إن عدم الاستقرار الدولي وسياسات ترامب المتهورة واهتزاز موازين القوى يجبر القوى العالمية على اتخاذ إجراءات عاجلة وجذرية للدفاع عن المصالح. وآسيا الوسطى تحترق في نار تضارب مصالح هذه القوى، والسبب في ذلك هو الأهمية الجيوسياسية للمنطقة. ووفقاً لبيانات غير معلنة فإن ثروة آسيا الوسطى هي ثاني أكبر ثروة في العالم بعد الخليج العربي. وبحكم موقعها الجغرافي، فهي مفترق طرق يربط بين القارات، أي الشرق والغرب، ولهذا فهي ذات أهمية استراتيجية كبيرة في تسيير السياسة العالمية والهجوم وكذلك في العلاقات الدولية.
ومن المعروف أن العوامل المحركة للقوى العالمية هي الثروة والأمن وهي ما يحدد سياسة الاستعمار من حيث الثروة، وسياسة الدفاع من حيث الأمن. لذلك أصبحت آسيا الوسطى منطقة تصادمت فيها مصالح الدول الاستعمارية. أما فيما يتعلق بالأمن فبما أن الشرق الأوسط وآسيا الوسطى هما أكثر بلدان الأرض التي ظهر فيها الإسلام المبدئي السياسي الذي له قوة التأثير عالمياً فمن الطبيعي أن تكون هاتان المنطقتان في مركز السياسة العسكرية والدفاعية للمستعمرين الذين يعتبرون الإسلام عدوهم الرئيسي. وبناءً عليه تسعى القوى العالمية إلى السيطرة على الطرق الدولية في آسيا الوسطى التي هي مفترق الطرق من أجل إنجاح السياسات الاستعمارية والعسكرية الدفاعية على حد سواء. لأن هذه المنطقة هي جسر ذو أهمية استراتيجية من الناحية الجيوسياسية بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.
إن التصريحات الرسمية توضح ذلك:
قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2023: "إن ممرات النقل المستقرة والفعالة في آسيا الوسطى لن تمهد الطريق للنمو الاقتصادي في المنطقة فحسب بل ستربطها أيضاً بالأسواق العالمية".
قال رئيس الصين شي جين بينغ: "تحرص الصين على تعميق روابط النقل مع آسيا الوسطى. ونحن ندعم تطوير ممر النقل الدولي العابر لبحر قزوين ونقدم المحادثات بشأن بناء خط السكك الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان".
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بيان رسمي للاتحاد الروسي عام 2023: "إن تشكيل ممرات النقل في آسيا الوسطى هو أحد العناصر الرئيسية في إنشاء فضاء اقتصادي مشترك في أوراسيا".
قالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية: "نحن نرى آسيا الوسطى كنقطة رئيسية لروابط النقل المستدامة ونظيف البيئة بين أوروبا وآسيا".
وفي ظل وجود قوى متنافسة وتهديدات قائمة ومتوقعة من الطبيعي أن تكون هناك خيارات عدة للطرق الدولية وسيكون من الصعب اختيار الأنسب منها. ومع ذلك فإن القوى الاستعمارية أكثر اطمئنانا بشأن فتح الأنظمة الإقليمية "البوابات" أمام خططها.
فمثلا، قال رئيس أوزبيكستان شوكت ميرزياييف عن خط السكك الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان: "هذا حدث تاريخي حقاً تسعى إليه دولنا الصديقة منذ ما يقرب من 30 عاماً. فهو سيربط منطقة آسيا الوسطى بالصين عبر طريق بري قصير وسيعمل على توسيع نطاق التعاون المتعدد الأوجه بين دولنا وتعزيز شراكتها الاستراتيجية".
وقال عن ممر النقل العابر للقارات: "نحن بحاجة إلى الاستفادة الكاملة من إمكانات ممرات النقل العابرة للقارات التي تربطنا بالأسواق الكبيرة في آسيا والمحيط الهادئ وجنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، وتمر عبر أراضينا".
وقال رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف عن ممرات النقل عبر أفغانستان: "تجري حالياً مناقشة مسألة فتح ممرات نقل عبر أراضي أفغانستان. وستفتح هذه الخطوة الطريق للوصول إلى موانئ الأسواق المحتملة في دول جنوب آسيا والمحيط الهندي. وجميع دول المنطقة مهتمة بهذا الأمر".
وقال أيضاً حول تطوير البنية التحتية للنقل: "من الضروري تحسين اتصالات النقل بشكل شامل وزيادة تواتر الرحلات الجوية وفتح طرق جوية وسكك حديدية جديدة وتحديث المعابر الحدودية وما إلى ذلك وضمان التطوير المتقدم للبنية التحتية للنقل من خلال إدخال تقنيات مبتكرة وتوسيع قدرات النقل العابر للمركبات ولوجستيات النقل العابر".
وقال رئيس قرغيزستان صدر جباروف عن خط السكك الحديدية بين الصين وقرغيزستان وأوزبيكستان: "خط السكك الحديدية هذا مهم للغاية بالنسبة لنا، لقرغيزستان. فهو سيعمل على إنشاء ممر عبور بين أوروبا ودول أخرى بما في ذلك الصين عبر آسيا الوسطى".
وأكد رئيس طاجيكستان إمام علي رحمون على ضرورة أن تسعى دول آسيا الوسطى جاهدة لتنفيذ مشاريع النقل والبنية التحتية الكبرى، قائلاً: "وتحقيقاً لهذه الغاية، حددنا ممرات العبور التجارية ذات الأولوية والأهمية الدولية التي تمر عبر أراضينا من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب. ونقترح تطوير مفهوم مناسب من أجل تحقيق أقصى قدر من النتائج من تطوير النقل الدولي للبضائع".
ما الذي يمكن أن نتوقعه من هذه الأنظمة الدمى في المنطقة؟!
وأفغانستان التي قد تكون الحاجز أو الحماية الوحيدة تعتبر البوابة إلى هذه الطرق الدولية، ولهذا السبب يحاول عدو الأمس أن يتنكر في صورة صديق اليوم! فقد زار الممثل الخاص السابق لأمريكا في أفغانستان زلماي خليل زاد كابول في 20 آذار/مارس 2025، واجتمع هو والممثل الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون الرهائن آدم بويلر مع وزير خارجية طالبان أمير خان متقي.
وقال زامير كابولوف مدير إدارة آسيا الثانية في وزارة الخارجية الروسية في مركز أنباء "روسيا سيغودنيا" بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2024: "تدعم موسكو عضوية أفغانستان الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون بعد رفع حركة طالبان من قائمة المنظمات المحظورة". تتمتع أفغانستان حالياً بوضع دولة مراقبة في منظمة شنغهاي للتعاون. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024 زار وفد رفيع المستوى برئاسة أمين مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو كابول واجتمعوا مع قادة حكومة طالبان وناقشوا التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والنقل العابر. وأعرب شويغو عن استعداد روسيا لتعزيز العلاقات مع أفغانستان.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "تنوي روسيا تطوير العلاقات مع القيادة الحالية لأفغانستان حيث الوضع آخذ في الاستقرار".
وبحسب وكالة بلومبرج نقلاً عن مصادرها "تفكر بعض دول الاتحاد الأوروبي في فتح سفاراتها في أفغانستان حيث تتولى حركة طالبان السلطة. إن فتح مثل هذه المؤسسات في البلاد سيعني اعترافاً دبلوماسياً بمكانة المنظمة الإسلامية". إحدى تلك الدول هي إيطاليا. فوفقاً لوكالة بلومبرج قامت روما بمهمة خاصة مع أجهزة استخباراتها في العاصمة الأفغانية كابول خلال الأسابيع القليلة الماضية. بالإضافة إلى ذلك أكد وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني أن سفيرهم زار كابول مؤخراً. وقال تاياني في مقابلة على هامش قمة الناتو في واشنطن: "نحن نعمل على ذلك. لقد أكمل سفيرنا مهمته. هناك قضايا تتعلق بحقوق الإنسان. القرار صعب للغاية وسيستغرق وقتاً".
والخلاصة هي أن التوترات على الساحة الدولية تؤدي بدورها إلى زيادة الصراع على الطرق الدولية ما يجبر على إعادة بناء طرق النقل الرئيسية. وقد أصبحت آسيا الوسطى بما لها من أهمية جيوسياسية هدفاً وأحد مراكز هذا الصراع.
ومشروع ممر الهند - الشرق الأوسط - الاتحاد الأوروبي، الذي مات فور ولادته قد أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين. وكان من المقرر أن يصل هذا الممر الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر السعودية إلى الموانئ التي يسيطر عليها كيان يهود ثم إلى أوروبا متجنباً روسيا والصين. بمعنى أن هذا الممر كان تحدياً معلناً لمشروع "حزام واحد طريق واحد" الصيني والطريق الشمالي الروسي. ولكن بعد تصاعد التوترات في الشرق الأوسط بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تم إسكات المشروع.
إن السبيل الوحيد لإسكات صوت هذه المشاريع الاستعمارية الكافرة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى هو إقامة الخلافة الراشدة، فهي الطريقة الوحيدة التي تعيد للأمة حقوقها، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾.
بقلم: الأستاذ عبد العزيز الأوزبيكي