موجة الغضب وما رافقها من احتجاجات في المغرب، لا يمكن فصلها عن ثورات الأمّة التي انطلقت عام 2010-2011، سواء من حيث المطالب الإنسانية أو السياسية، التي تمت السيطرة عليها جزئياً عبر آليات الاحتواء الدستوري والسياسي، بما يتماشى مع المشروع الدولي لاحتواء الثورات.
تميز السياق المغربي بقدرة النظام حينها على احتواء الاحتجاجات عبر إصلاحات دستورية، وانخراطه في المشروع الدولي للانتقال السياسي المضبوط كما تجلى في مؤتمر دوفيل عام 2011، ما ساهم في تقليل حدة المطالب الداعية للتغيير الجذري والإطاحة بالنظام.
قيادة الاحتجاجات عبر "الجيل زد 212"
تميزت احتجاجات المغرب الأخيرة بظهور حركة شبابية رقمية بلا قيادة تعرف بـ"الجيل زد 212"، والتي تنظم نفسها عبر منصات التواصل وتنأى عن الأحزاب السياسية التقليدية، كما تركز على مطالب إصلاحية مجتمعية واقتصادية دون المطالبة بإسقاط النظام، لذلك اقتصر ردّ السلطة على تدخل قوات الأمن الداخلي للسيطرة على الاحتجاجات.
موجة الغضب التي توزعت في العديد من المناطق، نبعت من مظالم مجتمعية واقتصادية عميقة، أبرزها تدهور الخدمات العامة خاصة في القطاعين الصحي والتعليمي، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وانتشار الفساد الحكومي وسوء الإدارة. وقد تفجرت الاحتجاجات بقوة بعد حادثة وفاة ثماني نساء أثناء الولادة في مستشفى الحسن الثاني بأكادير، ما جسد انهيار النظام الصحي وأشعل الغضب الشعبي. وتوجه الاحتجاجات انتقادات حادة لسياسات الإنفاق الحكومي التي تهتم بتمويل الأحداث الكبرى ككأس العالم على حساب الخدمات الضرورية لطبقات تعيش دون خطّ الفقر.
تمثل حركة "جيل زد 212" البارزة في الحراك تحولاً نوعياً في المشهد الاحتجاجي المغربي، حيث تجسد جيلاً شاباً رقمياً بلا قيادة مركزية، يعتمد التنظيم الشبكي عبر منصات رقمية مثل "ديسكورد" و"تيك توك". تتبنى الحركة هوية وطنية خالصة من خلال الرمز "212" الدال على المفتاح الهاتفي للمغرب.
ماذا بعد تعليق الاحتجاجات؟
علّقت حركة "الجيل زد 212" احتجاجاتها مؤقتاً اعتباراً من 11 تشرين الأول/أكتوبر 2025. وقد اعتبرت هذه الخطوة استراتيجية لإعادة تنظيم صفوفها والاستعداد لخطوات مستقبلية أكثر فعالية، مع تأكيدها التزامها الراسخ بجميع مطالبها.
كما تواجه الحركة الشبابية تحدياً مركباً يتمثل في احتمالية تحول الدولة من سياسة الاحتواء الناعم إلى القمع الصريح، حيث يمكن استشعار هذا التحول من خلال مؤشرات ميدانية مثل التضييق الإعلامي الممنهج، والتحركات الأمنية الاستباقية، والحملات التشويهية المنظمة، والتغير في الخطاب الرسمي تجاه الحركة.
في حال تزامن بعض هذه المؤشرات، فإن السيناريوهات المحتملة تنقسم بين انكماش الحركة مؤقتاً إلى حالة "الكمون التكتيكي"، أو تحولها نحو الراديكالية التدريجية كرد فعل على القمع، أو تحقيق "شرعنة من بوابة القمع" عبر تحويل الضغط إلى فرصة للتحول السياسي الذكي. تجدر الإشارة إلى أن الحركة تعي هذه التحديات وتتعامل معها باستراتيجية تقوم على تجنب التنظيم الهرمي والخطاب الراديكالي المباشر، كما تتحرك في إطار "الشرعية المقبولة دولياً" عبر التركيز على المطالب المجتمعية والحقوقية التي ترفع كلفة القمع على النظام أمام النظام الدولي.
الحضور الإسلامي في الحراك
السلطات المغربية تعتبر "الركوب الإسلامي" على الاحتجاجات خطاً أحمر، وقد تُشدد القمع إذا رصدت أي تنظيم سياسي خلفها. لذلك يلتزم الإسلاميون - حتى المعارضون - سياسة "الحضور الصامت".
هذا ما جعل حضور الإسلاميين في الاحتجاجات، ملموساً لكن غير مهيمن. الأحزاب الإسلامية التقليدية مثل العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح غابت تقريباً عن قيادة الحراك بسبب فقدانها شعبيتها بعد تجربتها في الحكم، واكتفت بمواقف حذرة لتفادي منح النظام ذريعة لتشويه الاحتجاجات. في المقابل، شارك شباب من قواعد إسلامية بصفتهم الفردية، مندمجين في المطالب المجتمعية نفسها دون رفع شعارات دينية. أما جماعة العدل والإحسان، وهي أكبر تنظيم معارض إسلامي غير مرخص، فاعتمدت مقاربة تكتيكية: تعبئة واسعة من الخلف دون قيادة معلنة، مع التركيز على شعارات العدالة المجتمعية والكرامة ومحاربة الفساد، دون الاصطدام مع الدولة. الشعارات العامة للحراك بقيت حقوقية ومجتمعية، ما يعكس تحوّل المشهد الاحتجاجي نحو مطالب جزئية، مع احتفاظ الإسلاميين بدور "الرافعة الشعبية الصامتة" في خلفية الساحة.
خطورة ارتباط الجيل الزد بالمنظمات غير الحكومية
ما يمكن الإشارة إليه هو ارتباط حراك "الجيل زد" تنظيميا بعلاقة غير معلنة مع المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية (NGOs)، تقوم على التقاطع في القيم والخطاب الحقوقي المشترك دون تنسيق تنظيمي مباشر. حيث توفر المنظمات غير الحكومية إطاراً قانونياً وتنظيمياً للمبادرات الشبابية كما تمكّن جيل زد من تنفيذ مشاريع ملموسة في التعليم والصحة والبيئة، والمساواة وتعمل كحلقة وصل بين ما يسمى بالمجتمع المدني والمؤسسات الدولية.
وكما هو معلوم أن أنشطة المنظمات غير الحكومية تسير ضمن الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة 2015-2030 (17 SDGs)، والتي تهدف لمعالجة التحديات مثل الفقر والمساواة والجندرية وغيرها من القضايا التي وضعها النظام الدولي الرأسمالي كمشروع هيمنة ثقافية وحضارية وسياسية مضاد لمشروع الأمة.
الحذر كل الحذر من السقوط ضمن هذه المشاريع التغريبية الاستعمارية، لا بدّ للشباب الثائر أن يضع صوب عينيه خطورة هذا الارتباط وتحريفه لأهداف الثورة، وليدرك الشباب أنّ أنشطة هذه المنظمات ظاهرها خدماتي، إلا أنّها تعمل على تمرير مخططات تحارب الإسلام وتعمل لتأبيد الاستعمار في بلادنا وتعشيش الفساد بين ظهرانينا.
فلم تقم ثورة الأمّة إلا على أنظمة عميلة خدمت الاستعمار وسخرت له ثرواتنا وخيراتنا واتبعت نهجه العلماني التغريبي حذو القذة بالقذة من أجل كرسي أعوج، فقامت عليهم الأمّة في جميع الدول العربية وأسقطت رؤوسا وطالبت بالتغيير عليهم، ولن يتحقّق التغيير الحقيقي إلا بقيام مشروع الأمة السياسي، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي توحّد البلاد وتمحق الاستعمار وما جلبه لبلادنا من فساد وإفساد. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
بقلم: الأستاذ ياسين بن يحيى