بعد تفريط القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية في النصر الذي حققه نسور سلاح الجو الباكستاني وأسود الجيش على الهند الشهر الماضي، وتلقين الهند درساً لن تنساه أبداً، وذلك بقبولها وقف إطلاق النار بين البلدين، في ظل إصرار الهند على وقف العمل بمعاهدة المياه وحرمان باكستان من نحو 80% من المياه المتدفقة إليها من نهر السند - الذي ينبع من الصين ويمر بالهند ثم باكستان - واحتفاظ الهند باحتلالها لكشمير.. وبعد وساطة ترامب رئيس أمريكا لفرض وقف إطلاق النار بين البلدين وإنقاذ الهند من الورطة التي أوقعت نفسها فيها دون تقدير صحيح لحسابات القوة، أعلنت باكستان يوم السبت 12/6/2025 عن ترشيحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام لعام 2026، وذلك بزعم "جهوده الدبلوماسية في تهدئة التوتر" بين باكستان والهند في أيار/مايو الماضي!
وقد ورد في بيان الحكومة الباكستانية: "بعد العدوان الهندي غير المبرر، أظهر الرئيس ترامب بُعد نظر استراتيجياً وحنكة سياسية فذة من خلال تواصل دبلوماسي مكثف مع إسلام آباد ونيودلهي، ما أسهم في تهدئة الوضع المتصاعد، وتأمين وقف لإطلاق النار، وتجنّب صراع أوسع بين الدولتين النوويتين". وأضاف البيان أن الحكومة "تُقدّر الجهود التي بذلها ترامب لحل النزاع الطويل حول جامو وكشمير، باعتباره السبب الرئيسي في العداء بين البلدين".
وفي تناقض صارخ بين الموقف الباكستاني، المفترض أنه موقف المنتصر في الحرب، والموقف الهندي، المفترض أنه موقف المنهزم، كان موقف الهند أكثر استقلالية واحتراماً للذات من موقف باكستان المنبطح! إذ نفى المتحدث باسم وزارة خارجية الهند، راندهير جايزوال، تصريحات ترامب التي زعم فيها أن الولايات المتحدة عرضت على الهند وباكستان حوافز تجارية مقابل وقف القتال، ولوّح بوقف التبادل التجاري في حال لم تستجيبا. وأكد جايزوال أن وقف إطلاق النار تم بقرار ذاتي من القيادتين العسكريتين في البلدين دون تدخل خارجي. ولم تنفِ باكستان هذه التصريحات، ما يدل على أن القيادة العسكرية خانت الأمة وتنازلت عن النصر مباشرة، بل حتى دون وجود وسيط أو تهديد من ترامب. وقد تزامن إعلان ترشيح ترامب مع زيارة قائد الجيش الباكستاني منير إلى الولايات المتحدة ولقائه بترامب في البيت الأبيض، وذلك قبل يوم واحد من مشاركة أمريكا مع كيان يهود في قصف ثلاثة مفاعلات نووية في إيران.
وعلى الرغم من الرفض الشعبي الواسع في باكستان لهذا القرار، خاصة بعد تورط ترامب في دعم الحرب ضد إيران، واستمراره في تمويل وتسليح كيان يهود الذي قتل أكثر من مائة ألف من أهل غزة، ما زال النظام يصفه بأنه "رجل سلام!"، فكيف يُمنح هذا اللقب لشخص تقطر يداه من دماء المسلمين؟! وقد دفعت فداحة هذا الاقتراح عدداً من شخصيات النظام نفسه إلى الخروج عن صمتهم واستنكار القرار؛ حيث قال السيناتور السابق مشاهد حسين في تغريدة على منصة إكس: "بما أن ترامب لم يعد صانع سلام محتملاً، بل قائداً أشعل حرباً غير مشروعة عمداً، فعلى الحكومة الباكستانية أن تسحب ترشيحه فوراً". كما وصف أمير الجماعة الإسلامية، حافظ نعيم الرحمن، القرار بأنه "عار وطني"، مضيفاً أن ترامب يدعم علناً مذابح كيان يهود بحق أهل فلسطين. وطالب النائب في البرلمان، علي محمد خان، الحكومة بمراجعة القرار، مشيراً إلى عدوان أمريكا على إيران. كما اعتبرت سفيرة باكستان السابقة لدى واشنطن أن الترشيح "تملق سياسي رخيص"، مشيرة إلى أنه لا يمثل رأي أهل باكستان. وبالتالي، من الواضح أن الحكومة اتخذت قرارها بناءً على تملقها لترامب، لا بناءً على إرادة الناس أو احتراماً لانتمائهم للأمة وقضاياها.
وفي ظل نظام يحكم بمنطق المنفعة الشخصية والمصلحة الضيقة، نرى أمثال قائد الجيش منير يمررون مصالحهم وصفقاتهم المالية الخاصة، مدعومين بأصوات خافتة مثل السفير السابق جاويد حفيظ، الذي حاول تبرير الترشيح بقوله إن باكستان حققت فائدتين؛ أولا: الحفاظ على علاقة صداقة مع ترامب، الذي قد يتوسط مجدداً مع الهند. والثاني: إحراج الهند التي ترفض وساطة أي طرف ثالث. ولكن هل يصدق عاقل أن ترامب "رجل سلام" وهو الذي أشعل الحروب والمذابح في البلاد الإسلامية خلال أقل من ستة أشهر من توليه منصب الرئاسة؟! وهل يُعقل أن يكون صديقاً لإسلام آباد بينما هو حليف استراتيجي للهند؟! وهل ترامب يؤمن بالصداقة لأحد، وهو الذي يغير مواقفه وتصريحاته بين عشية وضحاها؟! وهل يظن عاقل أن ترامب سيقدم باكستان على الهند المشركة حليفته المفضلة في المنطقة؟! وهل الهند محرَجة حقاً من ترشيح باكستان لترامب، أم أن الموقف الحقيقي هو أن باكستان هي من وضعت نفسها في هذا الموقف المخزي؟!
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
رأيك في الموضوع