في الآونة الأخيرة نلاحظ توترات عالية المستوى ومتعددة؛ حروب أهلية وانقلابات عسكرية ومجاعات وهجرة...
فهل ستكون قارة أفريقيا ساحة تصفيات وصراعات دولية، خاصة بعد أن استطاعت أمريكا إخراج أغلب الدول الاستعمارية من الشرق الأوسط وسيطرت على محاوره وبدأت بتنفيذ مخططاتها فتقوم اليوم بتفتيت الدول الكبيرة، وتغيير الحدود من حدود سايكس وبيكو إلى حدود قائمة على المذهبية والقبلية والعرقية، أي حدود الدم؟ حيث نلاحظ اليوم بدء حراك مشبوه في القارة السمراء يأذن بصراع دولي لأخذ كل ما كانت أوروبا تمتلكه من شرق القارة إلى غربها ومن شمالها إلى وسطها. فإخراج أوروبا من أفريقيا بشكل نهائي يأذن بسقوط دول كبرى أوروبية أو إضعافها بشكل كبير لأنها تعيش على حساب ثروات هذه القارة السمراء.
فمحاولات أمريكا للدخول إلى عمق أفريقيا وتغيير الخارطة السياسية وأيضا تغيير الحدود وتقسيم الدول الكبرى لتكون عاجزة عن لم شتاتها وخاصة في الوقت الحالي الذي يتخوف منه الغرب من سقوط هيمنته وخاصة أثناء الأزمات الكبيرة القادمة )الانهيار المالي الكبير ومغبة حدوث حرب عالمية ثالثة أو اشتداد الحرب الباردة لإسقاط الهيمنة الأمريكية...الخ).
إن الصراع في هذه القارة يأخذ أشكالاً متداخلة جدا؛ أهمها الصراع الدولي في بعض الدول، وهناك صراع نفوذ في بعض المناطق، وصراع موارد، وهو في عموم القارة. وسنلقي نظرة على هذه الصراعات لفهم الواقع في هذه القارة:
الصراع الدولي هو حقيقة موجود سابقا في هذه القارة ولكن على شكل حرب باردة جديدة على أفريقيا حيث إن معظم أفريقيا قبل الحرب العالمية الأولى كانت قد خضعت إلى التقسيم بين القوى الأوروبية وذلك في مؤتمر برلين 1884-1885 حيث احتلت الدول الأوروبية الأراضي الأفريقية، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى حدث تقسيم جديد للمستعمرات وفق قرارات عصبة الأمم آنذاك تحت مسمى نظام الانتداب وأصبح التقسيم الفعلي بعد الحرب العالمية الأولى كالتالي:
بريطانيا: مصر والسودان ونيجيريا وغانا وكينيا وأوغندا وجنوب أفريقيا وزيمبابوي وزامبيا وتنزانيا
فرنسا: الجزائر وتونس والمغرب ومالي والنيجر وتشاد والسنغال وموريتانيا والكاميرون الشرقية وتوغو الشرقية ومدغشقر.
بلجيكا: الكونغو وراوندا وبوروندي
إيطاليا: ليبيا وإريتريا والصومال الإيطالية
البرتغال: أنجولا وموزمبيق وغينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر وساوتومي والبرينسيب
إسبانيا: الصحراء الغربية، غينيا الاستوائية، وشمال المغرب.
ولكن بعد الحرب العالمية الثانية وظهور قوتين هما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ورفع أمريكا شعار تحرر الشعوب، وطبعا الغاية هي بسط نفوذها هي على هذه الدول بدل أوروبا، ما دفع الدول الأوروبية إلى إعطاء هذه الدول استقلالها وتنصيب عملائها حكاما عليها لإدارة مصالحها، وكانت الحصة الكبرى لبريطانيا صاحبة القوة والدهاء السياسي، وكانت تعتني بالعملاء وتصنع وسطاً لهم فحصلت على أكبر دول تابعة لها، وفرنسا حافظت على ما استطاعت الحفاظ عليه.
وهنا انتهى نظام الانتداب التقليدي وبدأ زمن السيطرة غير المباشرة، ومنذ ذلك الحين وأمريكا تسعى إلى التوغل في أفريقيا، حيث كانت مصر تابعا استراتيجيا لها ونقطة تنطلق منها، وقد استطاعت بعد محاولات عدة شراء نفوذ عبر القواعد العسكرية والمساعدات تحت مسمى الإنسانية والتدريب العسكري وما شاكلها من أساليب خبيثة، وقد تحصلت على أكبر قاعدة في جيبوتي وقواعد في كينيا والصومال.
واليوم بعد اندلاع ما سمي بالربيع العربي شهدت القارة تحولات عميقة فكانت هناك انقلابات كثيرة شملت مالي وبوركينا فاسو وغينيا والسودان وأخيرا النيجر، وبعدها اندلعت مظاهرات السنغال والتحركات في إثيوبيا وخاصة ميليشيات فانو في إقليم الأمهرة. وهي أغلبها ضمن الصراع الدولي، فمنها ما حسم ومنها ما لم يحسم بعد، كما حدث في ليبيا قبل الوصول إلى شبه استقرار لصالح أمريكا، وما تشهده السودان بعد سيطرة العسكر. ولإضاعة الفرصة على بريطانيا، اصطنعت أمريكا صداما بين العسكر، ومن خلال هذا الصراع فوتت الفرصة على الوسط البريطاني الموجود في السودان وهيأته للتقسيم الذي تصبو إليه. وما ستواجهه نيجيريا بعد تهديدات مباشرة من رئيس أمريكا ترامب بحجه حماية النصارى هناك.
كل هذا يؤدي إلى استمرار هذا الصراع حتى إنه سيطال شمال أفريقيا (الجزائر، تونس، المغرب) والقرن الأفريقي والساحل الأفريقي حتى يتم إخراج النفوذ الأوروبي بشكل كامل وينتقل بعدها من صراع دولي إلى صراع نفوذ وصراع موارد.
أي بعد سيطرة أمريكا على البلاد استطاعت أن تقوم بخلق نفوذ قوة مختلفة بين القوى الإقليمية أو أهل البلاد لخلق صراع تدير أحداثه، على سبيل المثال إثيوبيا وصراعها مع السودان فهو صراع حدود وهوية ونفوذ ومياه، وأيضا صراع مصر مع إثيوبيا هو صراع استراتيجي ومياه، والسودان صراع نفوذ قبلي، وليبيا صراع نفوذ بين شرق وغرب البلاد.
وصراع النفوذ يختلف عن صراع الدول فقد تسمح أمريكا بعد سيطرتها بدخول لاعبين ضعفاء من الخارج لسوق الساحة لما تحب أن تحدثه كما يحدث في السودان بتدخل الإمارات ولكن بشكل محدود وضمن مصالح منفعية وليست استراتيجية.
أما صراع الموارد فهو صراع تدور محاوره حول الثروات الطبيعية والتحكم في الموارد الحيوية والممرات المهمة التي تحاول أمريكا السيطرة عليها بشكل كامل مثل باب المندب وخليج غينيا والبحر الأحمر، ومعروف أن القارة الأفريقية غنية جدا بهذه الموارد وفي مناطق تعتبر بكراً أي لم ينقص منها شيء كثير، وهنا تدخل دول أخرى على الساحة كالصين وروسيا ودول أصغر منهما ولكن الصراع يدور حول الحصول على مكاسب مادية من دون التدخل في الدولة وسياساتها، وهنا تكون خاضعة لما تراه أمريكا أو تسمح به. طبعا مع وجود الحركات والمليشيات التي تشكل أدوات الصراعات بكل أنواعها كالجماعات المسلحة الموجودة حاليا (بوكو حرام، وحركه الشباب، وM 23، والجنجويد، وقوات فاغنر).
وهذه الصراعات لن تتوقف مطلقا حتى لو أصبحت القارة بيد أمريكا وحدها فإن استمرار هذه الصراعات يديم وجود أمريكا، وحالة النهب وتغييب شعوب البلاد واستعبادهم وإلهاؤهم بالفتات حتى يتسنى لهم النهب الممنهج والمنظم والذي قد يصل إلى حقوق شبه شرعية دولية زائفة تسمح لهم بالاستمرار.
وهذا يعني أنه سوف يشتد الصراع في القارة السمراء، وقد نرى مجازر وخيانات وانقلابات مستمرة وحروبا إقليمية وحروبا أهلية وقودها أهل المنطقة ودمار أراضيهم وبناهم التحتية.
لذلك نهيب بأهل القارة أن يختصروا على أنفسهم الدمار الذي سوف يصب عليهم صبا، ونقدم لهم بوصلة الحل الجذري لكل مشاكلهم، ألا وهو الخلافة الراشدة التي تحمي وترعى حقوقهم وتحفظ دماءهم، وتحقق العدل والمساواة بينهم، وتوقف الاستعمار بكل أشكاله، وتعيد لهذه القارة قوتها وخيراتها المنهوبة وتخلصها من النظام الرأسمالي الجشع.
أيها المسلمون: إن استمرار الهيمنة الغربية لن يورثنا إلا ضعفا وذلا، لذلك يجب علينا ونحن نملك الحل للناس بإخراجهم من عبادة الرأسمالية التي تنهب ثرواتهم وتقتل أولادهم وتحتل بلادهم إلى عدل الإسلام ونوره.
لذلك ندعوكم إلى غذ السير معنا لاستئناف الحياة الإسلامية كما أمرنا الله ورسوله، فتفوزوا بعز الدنيا والآخرة، ونلفت نظر جيوش هذه القارة العظيمة أن دماءكم ستسفك، ولكن قاتلكم ومقتولكم في النار إن لم يكن قتالكم لإعلاء كلمة الله، فكونوا واعين لما تُقدم ولمن تقدم فإن يوم الحساب قادم وكلٌّ مسئول عما اقترفت يداه.
بقلم: الأستاذ نبيل عبد الكريم