أكد إعلان الجزائر في ختام القمة العربية على "مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين، والتمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) لكافة الأراضي العربية، ودعم السلطة الفلسطينية للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ودعم الجهود والمساعي القانونية الفلسطينية الرامية إلى محاسبة الاحتلال (الإسرائيلي) على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ولا يزال في حق الشعب الفلسطيني".
لم يعد من الصعب التكهن بقرارات القمم العربية خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين، فهي التوصيات المكررة ذاتها في كل قمة وضمن كل بيان ختامي، ومحور تلك التوصيات المشروع الأمريكي حل الدولتين، وكل ما يتعلق به أو يدفع باتجاه الضغط على كيان يهود للقبول به، وهذا التكرار وهذا العجز والفشل في تنفيذ تلك القرارات الخبيثة لا يقلل من خطورة وإجرام الأنظمة العربية في استمرار العمل على تصفية القضية وإنهاء الصراع وفق المشروع الأمريكي وتصوير ذلك على أنه جهود كبيرة لإنقاذ القضية كما فعل النظام الجزائري ورئيسه عبد المجيد تبون الذي جمع الفصائل قبل القمة وأشرف على توقيع وثيقة "إعلان الجزائر" للمصالحة في ختام أعمال مؤتمر "لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية"، في دغدغة لمشاعر الرأي العام الجزائري ومحاولة الظهور بمظهر الحريص على أهل فلسطين ووحدتهم وعلى قضية فلسطين، وهو ما أراد تأكيده في القمة العربية التي وصفها بالقول "قمة الجزائر هي قمة فلسطين".
وقبل الحديث عن القمة الحالية لا بد من العودة بالذاكرة قليلاً حتى نحدد ما هي فلسطين التي يتحدث عنها تبون، هل هي فلسطين التي كانت قمة الجزائر الأولى في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1973 سبباً في تفريط منظمة التحرير بثلثيها، والتي تم اعتبارها في تلك القمة الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني؟ أم هي فلسطين التي أُعلنت على الورق عام 1988م من الجزائر مقابل الاعتراف بشرعية كيان يهود فأخذ كيان يهود الشرعية ومن ثم أخذ معظم قصاصة الورق التي أعلنت عليها الدولة ضمن الاتفاقيات التي تحولت إلى سرطان ابتلع ما تبقى من الأرض لاحقاً؟ أم هي فلسطين المشاعر والمتاجرة الرخيصة بها لخداع الشعوب واستغفالهم وتحقيق مكاسب سياسية على حساب قضية عظيمة ارتبطت بالإسلام ودماء المسلمين وتضحياتهم ومسرى نبيهم ﷺ؟!
نعود إلى القمة الحالية:
لقد نجح النظام الجزائري بمساعدة فصائل المقاومة الفلسطينية وخاصة فتح وحماس في توظيف القضية لإنجاح القمة ولو بشكل جزئي، حيث كان النظام مهتماً كثيراً بنجاحها، وذلك لتحقيق أهداف سياسية خبيثة وعلى رأسها تثبيت النظام الذي تسلق على ثورة أهل الجزائر وإبراز دوره في المنطقة خاصة في ظل القوة العسكرية والمقدرات التي يمتلكها وزيادة شعبية الرئيس تبون. وكان واضحا ذلك الاهتمام لإنجاح القمة بالتحضير لها والاستقبال للحضور، حيث حرص الرئيس الجزائري على استقبال الحضور بشكل شخصي في المطار وباستقبال مميز وبذل جهده ليحضر الجميع، وهكذا انتهى الفصل الأول من المشهد وهو توظيف القضية والمتاجرة الرخيصة بها لإنجاح القمة، ولولا ذلك التوظيف لقضية فلسطين وإبرازها إعلامياً والتركيز عليها أمام الرأي العام ما كان لها رائحة ولا لون في ظل غياب ملوك ورؤساء كثر مثل الأردن والسعودية الإمارات والبحرين وعُمان ولبنان والمغرب، وحضور بعض الدول دون رئيس منتخب ولو بانتخابات مزورة مثل اليمن وليبيا والسودان في مشهد يظهر مدى ترهل النظام العربي وتشظي النظرة للملفات والقضايا والفشل في الاتفاق على حلول لها في ظل اختلاف نظرة السيد الغربي لتلك الملفات وحلولها.
ومن ثم كان الفصل الثاني وهو توظيف القمة لتصفية القضية ضمن مشروع الدولتين والعمل على إنقاذه والتأكيد عليه كما هو واضح في التوصيات التي ذكرناها في بداية المقالة، وذلك رغم أن تلك الأنظمة باتت غير متفائلة لنجاح المشروع خاصة في ظل عودة نتنياهو للحكم وبحكومة يمينية توراتية أعينها ترنو لضم الضفة وإصدار شهادة وفاة لمشروع الدولتين بشكل رسمي بعد أن نفّذ بشكل عملي على الأرض فلم تبق أرض تقام عليها دولة، ولكن ما بقي السيد الأمريكي متمسكاً بمشروعه فسيبقى الأتباع متمسكين به ولو بشكل نظري حتى ينظر السيد في أمره ومشروعه.
وما بين الفصلين تكمن الجريمة الكبرى، وهي صرف أنظار الأمة عن الحل الحقيقي وهو تحريك الجيوش لتحرير فلسطين، والإصرار على عزل الأمة عن قضيتها - قضية فلسطين - بإبقاء منظمة التحرير الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني وللقضية، والعمل على جر الفصائل المقاومة لمربع التفريط والتنازل، وقد ظهر ذلك في رسالة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية للقمة حيث طلب من المجتمعين "دعم وإسناد الشعب ومقاومته لاستعادة حقوقه وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس". ومضمون تلك المناشدة في ظل الموقف الواضح والصريح للأنظمة العربية هو دولة على 67 - بعيداً عن التذاكي في الألفاظ لخداع السذج -، وفي حرف للبوصلة عن أن تلك الأنظمة سبب في بقاء كيان يهود، وأنها ليست جزءاً من الحل، وأن حلها يعني تصفية القضية، وأن الحل يكمن في إسقاطها وتحريك جيوش المسلمين للتحرير كما حصل سابقاً في حطين وعين جالوت.
إن هذه الأنظمة وقممها كانت وما زالت لعنة على قضية فلسطين، وهذا الموقف العربي الرسمي هو جزء من المصيبة وليس من الحل، والانخراط فيه هو انخراط في مشروع الدولتين الرامي لتصفية القضية، واللهث خلفه له عواقب وخيمة لن تنتهي بالقبول بمشروع الدولتين ومصالحة نظام الأسد الدموي المجرم الذي حضر القمة بعلمه تمهيداً للحضور بنظامه ورئيسه في القمم القادمة، وطبعاً كل ذلك على حساب الأحكام الشرعية والقضية التي لن تحل إلا بعمل سياسي واعٍ يسقط تلك الأنظمة الخائنة والمطبعة، ومن ثم تنصيب قيادة واعية مخلصة تجهز الجيش وتحركه لتحرير الأرض المباركة كما بشر الحبيب المصطفى ﷺ.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)