نشرت قناة العربية على موقعها الخميس 3/7/2025م، تحت عنوان "مصر لإثيوبيا: افتتاح سد النهضة غير شرعي ومخالف للقانون الدولي"، خبرا قالت فيه: إن وزير الري المصري هاني سويلم أكد رفض القاهرة سياسة فرض الأمر الواقع عبر إجراءات أحادية دون اتفاق ملزم يراعي مصالح مصر والسودان، متهماً إثيوبيا بانعدام الإرادة السياسية والمراوغة للترويج لصور إيجابية رغم تعثر المفاوضات منذ 13 عاماً. من جهته، زعم رئيس وزراء إثيوبيا أن السد لم يضر مخزون المياه المصري أو السوداني، بينما شددت مصر على أن هذا الملف قضية وجودية ولن تسمح بفرض الهيمنة المائية.
وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، اكتمال بناء سد النهضة وافتتاحه رسمياً في أيلول/سبتمبر المقبل. جاء هذا الإعلان المتحدي بعد مسيرة تفاوضية تجاوزت 13 عاماً، تخللتها جولات لا تكاد تحصى من الاجتماعات والبيانات والتصريحات، وانتهت جميعها بالفشل التام. وبينما تسارع إثيوبيا لفرض هيمنتها على مياه النيل، خرج وزير الري المصري ليصف هذا التحرك بـ"غير الشرعي" و"المخالف للقانون الدولي"، مؤكداً أن مصر لن تقبل بتهديد حقوقها المائية. لكن وراء هذه البيانات العاجزة تكمن حقيقة أعظم وهي أن هناك قوة تقف وراء إثيوبيا وتضمن لها صمت النظام المصري وتواطؤه وتدفعها نحو مشاريع ستكون أداة ضغط استراتيجية وسلاحا موجها نحو مصر وأهلها، فهذا التمادي الإثيوبي ما كان له أن يتم لولا عمالة النظام المصري لمن يقف وراء إثيوبيا، وغياب دولة تطبق الإسلام وتحمي مقدرات الأمة.
منذ بداية الأزمة، سعت الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين إلى حصر القضية في دائرة المفاوضات الفنية والمباحثات القانونية والضمانات الدولية. وقد جرى تحويل قضية تمس حياة أكثر من مائة مليون مسلم إلى مسألة خلاف على تفاصيل الملء والتشغيل ووتيرة تخزين المياه. وجرى تغييب جوهر الموضوع بأن مياه النيل ملكية عامة للأمة، وأن التعدي عليها عدوان سافر يوجب الردع، لا الانتظار ولا التوسل للهيئات الغربية.
فمياه النيل ليست مجرد مورد طبيعي يتم التفاوض عليه في غرف مغلقة، بل هي من الملكيات العامة التي فرض الإسلام على الدولة صيانتها. قال ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ».
إن الذي تجرأ على فرض هذا الواقع هو أنظمة سايكس بيكو المفككة التي لا تملك إرادة مستقلة، بل هي صدى لمصالح الدول الكبرى. فعندما تغيب الدولة الواحدة الجامعة للمسلمين، تصبح بلادهم وأرزاقهم عرضة للطمع والهيمنة، وهذا ما يظهر جليا في بلادنا التي يهيمن الغرب عليها.
طوال السنوات الماضية، لم تمل الأنظمة الحاكمة في مصر والسودان من الحديث عن "القانون الدولي" و"المواثيق الملزمة" و"الإعلان الثلاثي" الموقع عام 2015. لكن الحقيقة المرة أن هذا القانون الدولي صممته الدول الكبرى لحماية مصالحها، وليس لحماية حق المسلمين في مياههم وثرواتهم. بل إن الإعلان الثلاثي نفسه كان أول تنازل رسمي أعطى إثيوبيا شرعية سياسية لمشروعها، حين أقر بحقها في التنمية دون إلزام محدد يوقف الملء الأحادي أو يضمن التوزيع العادل للمياه.
إن الانشغال بتكرار بيانات الشجب والاحتكام إلى دوائر غربية متواطئة لن يجلب لمصر قطرة ماء واحدة. والإسلام لا يقبل أن تُعطى حقوق الأمة هدية على موائد المفاوضات، ولا أن يتحول التعدي إلى أمر واقع يكرسه العجز والتفريط.
إن النظر لقضية سد النهضة ينطلق من أصل قطعي وهو صيانة مقدرات الأمة ومنع الإضرار بها. يقول جل وعلا: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ ويقول: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾، ومن المعلوم أن كل تصرف يهدد حياة الناس ومعاشهم هو اعتداء يُردع، لا أن يُهادن. شرع الله لا يقر الانتظار 13 عاماً على مائدة التفاوض، ولا يقبل بتعليق مصير الأمة على قرارات مجالس خاضعة لهيمنة الاستعمار.
لقد كشف وزير الري المصري في تصريحه الأخير أن إثيوبيا دأبت على المراوغة وتزييف الصورة الذهنية أمام العالم، وأنها بلا إرادة سياسية للتوصل إلى اتفاق. لكن السؤال الأهم هو لماذا يصر النظام المصري على استجداء إثيوبيا وهو يدرك هذه الحقائق؟ لماذا لا تتحرك الجيوش التي تنفق عليها الأمة المليارات، والتي لو صدقت العزيمة فهي قادرة على حماية شريان الحياة؟
إن أزمات الأمة في النيل وفي فلسطين وفي كل بقعة، لها سبب جوهري واحد هو غياب حكم الإسلام. فلو كانت للأمة دولة تطبق الشرع، لما تجرأت إثيوبيا ولا غيرها على التطاول على مقدراتها.
يا أهل الكنانة: لا تنخدعوا بخطاب القانون الدولي ولا ببيانات رفض سياسة الأمر الواقع. فالمشكلة ليست في عناد إثيوبيا، بل هي في عجز الأنظمة وتواطؤها؛ فقد قبلت التفاوض العبثي ورضيت بإعطاء الشرعية لمن يعتدي على مقدراتكم، وإن سد النهضة مرآة واضحة تكشف عمالة النظام. وإننا نوقن أن الأمة ستفيق من غفلتها وتعمل على استعادة سلطانها، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتستعيد كرامتها وتردع كل من يفكر بالعبث بحقوقها.
يا أجناد الكنانة: إن حماية الأمة ومياهها وثرواتها أمانة في أعناقكم، فكونوا كما أراد الله منكم أنصارا لله ودينه ورسوله، واعلموا أنكم الأقدر على التغيير، والنظام ومن خلفه يعلمون هذا ويغدقون عليكم الأموال والمميزات على سبيل الرشوة ليشتروا ولاءكم، وإنه والله لعرض الحياة الدنيا الزائل، فالفظوا عنكم دنيا الحكام واستبدلوا بها جنة عرضها السماوات والأرض، ستنعمون بها بقطعكم حبال ولائكم لنظام البغي هذا ووصلها بالله وحده وإعطاء النصرة لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فيا فوزكم حينها ويا عزكم بها في الدنيا والآخرة.
بقلم: الأستاذ محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر