الأستاذ عبد الرحمن الواثق

الأستاذ عبد الرحمن الواثق

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

يتناول المراقبون للحروب الدائرة بين الأمم أو الجماعات بالتحليل، ثم يصفون هذا الطرف بالمنتصر، وذاك بالمنهزم. فإذا صح هذا في حال معينة، فكيف يصح مثله في قتال تدور رحاه بين الإخوة أبناء الأمة الواحدة كأمة الإسلام، باعتبارها ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾...؟! بل كيف يسوغ قتل الأخ لأخيه تحت مسمى "التشدد" و"الاعتدال" وأمثالهما من الأوصاف..؟! كما هو الشأن في الحروب المستعرة في العراق و

منذ الشروع في معارك (تحرير) مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة في 17/10/2016 والقتال بين الفريقين يسير بوتائر متباينة، فيشتد حينا ويخبو حينا، فقد كان تقدم القوات المهاجمة أسرع في بداية المعركة ولأسابيع بعدها، فتم تحرير قرى وبلدات متعددة من ضواحي المحافظة، ثم أصابهم تباطؤ واضح في الحركة، ربما كان بسبب ازدحام المدينة، أو هو ناتج عن أمرين، أولهما: شدة

منذ انطلاق معركة (تحرير) الموصل في 17/10/2016 والحرب تشتد حينا وتخفت حينا بين القوات العراقية من جيش وشرطة، وقوات (البيشمركة)، والحشد العشائري والحشد الشعبي ما يرفع عددهم إلى (مائة) ألف أو يزيدون، تساندهم قوات أمريكية بما يربو على (خمسة) آلاف مقاتل، في الصفوف الخلفية للقتال لتقديم

إن حضارة قامت على أهواء البشر التي لا تستقر على حال، وعقيدةٍ باطلةٍ كفصل الدين عن الحياة، وعقلٍ إنسانيٍ محدودٍ افترض خطأً أن الصراع على الموارد هو الأساس، وأن البقاء للأقوى... جديرةٌ بألا ينتج عنها غير الشرور والأزمات، وخراب المجتمعات وما يجره على البشرية من ويلاتٍ وآهات. وكل ذلك متجسدٌ - ولا شك - في زعيمة الإرهاب العالمي أمريكا... فلا ينبغي إذاً - والحال هذه - أن نحسن الظن بها مهما ادعت أو وعدت بأن ما تقوم به من جهود سياسيةٍ وحربيةٍ يراد به خيرٌ أو صلاحٌ لأهل الموصل خاصةً والعراق عامة، وكذا لأهل سوريا أو سواها من بلاد المسلمين... ذلك أن مقياسها في الحياة إنما هو مصلحتها فحسب، ولو أدى ذلك إلى إحراق العراق وأهله..!، وقد فعلت كل ما في وسعها لتدمير بلدٍ كان آمناً وتمزيقه شر ممزق، باحتلالٍ بغيضٍ فرض بالقوة العسكرية المفرطة فكانت محصلته أن ﴿جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾.

 

إن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة منتصف عام 2014م، ووقوع أهلها الأبرياء أسرى لديه، لم يكن نتيجة لمعركةٍ شرسةٍ خسرتها القوات المسلحة العراقية التي قدّر تعدادها بحوالي (50 - 70) ألف مقاتل بعد قتال ضارٍ مع قوّة جبّارة أضخم منها..! بل سقطت جراء مؤامرة دنيئة اضطلع بتنفيذها أجير أمريكا الغازية (نوري المالكيّ) وبأوامر عليا، تمّ التكتّم

لم يكن احتلال العراق ناجماً عن فكرةٍ وُلِدتْ في ظروفٍ سياسيةٍ معيَّنة، أو رِدَّةِ فعلٍ لحقبةٍ رسَمَها دكتاتورٌ متسلطٌ على شعبهِ فجاءت إليه حشود العسكر الأمريكيّ نَجدةً للمظلومين منهم، أو لإماطة الحيف والتعسُّف عنهم، بل ولا إحلالاً لحاكمٍ صالحٍ مكانَ فاسد... لا ليس الأمرُ هكذا، بل إنَّ ذلك الاحتلال الغاشم كان مُحصِّلة لمنظومةٍ من المخططات والمشاريع الشيطانية، تعاضدت عليهِ إداراتٌ أمريكية متتالية على اختلافِ تنوُّعها لإيقاع هذا البلد - أعني العراق - في هُوَّةٍ سحيقةٍ من الكوارثِ والمصائب يشيب لهول بعضها الولدان ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾

 

منذ وطِئت أقدام الغزاة الأمريكيين أرض العراق والموتُ بات هو السِّمةَ الأبرز في حياة الناس، ولم تعُد نشرات الأخبار تنقل إلينا غير فجائِعِ الترويع والتفجير والخطف والقتل على الهوية وهدم المباني والمساجد، وإحراق البنوك والمراكز

لا يختلف اثنان أنَّ مجموعة الأحزاب والكتل السياسية التي (تعاونت) مع الكافر الأمريكي المحتل، وأنجحت مشروعه التدميري، ومن كل الأطراف عربها وعجَمها، كوفئت بتسليمها مقاليد حكم العراق، لا لترعى شؤون شعبها فتكون عونا للناس، بما تقدمه من خدمات، أو تنفذه من مشروعات اقتصادية وعلمية وعِمرانية مُستغلين ما حبى الله تعالى به هذا البلد من ثروات وخيرات جَمَّة، يعضدُها وُفرة في الأيدي العاملة المنتجة والعقول النيّرة الخلاقة، فتنفتح أمامهم الفرص المواتية، ويزدهر الحال وينسى الناس ما ذاقوه فيما مضى مِن مُرِّ الظروف وشظف العيش.. لا لم يتسنَّمُوا سدة الحكم لشيء من ذلك على الإطلاق، ولكن لإكمال ما شرع به الغزاة المعتدون من مشاريع تفوح منها ريح الحقد والكراهية وزعزعة الأمن وتوقّف الحياة على ما فيها من آمال واسعة، فكان دستورهم الجائر، ومشاريع الأقلمة، ونظم المحاصصة الطائفية والعِرقية، ومفهوم الحكومات المحلية وإشاعة الفوضى وغياب القانون العادل، حتى تحوَّل العراق خلال عقد من الزمان أو يزيد إلى فقر وعوز بعد غنى، وخوف ورعب بعد استقرار، فأصبح بلدا فاشلاً تُضرب به الأمثال لا شبيه له إلا أسوأ بلاد الأرض..!

لم يعُدْ جيش العراق - وكذا جيوش المسلمين اليوم - يَملِك من الأمر شيئاً، بحُكم تبعيَّة حكومته للكافر المستعمر أولاً، واعتمادهم في التسليح والتجهيز على غيرنا مِن صُناع السلاح ثانياً، ولأن تلك القوى المُسلحة ما وُجِدتْ - بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية - إلا لحماية الأنظمة المفروضة قسراً، وتنفيذ ما يُوكل إليها من مُهمات، كما لم تَعُد تلك الجيوش تحمل همَّ الأمة لتدرأ أخطار المعتدين عنها، ولا يدور في خلد قادتها حملُ الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد.

لا يزال العراق بلدا محتلا منذ دنست أرضَه أمريكا الكافرة بعلوجها وأزلامها عام 2003، فأذلت أهله، ودمرت عمرانه، وفككت مؤسساته وسرحت جيشه، ونهبت أمواله وبددت ثرواته. ومن حينه عمِلَ الغزاةُ كل ما في وسعهم لتدمير هذا البلد العريق،