في 22 من نيسان/أبريل في باهالغام - كشمير، أطلق مسلحون من حركة المقاومة الكشميرية النار على سياح، ما أسفر عن مقتل 26 شخصاً، من بينهم زوّار من الإمارات ونيبال، ورغم إعلان الحركة مسؤوليتها، بقولها إن الهدف "لم يكن سياحاً عاديين، بل عملاء استخبارات"، ورغم إنكار باكستان واستنكارها، وواقع أن الطرفين (الهند وباكستان) يعملان سوية لتجفيف منابع المقاومة في كشمير المحتلة، وتجريم باكستان وملاحقتها لكل من يدعم المقاومة فيها، إلا أنّ الهند أصرّت على أن باكستان هي التي تقف وراء الهجوم، واتخذت تدابير انتقامية عدة من باكستان، من مثل أمر جميع الباكستانيين بالمغادرة في ظرف 48 ساعة، وإلغاء تأشيراتهم وإغلاقها الحدود بعد الهجوم، وأهمها تعليق المشاركة في معاهدة مياه نهر السند، وهو رافد كبير على إمدادات المياه في باكستان، خاصة للزراعة والطاقة، والذي وصفته إسلام آباد بأنه "إعلان حرب"، حيث إن هذه هي المرة الأولى التي تُتَّخذ فيها إجراءات من هذا النوع، منذ توقيع معاهدة مياه نهر السند عام 1960م، والتي ظلّت أحد العناصر القليلة المستقرة في العلاقات الهندية الباكستانية.
إن بصمات الهجوم لا تدلّ على أن حركة المقاومة هي التي قامت فعلاً به، فهي خطوة منفّرة للرأي العام ولا تخدم غايات المقاومة في الإقليم، حيث كان القتل بناء على الهوية والديانة، وهو خلاف نهج المقاومة السابق. لكن المستفيد الأول من هذا الهجوم هو حزب بهاراتيا جاناتا، حزب مودي الحاكم، الذي نشأ على العنصرية والطائفية واستعداء وتقبيح صورة الإسلام والمسلمين في الداخل الهندي والخارج الإقليمي، فهو حزب تمكّن من منافسة الحزب الإنجليزي المخضرم في البلاد (حزب المؤتمر) من خلال إشعال نار الفتنة الطائفية والدينية والتعصب للهندوسية ضد المسلمين، فحلّ محله في الحكم خلال العقدين الماضيين، وهذا هو السرّ الذي يبعث الحياة في الحزب، حيث تمكن من تجييش الطائفية بين السذّج من الهندوس (وهم الأغلبية في البلاد)؛ لإيصاله إلى المناصب التشريعية، والسياسية، والإقليمية، والعامة.
في هذا السياق، نذكر أنه كانت هناك منافسة شرسة على إقليم العاصمة الهندية دلهي، بين حزبي عام آدمي وبهاراتيا جاناتا، وهو أهم إقليم في الهند، ومتصل جغرافياً مع كشمير، حيث تنقسم الهند إلى 28 ولاية و8 أقاليم اتحادية، وتتمتع الولايات بحكومات منتخبة يقودها رئيس وزراء الولاية وجمعية تشريعية، ما يمنحها درجة كبيرة من الحكم الذاتي، إلى جانب سيطرتها على الأمن والشرطة والأراضي، ورغم أن دلهي تُصنَّف بوصفها إقليماً اتحادياً، فإنها تتمتع بوضع خاص باعتبارها إقليم العاصمة الوطنية. وتعود أهمية هذه الانتخابات لحزبي عام آدمي وبهاراتيا جاناتا إلى أن هذه الانتخابات تُشكِّل محطة مهمة لحزب عام آدمي، لسببين: الأول: تعرض الحزب لهجمات متكررة من حزب بهاراتيا جاناتا على مدى السنوات الماضية، حيث اعتُقل العديد من وزرائه في حكومة دلهي، بمن فيهم زعيمه كيجريوال، والثاني: أنّ حزب عام آدمي إلى جانب حزب المؤتمر الوطني الهندي يُعدّ من بين القلة من أحزاب المعارضة التي تمتلك نفوذاً في أكثر من ولاية على مستوى الهند، فمعظم الأحزاب المعارضة الأخرى يقتصر نفوذها على ولاية واحدة في أغلب الأوقات. وإذا تمكّن حزب عام آدمي من الاحتفاظ بالسلطة في دلهي، فسيتمكن من تعزيز موقعه كقوة معارضة رئيسية على المستوى الوطني، وعلى الجانب الآخر، فإن هذه الانتخابات تُعد مهمة لحزب بهاراتيا جاناتا، إذ لم يتمكن من الفوز بأي انتخابات لتشكيل حكومة في دلهي منذ عام 1998م، ما جعله بعيداً عن السلطة في الإقليم.
وهكذا، فإن استماتة حزب مودي للفوز في أهم الأقاليم الهندية، وافتقاره لخطط انتخابية تُغري الناخبين، دفعته لافتعال الحادث أو استغلاله، بعد أن مهّد الطريق أمام المهاجمين، حيث خلت المنطقة التي تم فيها الهجوم من قوات الأمن التي يعجّ بها الإقليم عادة! لقد دأب الحزب على استخدام الملف الطائفي كورقة انتخابية رابحة له، ومرد استخدام العنف الطائفي هذا، هو ضعف احتمال فوز حزب مودي في انتخابات الإقليم الأخيرة، لذلك لزم أن يكون التجييش والحدث كبيراً، وعلى مستوى الدولة، وليس على مستوى الإقليم فحسب.
على الجانب الآخر، فإن حكومة باكستان التي خذلت أهل كشمير، تتعرض إلى ضغوط شديدة هذه الأيام من الرأي العام، جراء خذلانها للأرض المباركة فلسطين، ومن المسيرات والمظاهرات المنددة بهذا الجمود، والمطالبة بتحريك الجيش الباكستاني للزحف نحو القدس، فوجدت الحكومة الباكستانية ضالّتها في هذا الهجوم حتى تُصرف أنظار الشارع عن المطالبة بنصرة أهل غزة إلى مواجهة العدو اللدود الذي "يتربص" بهم ويهدد بالانتقام؛ فأصبحت الواقعة مصلحة مشتركة بين الدولتين المواليتين لأمريكا، تتبادل بسببها التصريحات النارية وتتفنن في إلقائها، دون أن يتمخض عنها أي تحرك انتقامي حقيقي إلى الآن، رغم مرور أكثر من عشرة أيام وانتهاء الانتخابات الإقليمية!
لو كانت باكستان بعيدة عن التواطؤ مع الهند في هذا الحدث، لاتخذته فرصة سانحة لإلغاء جميع المعاهدات السلمية والتطبيعية معها، ولتحركت نحو تحرير جامو وكشمير وضمّها إلى باكستان، في ظل انشغال الغرب والصين بعضهما ببعض، لكن مثل هذا غير كائن في ظل قيادات متخاذلة وخائنة لقضايا الأمة، ومنها قضيتا كشمير والأرض المباركة فلسطين. يجب على المخلصين في الجيش الباكستاني تنظيف صفوفهم من هذه القيادات، وإعطاء النصرة لحزب التحرير، الذي سيقود البلاد والعباد والجيش النووي لتحرير بلاد المسلمين من كل محتل، وإعادة شبه القارة الهندية كلها إلى حظيرة الإسلام وكنف المسلمين، وإن ذلك لكائن قريباً بإذن الله، وما على المخلصين إلا القيام بما أوجبه الله عليهم حتى يظفروا بأجر ردع الهند وشرف غزوها، قال رسول الله ﷺ: «عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمُ اللهُ مِنَ النَّارِ: عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» رواه أحمد.