة شاملة تستهدف التعليم والأسرة، والاقتصاد والقضاء والإعلام، وآثارها المدمرة على الأسرة ومصالح الناس باتت ظاهرة جلية، فقد أضحى للشواذ جنسيا نواد معلنة ومسيرات يرفعون فيها أعلامهم في تحد صارخ لقيم العفة والطهارة.
لقد أصبحت السلطة الفلسطينية بدورها الأمني المخزي وسياساتها الاقتصادية والضرائبية، ورعايتها للفساد، سكيناً تنحر أهل فلسطين وعصا تفت في عضدهم، وتقتل فيهم روحهم الثائرة وقدرتهم على الصمود في وجه كيان يهود، وهي تكمل حلقة الفساد بمزيد من الإفساد والظلم في القضاء والقوانين، وإنّ وقوف أهل فلسطين ضد تغول السلطة وإفسادها لكافة مناحي حياتهم، ودعمهم لكل من يقف ضد ظلمها وتضييعها لحقوق الناس هو جزء من تعزيز صمودهم وقدرتهم على البقاء في أرضهم إلى أن يأذن الله بالنصر والتحرير وتستعيد الأمة وجيوشها دورها وتحرر مسرى نبيها، وإنْ تقاعسوا عن ذلك فلن يخسروا أرضهم ومقدساتهم ليهود فقط بل سيخسرون كرامتهم وأبناءهم وأزواجهم وأشدها خسارة دينهم والتزامهم بشرع ربهم، وذلك الخسران المبين.
وفي هذه المعركة يبقى حزب التحرير بين أهل الأرض المباركة يتبنى قضاياهم، ويبذل وسعه لحماية هويتهم، ويصل ليله بنهاره لاستنهاض الأمة الإسلامية لتتحرر من التبعية للدول الغربية الاستعمارية، ولتقوم بواجبها تجاه البشرية فتحمل إليها الإسلام الذي به سعادتها ونجاتها، وإن أعداءنا يدركون تمام الإدراك خطورة الإسلام على مصالحهم ووجودهم، ولذلك لن يكفوا عن محاربته، إلا أن ثقتنا بالله عظيمة، وثقتنا بأمتنا لا تنفك عن ثقتنا بالله القوي العزيز فأمتنا الإسلامية تملك من الإمكانات المبدئية والبشرية والاقتصادية والعلمية ما يمكنها من تحرير الأرض المباركة وقيادة العالم وأن تكون القوة الأولى عالمياً فيأوي إليها كل من أراد العدل والعيش الكريم.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)