لا أدري كيف سينتهي طوفان الأقصى!
قد تكون هذه جولة أولى لها ما بعدها، وقد تكون فاتحة لمسيرة تراكبية متكاملة تتوسع فيها المعركة إلى مواجهة كبرى مع الحلف الصليبي-اليهودي تنتهي بنصر كامل وتحرير شامل ودولة إسلامية ترفع راية العقاب.
لا أظن أن هناك من يستطيع التنبؤ بما سيحدث خلال الساعات أو الأسابيع القادمة... ولكن ما أنا متأكد منه وأقسم بالله عليه غير متألٍّ على الله أن أبواب النصر قد فتحت بعد طول انغلاق، وأجزم غير ناكثٍ أننا في أول أيام النصر والتمكين... لا أقول هذا من باب التحليل السياسي ولا من باب الرؤية العسكرية لما في الميدان، بل هي سنة الله الثابتة التي لا تتخلف.
وحتى تتضح الصورة أعيد إلى أذهانكم مستوى الرعب الذي أصاب أمريكا والغرب وردة فعلهم السريعة جدا التي تبعتها قرارات عسكرية مصيرية فريدة من نوعها بسرعة عالية جدا لم يحتاجوا معها إلى طول مداولات برلمانية أو مناقشات حكومية.
تذكرون أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، فرغم ضخامة الحدث فقد احتاجت أمريكا الكثير من الاجتماعات البرلمانية والحكومية والمؤسساتية واجتماعات دولية ومحلية حتى تقرر إرسال الأسطول السادس للخليج العربي، ولكن في أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يحصل أي من هذا بل بسرعة البرق أرسلت أمريكا ثلاثة أضعاف الجيش والمعدات التي كانت قد أرسلتها لاحتلال العراق ومثلها فعلت دول أوروبا.
بكل تأكيد الموضوع ليس هزيمة عسكرية موضعية أو انهياراً أمنياً لكيان يهود، بل إن ردة فعل العالم الغربي تؤكد أن الموضوع أكبر من ذلك بكثير... فهذا ما أحسّت به مجسّات الدول الصليبية (صحوة عقائدية حقيقية). فالغرب لا يخشى العرب ولا يخشى الترك ولا يخشى الفرس، الغرب يرتعد من مواجهة الإسلام.
"صحوة العقيدة"، لعل هذا هو المصطلح الذي يجب أن يكون نظيرا ملازما لطوفان الأقصى، لا يستطيع أحد أن ينكر جهود آلاف المخلصين في مواجهة أفكار الكفر، ولا ينكر أحد جهود المخلصين في الصراع الفكري ومحاربة الشبهات ودعوة الأمة إلى دينها الصافي من جديد، ولكن كانت لطوفان الأقصى لمسةٌ خاصة؛ بأنه نقل الصراع الفكري والدعوة العقائدية من حالتها النظرية العامة إلى حالتها التطبيقية الخاصة.
تأملوا معي ثلاثة محاور فقط وقيسوا عليها ما تبقى:
- لا يوجد مسلم في الدنيا لم يقرأ سورة الإسراء، ولا أظن أن هناك مسلماً يكذّب وعد الله سبحانه بغلبتنا على اليهود، ولكن بسبب طول فترة الهزيمة والحملات التشويهية الفكرية والإعلامية أصبح لدى كثير من المسلمين شكٌّ صامتٌ بهزيمة اليهود، وبعضهم حتى يخرج من عذابه النفسي أخذ يرجم بالغيب فيعلّق تحرير فلسطين بالملحمة الكبرى أو ظهور المهدي أو ظهور الكوكب ذي الذنب أو خسف نجد، أو غيرها من الرجومات الغيبية التي هدفها الرئيسي تغطية يأس الناس من هزيمة اليهود.
وفي لحظة واحدة يستيقظ الناس؛ فيهرع أهل الأردن وسوريا ولبنان إلى المرتفعات المطلة على بيت المقدس وكأنهم ينتظرون في أي لحظة منادياً يدعوهم للصلاة هناك، وأخذ الناس جدياً يراجعون صلاة الفتح وكيفيتها.
في لحظة واحدة ومع إعلان أول خبر لدخول المجاهدين البواسل إلى المغتصبات وهروب جيش يهود من أمامهم، كان كافيا لإيقاظ بل لتفجير مفاهيم العقيدة في قلوب الأمة الإسلامية كلها... فسقطت من حسابات الناس كل المشاريع السياسية والدعوات الدولية وكأنها لم تكن في يوم من الأيام، ولم يعد يرضي جماهير المسلمين سوى التحرير الكامل فقط، فانعتقت ذهنية الأمة من ربقة الخضوع لمشاريع الغرب والمنظمات الدولية وعادت إلى صفاء القرآن وتمسكت بالوعود الربانية والمبشرات النبوية.
- ثم تأملوا معي كيف كانت الدعوة للوحدة الإسلامية وإقامة الخلافة محصورة على حزب التحرير وبعض المخلصين من حوله لمدة تقارب السبعين سنة، وكيف بذل حزب التحرير وغيره من المخلصين جهودا وتضحيات كثيرة لإقناع الأمة بهذا المشروع، وكيف كانت ردة فعل الأمة على مستوى الرأي العام غير ثابتة وضبابية وربما ضعيفة، مع أن فكرة الخلافة تختلج في صدر كل مسلم على البسيطة، ولكن الحلم بدولة الخلافة شيء وإقناع الناس بالعمل لها ميدانيا شيء آخر، ثم انظروا الآن ودققوا في اختلاف طريقة تفكير الناس كلهم وكيف أنهم أدركوا أخيرا أن الحل الوحيد فقط هو توحيد الأمة الإسلامية، وأدركوا بشكل لا رجعة فيه أن كسر الحدود وتحريك الجيوش هو الحل الوحيد بل الأوحد، وكيف أصبحت مطالب الجماهير العلنية: إسقاط العروش وكسر الحدود وتحريك الجيوش، وكيف أصبح الرجال خارج فلسطين يبكون ويجأرون شوقاً للوصول إلى فلسطين وبيت المقدس.
- لم تكن الأمة الإسلامية مقتنعة بحقها في الانتصار ولم تكن الأمة الإسلامية راغبة بإعلان الجهاد في سبيل الله والنفير كما هي اليوم بعد طوفان الأقصى.
- نعم أطفال غزة ونساؤها قدموا نموذجا عمليا ميدانيا كافيا لإيقاظ العقيدة في الأمة الإسلامية؛ فنقطة الصفر أشعلت قلوب الشباب عشقاً للجهاد في سبيل الله، وتسبيحات أهالي الشهداء أيقظت في الأمة الغيرة على دمائها، وجرائم اليهود أيقظت في الأمة المفاصلة العقائدية بين الكافر والمسلم والرغبة في المواجهة الحقيقية.
- ولكن ربما ما زالت لدينا وظيفة شرعية واحدة حتى تكتمل الصورة وحتى تستثمر هذه الصحوة العقائدية وصولا لدولة الخلافة القادمة قريبا بإذن الله، وهي إحياء روح التضحية في قلوب المسلمين خارج فلسطين.
وليس هناك أنسب من هذه الظروف لإحياء روح التضحية في قلوب المسلمين خارج فلسطين، حتى يحملوا هذه المفاهيم العقائدية، ليس إلى ساحات الهتاف في الشوارع المفتوحة، بل ليحملوا هذه المفاهيم العقائدية ويأخذوها بقوة وصلابة ويتخذوا إزاءها إجراء الموت أو الحياة، فيواجهوا حكامهم الظلمة كما يواجه المجاهدون يهود في الميدان، ويخلعوا العروش مهما كلفهم من تضحيات، ويجبروا الجيوش على التحرك مهما كلفهم من تضحيات.
- بذلك تكتمل دائرة الصحوة العقائدية ويتحقق الهدف المرجو؛ دولة خلافة إسلامية موحدة ترفع راية رسول الله ﷺ تتبّر ما علا اليهود تتبيرا، وإمام راشد يؤم المصلين في ساحات المسجد الأقصى بصلاة الفتح ذاكرين الله ومكبرين.
-
بقلم: الأستاذ جندل صلاح – الأرض المباركة – جنين