بداية سننطلق من بعض التصريحات لمبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا حيث صرح بيدرسون أن التطورات في سوريا كلها تسير في الاتجاه الخاطئ بما في ذلك في المجالات الأمنية والإنسانية والاقتصادية والسياسية وحقوق الإنسان، التقديرات تشير إلى أن أكثر من 100 ألف شخص محتجزون تعسفيا أو مختفون قسريا أو مفقودون، كما أن نصف عدد السكان قبل الحرب ما زالوا يعانون من التشرد أو المنفى لأكثر من عقد من الزمن في العديد من الحالات.
يتحدثون عن ثورة الشام المباركة وعن الحالة المزرية التي وصل إليها أهل الشام الثائرون ويتباكون عليهم ويظهرون أنفسهم وكأنهم حمامة سلام تريد الخير لأهل الشام ولثورتهم، وأنهم (الغرب وأمريكا) هم من سيجلب هذا الخير لأهل الشام الثائرين ولثورتهم المباركة!
أولا: لا بد أن نعلم ويعلم الجميع أن ثورة الشام المباركة ما زالت متقدة وما زالت جذوة الثورة مشتعلة لم تنطفئ، وما زال الصراع مستمراً وفي أوجه في هذه المرحلة المفصلية من عمر ثورة الشام، فعلى الرغم من اشتداد القصف والقتل والتدمير بين الفينة والأخرى إلا أن هذا الأمر ليس بجديد وليس بخطير بالنسبة لأهل الشام الثائرين ولثورتهم، أما ما ينذر بالخطر فهو المؤامرات والمكر والخداع والحلول السياسية المسمومة التي تحاك وتديرها أمريكا رأس الكفر وأدواتها على الأرض.
فالمسلمون على مر العصور والأزمنة بقوتهم الروحية التي يستمدونها من عقيدتهم هم المنتصرون دائما في المواجهة العسكرية فلا يخشى عليهم من هذه الناحية، وكذلك أهل الشام، أما ما يخشى بعد انفراط عقد المسلمين وإسقاط دولة الخلافة الإسلامية على يد الغرب الكافر أن المسلمين أصبحوا بدون حماية مادية ولا فكرية، وأصبح لديهم فراغ ملأه الغرب الكافر بأفكاره ومفاهيمه العفنة التي استطاع من خلالها تفرقة المسلمين وتمزيقهم إلى دويلات وكنتونات صغيرة خالية من القوة المادية والفكرية ومشبعة بأفكار الغرب ومفاهيمه.
إن هذا الصراع في الشام بالنسبة لأهلها وبالنسبة لعدوهم هو قضية مصيرية وصراع حياة أو موت لا هوادة أو استكانة فيه، فمن ينتصر يقضي على الآخر ويطبق أفكاره ومبدأه وتكون له الكلمة العليا والقول الفصل، وما هذه التصريحات التي يدلي بها بيدرسون بأن الأمور تتفلت من يدهم وأن الأمور في الشام تسير في طريق الخطأ وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم بالنسبة لهم، فسببها أنهم أيقنوا أن أهل الشام بهمة الصادقين الغيارى أصحاب الفكر المستنير يسيرون بالأمة ومعها إلى طريق الخلاص وهو إيجاد قيادة سياسية وعسكرية صادقة مخلصة مبدئية تقود الثورة لبر الأمان.
فأهل الشام قد كشفوا جميع المؤامرات والخطط الخبيثة التي يرسمها الغرب ويزينها على أنها الخلاص بالنسبة للثورة، وهذا كان بإذن الله وبهمة الواعين ونتيجة لازدياد نسبة الوعي بشكل كبير لدى أهل الشام بعد كل هذه السنين، فقد باءت جميع محاولات إجهاض الثورة وإعادتها لحظيرة النظام المجرم بالفشل وتسربلت بالخزي وخيبة الأمل بالنسبة لأعداء الثورة.
ثانياً: إن أهل الشام اليوم في امتحان كبير وفي معاناة عظيمة في ظل ظروف مأساوية يعيشونها؛ فمن جهة قصف ودمار وتشريد في المخيمات، ومن جهة حالة اقتصادية سيئة وفقر شديد يعيشونه، بالإضافة للضرائب والمكوس التي يفرضها عليهم عملاء التحالف وصبيانهم في مدينة إدلب، بالإضافة لمناطق الشمال (درع الفرات وغصن الزيتون)؛ سلب ونهب وقتل وخطف وكأننا خرجنا في الثورة لكي يتسلط علينا هؤلاء العملاء من جديد فيصبحوا نظاماً آخر علينا بلبوس ثائر يستغل منصبه أو سلطته ليبطش بأهل الثورة ويشبح عليهم! وهذا جزء يسير من معاناة أهل الشام الصابرين الثابتين.
على الرغم مما ذكرناه من معاناة أهل الشام يجب علينا أيضاً أن نعلم أن الليل مهما اشتدت ظلمته سيأتي بعده الفجر ويطلع نور الصباح، ونقول لأهل الشام الصابرين الثابتين: إن الطريق الذي خرجتم فيه هو طريق الأنبياء والمرسلين، وهو طريق مليء بالأشواك، ولقد خبرتموه طوال ثلاث عشرة سنة من عمر ثورتكم المباركة وذقتم فيه شتى أنواع المحن والنوازل التي عصفت بكم، ولكن ومع ذلك أبشروا فإن هذا الظلم وهذا القهر سيعقبه فرج ونصر وتمكين بإذن الله.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة وفي سيرته العطرة بشرى لنا وللأمة جمعاء؛ فقد ذاق ﷺ شتى أنواع العذاب من الكفار والمشركين، ونكلوا بأصحابه وحاربوهم بأرزاقهم وأرواحهم وساموهم أبشع أنواع العذاب، ومع ذلك صبروا وثبتوا حتى نصرهم الله نصراً عزيزاً مؤزراً. كما اشتد أذى الكفار له ﷺ ولأصحابه بعد أن أوحى إليه الله أن يخرج للقبائل فيعرض عليهم الإسلام ويطلب منهم النصرة وخاصة عندما ذهب إلى الطائف، فما كان منهم إلا أن رفضوا دعوته، ولم يكتفوا بذلك بل سلطوا عليه سفهاءهم وغلمانهم حتى سالت الدماء الزكية من قدمه ﷺ، ومع ذلك لم ييأس بل تابع دعوته المباركة حتى جاء نصر الله وفرجه عليه وعلى أصحابه بنصرة أهل المدينة وإقامة الدولة في المدينة المنورة.
وختاماً: تشهد مناطق الشمال السوري المحرر بشقيها إدلب وريفها وريف حلب موجة ثانية للثورة المباركة تعيد رونقها وينصع طيبها وتنفي خبثها، وذلك بعد انتفاضة الشارع الثوري منذ أكثر من عشرة أشهر بحراك شعبي منظم واعٍ ضد منتهك الحرمات عرّاب المصالحات عميل التحالف وأدواته للقضاء على ثورة الشام وإعادتها لحظيرة النظام المجرم.
كان انطلاق هذا الحراك رداً على اعتقال الثوار والناشطين وحملة الدعوة من شباب حزب التحرير وسبقهم الكثير من المجاهدين المخلصين الذين تمت تصفية بعضهم داخل أقبية مخابرات ما تسمى زوراً وبهتاناً هيئة تحرير الشام التي تعمل الآن على ترتيب الأوراق في المحرر لجره لمقصلة جزار الشام بشار المجرم ونظامه العلماني الكافر ولكن كان لأهل الشام الثائرين رأي آخر.
تشهد الساحات اليوم في الشمال المحرر انتفاضة بكل ما تعنيه الكلمة ضد الطغاة المجرمين عملاء التحالف ومطالب صريحة بإسقاط رأس العمالة الجولاني وجهازه الأمني وتبييض السجون، مطالب صريحة واضحة للحراك المبارك لا يمكن التنازل عنها ولا بشكل من الأشكال، ويوما بعد يوم تزداد رقعة المظاهرات ويزداد عدد المشاركين وتتهاوى لبنات جدار الخوف واحدة تلو الأخرى، حتى تحقيق مطالب الحراك الشعبي وإسقاط الطغاة وتصحيح مسار الثورة.
وأخيراً رسالة لأهل الشام الثائرين: إن خروجكم المبارك ضد هذا الطاغية الجولاني وجهاز أمنه العام ومن قبله طاغية الشام ونظامه البعثي وفروعه الأمنية هو أمر زلزل عروش الطغاة والمجرمين وقض مضاجعهم وجعلهم يقفون على قدم واحدة فباتوا يصلون الليل بالنهار لبحث آلية للوقوف بوجه هذه الثورة وهذا الحراك وكيفية الالتفاف عليه، فلا بد لكم اليوم من إعادة ترتيب صفوفكم بشكل منظم والوقوف على ثوابت الثورة وكيفية المحافظة عليها من المتسلقين والمنتفعين ومن أعدائها.
إن ثوابت هذه الثورة هي إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، وقطع يد الكافر المستعمر والتبعية له، وإقامة حكم الإسلام في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة على أنقاض هذا النظام المجرم. وأيضا لا بد من قيادة سياسية مخلصة مبدئية صاحبة مشروع سياسي ودستور مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله، تكون قادرة على قيادة مركب الحراك الشعبي والثورة بأكملها لطريق الخلاص وذلك بفتح الجبهات والوصول لدمشق وإسقاط النظام المجرم وإقامة شرع الرحمن على أنقاضه وما ذلك على الله بعزيز. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ إبراهيم معاز