قدمت قناة "ميدي 1 تي في" الفرنكوفونية ضمن برنامجها "جبهات" حلقة قدمها إعلامي القناة وكان موضوعها "علمنة المجتمع المغربي"...
عرف هذا العقد حملة مسعورة وجرعة سامة إضافية لعلمنة حياة المسلمين بالمغرب، وهي سياسة دولة وترجمة لانخراطها الشامل في حيثيات حرب الغرب الحضارية ضد الإسلام وأمته. ويعد المغرب نموذجا لتنفيذ مخططات هذه الحرب ثم تصديرها للمسلمين.
وهذه العلمنة تشمل كل مناحي الحياة وكل مفاصل المجتمع؛ الحكم والسياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم والقضاء والإعلام والفكر والثقافة.
على مستوى الحكم فدستور 2011 علمن نظام الحكم بشكل جذري لا لبس فيه، فالفصل 41 و42 فَصَلَ بشكل جلي إدارة الكهنوت عن سياسة الدولة، فالفصل 41 متعلق بإدارة الكهنوت علمانيا، أما الفصل 42 فنص على سياسة الدولة والمجتمع وأنها من صلاحية الحاكم بوصفه رئيسا للدولة واستبعد كل لقب يحيل إلى مرجعية دينية متجاوزة للعلمانية.
كما أن الدستور الذي أقره النظام وفرضه يكرس حقوق الإنسان العلمانية الغربية ويجعلها أساسا للنظام القانوني، والمحكمة الدستورية في المغرب لها دور في مراقبة دستورية القوانين ومدى احترامها لحقوق الإنسان، والدستور يجعل حقوق الإنسان حاكمة على القوانين المحلية طبقا لمقتضيات المادة 19 والاتفاقيات الدولية التي وقعها وصادق عليها في هذا الإطار.
وعلى مستوى التعليم والفكر والثقافة فإن التغييرات التي طالت المناهج تحت ذريعة تجديد الخطاب الديني والتحديث، علمنت المناهج والنظم والمواد والمقررات، فمواد الفكر العلماني ضمنت بكثافة لبرامج ومواد التعليم، وسرديتها باتت مرافقة لامتحانات المستويات الإعدادية والثانوية والجامعية، وتصدرت بحوث وأطروحات التعليم العالي، واستهدفت بشكل مكثف مدارس ومعاهد العلوم الشرعية.
وعلى مستوى الاجتماع فقد تم إقرار سيداو كنظام اجتماعي وسنها قانونا للمجتمع (مدونة الأسرة) وتعديل القانون المالي ونظام المواريث الشرعي واستبدال قوانين علمانية به، وتعديل القانون الجنائي لكي يوائم مقتضيات العلمنة الشاملة التي انخرط فيها النظام.
ويبقى الإعلام هو القنطرة الرسمية المعتمدة في تمرير مفاهيم العلمنة الشاملة لسواد المجتمع، فالمدرسة والجامعة تخاطب 12 مليون شخص، والإعلام يخاطب الكل، فبرامجه ومسلسلاته وإعلاناته وإشهاراته ومهرجاناته هي ماكينة علمنة تخاطب الغرائز للتطبيع مع طرائق وأنماط الحياة العلمانية الغربية المتفحشة وحمل أفكارها ومفاهيمها وضخها بكثافة بين الناس.
فهذا الفجور السافر اليوم في نشر علمانية الغرب كفرها وإلحادها وفاحشتها هو سياسة دولة وليس برنامج حكومة أو حزب أو مجرد برنامج في قناة، فهو تنفيذ لمقتضيات الحرب الحضارية الغربية الطاحنة في علمنة المجتمعات في البلاد الإسلامية علمنة شاملة لمواجهة الإسلام، والمغرب هو النموذج، والنظام الحاكم هو أداة تنفيذه.
فهذه الحملة المسعورة في علمنة حياتنا بشكل سافر كافر هي سياسة دولة ولا يجوز للمتصدرين لقضايا أهل البلد من الغيارى على الإسلام وأمته السقوط في مغالطات النظام العلماني التي يبغي منها تزييف الحقائق وتمرير سياساته العلمانية الكافرة. فتلك هي الفخاخ التي نصبها النظام وسقط فيها للأسف الكثير من أبناء الإسلام الذين تصدروا لقضية العلمانية بالمغرب وقضايا حارقة أخرى.
وتجلية لبعض الحقائق اللازمة لتناول قضية العلمنة والعلمانية بالمغرب والواجب إدراكها وبلورة تصورها وهضم مضامينها:
* إن العلمنة والعلمانية بالمغرب سياسة نظام انخرط في حرب الإسلام، وهذه السياسة تُكافَحُ سياسيا كشفاً ومحاسبة.
* الوعي السياسي على مكائد النظام التي يسعى من ورائها للتعمية على سياساته العلمانية الكافرة وتمريرها عبر تصويرها وكأن هناك صراعا مجتمعيا بين علمانيين وإسلاميين وأن العلمانية خيار مجتمعي واستجابة لحاجة ومطلب مجتمعي، عطفا على تصوير العلمنة والعلمانية بالمغرب كصيرورة طبيعية للمجتمع بالمغرب، ثم تسويغها عبر قشرة إسلامية وتلفيق فقهي ضمن ما يسميه النظام اجتهادا منفتحا ويأفك فقهاء البلاط في شرعنتها.
فعلمنة المجتمع في المغرب التي أثارها الإعلام بشكل سافر لم يثرها كموضوع للمناظرة والنقاش، لكنها أثيرت في خانة صياغة وقولبة الرأي العام بناء على قوالب علمانية، وتكتيكا سياسيا لتسويق وترويج الرؤى العلمانية والسياسات الاستعمارية الموكول بالنظام تنفيذها كجزء من الحقل الفكري والثقافي والسياسي لتنميط الرأي العام بحسبها، والتطبيع معها كرؤى ثقافية وسياسية محايدة وليست كجزء من مشروع استعماري غربي ومادة غزو فكري وثقافي علماني واختراق سياسي غايته سلخنا كليا من إسلامنا العظيم.
مع الأسف تغيب القضية المحورية والمركزية عند كثير من المتصدرين لقضايا الأمة الحارقة، بل وينخرطون في دوامة النقاش الذي حد النظام دائرته وسقفه وهي دائرة وسقف علماني.
ومن الأعطاب الثقافية في تناول قضية العلمنة والخلل الفكري الهدام وتحديدا بالنسبة للمسلم المتصدر لقضايا الإسلام وأمته، هو عدم إدراك حقيقة المواضيع التي يتعامل معها، فأن تنطلي عليه خديعة أن الدستور بالمغرب دستور إسلامي لأن المادة الثالثة تنص على أن دين الدولة الإسلام فتلك آفة عظيمة، فمعيب أن لا يكون صاحب القضية ملماً بالفلسفة التشريعية فيعلم أن الدستور تشريع لقواعد قانونية أساسية والتشريع الدستوري له جذره ومصدره القانوني، فحين الحكم على دستور ما لا يؤتى بمادة منه لإصدار الحكم على الكل بل ينظر للجذر والمصدر التشريعي الذي انبثقت منه وعنه كل المواد، وما ادعى أحد من فقهاء الدساتير أن الدستور بالمغرب مرجعه هو الكتاب والسنة، بل المقطوع به أن جذره ومصدره التشريعي هو دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة العلماني الخالص، أما "دين الدولة الإسلام" فهي حتى على مستوى الصيغة القانونية لا ترقى لتكون مادة تشريعية فضلا أن تكون معيارا وقاعدة تشريعية، ولكن وظيفتها في الدستور هي التعمية على علمانية الدستور الفجة.
فهذا العطب المعرفي في عدم إدراك حقيقة دستور النظام بالمغرب ومرجعيته العلمانية، بل واتخاذه مرجعا ومعيارا لنقد ونقض العلمنة هو قادح في منهج النقاش من أساسه بل ويُغَيِّب الإسلام كمبدأ ومرجع ناظم وحاكم على الدستور العلماني وناقض وناسف لتشريعاته ولسياسة النظام في علمنته الشاملة لحياة أهل المغرب المسلمين.
فالسقوط في فخ الدستور العلماني بالمغرب واتخاذه مرجعا ومعيارا هو حقيقة سقوط في فخ ومستنقع العلمانية، وكل نقاش بعدها لا يسمن ولا يغني من جوع!
فالبرنامج على القناة الفرنكوفونية حول "علمنة المجتمع المغربي" هو فصل من صراع حضاري شرس ضد الإسلام العظيم ومشروعه الحضاري المتفرد المتميز، وإعادة تدوير لمشروع علماني استعماري مفلس فاشل حل بديار المسلمين لقرن من الزمن وحل معه الخراب والانحطاط والدمار والعمالة والخيانة السياسية ونهب الثروات والغرق في مستنقع الديون والانحلال القيمي، واليوم هروبا من مستحقات الجناية العلمانية الاستعمارية ما كان من الغرب وأذنابه إلا مزيدا من سموم العلمانية لمواجهة المارد الإسلامي الذي أوشك على الانعتاق من أغلاله، فمشروع الإسلام العظيم هو المستهدف من هذه العلمنة الشاملة لحياة المسلمين كلها وتحويلهم إلى مسوخ غربية وعاهات ثقافية ملتصقين بذيل الغرب مع انسلاخهم التام من إسلامهم العظيم لتستوفي العلمنة الشاملة شروطها في إهلاكنا وإفنائنا.
إن قضية هدم العلمانية ونسف المشروع الاستعماري وتحرير الأمة بالإسلام لن تتم عبر إعلام العار الخادم للاستعمار ولا عبر مناقشة عبد من عبيد الاستعمار، بل عبر كفاح سياسي وصراع فكري مع صاحب الفكرة والسياسة رأسا لقيادة الرأي العام بالإسلام ومشروعه الحضاري.
كما أن القضية ليست في مناقشة موضوع العلمانية والعلمنة ولكنها في محاسبة النظام القائم عليها والذي استجلب كل الكفر العلماني وفرضه على أهل المغرب المسلمين فأحل بديارهم الخراب، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾.