عرف المغرب خلال هذا العقد تحولات كارثية جراء انخراط النظام في سياسات رأسمالية سامة استجابة لتغول الرأسمالية الغربية وشركاتها العابرة للقارات وبرامج مؤسساتها الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والذي زاد الوضع قتامة وحول الكارثة إلى مأساة هي حماسة القصر ودائرته الضيقة في تبني هذه السياسات وسرعة إنجازها بحكم أنه المستفيد المحلي الأول منها.
وهكذا باسم الخوصصة والاستثمار الأجنبي والشركات وتعويم العملة والغرق في بحر الديون، تحولت البلد إلى مزرعة خاصة للرأسمالية الغربية وشركاتها عطفا على القصر ودائرته الضيقة، وتم نهب كل ثروات البلد وتحويلها للحساب الخاص لهذه الأطراف تحديدا.
وبموجب هذه السياسات الرأسمالية السامة تم الاستحواذ التام والشامل على ثروة البلد المعدنية فقد تسارعت وتيرة الاتفاقيات والعقود والاكتشافات والتنقيب والاستخراج والتسويق عطفا على الاتفاقيات والعقود السابقة، سواء في قطاع الطاقة (النفط والغاز والزيت الصخري)، أو المعادن النفيسة (الذهب والفضة النحاس والمعادن النادرة الاستراتيجية في التكنولوجيا كالكوبالت...)، وفي مجالات أخرى كالطاقة المتجددة (طاقة الرياح والألواح الشمسية)، وكذلك تحلية ماء البحر لتحويله رأسماليا لسلعة لنماء أرباح العصابة، وتسارعت معها وتيرة الاكتشافات للنفط والغاز ومناجم جديدة بالمغرب من طرف الشركات البريطانية تحديدا والغربية عموما ومعها شركة مناجم التابعة للقصر.
أما زراعة البلد فقد باتت ملكا للرأسمالية الغربية والدائرة الضيقة المحلية، وباتت كل السياسات المتعلقة بالقطاع الزراعي من رؤية الرأسمالية الغربية وتصميمها؛ من مخطط المغرب الأخضر (2008-2018)، ثم استراتيجية الجيل الأخضر الذي تلاه (2020-2030)، وكلها مخططات سامة خبيثة من إملاءات المؤسسات الرأسمالية الغربية وعلى رأسها البنك الدولي، تحولت معها أراضي البلد لمزارع للرأسمالية الغربية ينتج فيها ما تحتاجه السوق الغربية على حساب قوت أهل البلد ومعاشهم (الفلاحة التصديرية) واستنزف زرع الناس وضرعهم ومياههم وتركوا للفقر الأسود، وأتبعها النظام في فساده بتسليم البحر وما حوى للشركات الرأسمالية الغربية عبر مخطط "أليوتيس" للصيد البحري الذي أعلن عنه سنة 2009. وتفشت جراء هذه السياسات الرأسمالية الخبيثة السامة العطالة والبطالة في المدن والقرى والأرياف وقطاع الفلاحة والصيد وعم الفقر وفاض وطم.
وأنبأ حصاد الكارثة عن حجم الخراب المفزع، فعلى مدى السنوات العشر الماضية استمر مؤشر النمو في الهبوط ومعدلات البطالة في الارتفاع وبلغت المديونية أرقاما فلكية وتفاقمت أزمة الاقتصاد واحتد تدهور معيشة الناس وأصبح الغلاء الفاحش كابوس وفزع الناس. فتحول المغرب إلى بلد مفلس ومن أكبر الدول العربية والأفريقية مديونية، فقد تجاوزت مديونيته سقف 100 مليار وبلغت سنة 2024 مبلغ 107,9 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي، وقدر الدين لهذا العام 2025 بحوالي 130 مليار دولار أمريكي، ويمثل الدين الخارجي حوالي 85 مليار دولار، وهو ما يشكل 85% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة قدرها 3% عن عام 2024. وهي مديونية رهيبة مفزعة، ولقد سجلت السنوات العشر الأخيرة غرق النظام في مستنقع الديون وسقوطه في هاوية الإفلاس، وكان من تبعات هذه المديونية الفلكية إملاءات المؤسسات المالية الغربية والخنوع التام للرأسمالية الغربية، عبر نهج سياسة ما سمي بالتقشف (تمكين الرأسمالية الغربية من الثروة على حساب فقر وإفقار الناس)، وكان من إجراءات هذه السياسة الخبيثة السامة تخفيض وتقليص نفقات التدبير والتسيير لأساسيات المجتمع؛ تسريح موظفي وعمال وأجراء القطاع العام وتخفيض الأجور ورفع سن التقاعد مع رفع حجم الاقتطاعات الضريبية من الأجور ورفع الضرائب على السلع والخدمات، ورفع الدعم عن المواد الأساسية لمعيشة الناس (القمح، السكر، الزيت، المحروقات...)، وتحرير الأسعار وتركها فريسة للسوق الرأسمالية وأرباح وحوشها وغلائها الأسود الفاحش، وتحرير التجارة الخارجية من الجمارك خدمة للرأسمالية الغربية وضرب التجارة المحلية، وخصخصة القطاعات العمومية والمرافق العامة (التعليم، الصحة، النقل...)، وتعويم العملة لتخفيض قيمتها ليستفيد المستورد الرأسمالي الغربي، وتحميل الناس الأعباء والتكاليف الباهظة للتعليم والتطبيب والسكن والنقل وكل تكاليف وخدمات المعيشة، كما أصبحت خدمة الدين (الربا المترتب عليه) تستنزف سنويا أكثر من ميزانيتي التعليم والصحة مجتمعتين، وبات الجزء الأكبر من مداخيل الدولة يعتمد على الضرائب والاقتراض، فبحسب مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 والتي قدرت بمبلغ 311 مليار درهم منها 245 مليار درهم مصدرها الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ونتيجة هذه الأوضاع المأساوية استفحل الفقر واستشرى. وزاد من خزي سياسة النظام أن جمع على الناس الفقر والضريبة وتبديد المال على مشاريع خبيثة سامة؛ الملاعب والملاهي واللهو المنظم (تنظيم مسابقتي كأس أفريقيا لسنة 2026 وكأس العالم 2030)، ما أسفر عن غلاء فاحش منهك وغول جباية مفترس وهاوية إفلاس سحيقة لنظام فاشل مفلس!
هذا الوضع الكارثي المأساوي كان سبب احتقان حارق وفتيل انفجار، ترجم في اعتصامات وتظاهرات متفرقة للتظلم والشكوى في معظم أنحاء البلد، وما لبثت حتى شملت كل حواضر البلد بل حتى أريافه، فثار الناس على ظلم النظام وقهره وفساده وقبيح سياساته فتصدى لهم بآلة قمعه، ففي إفلاسه وفشله ما بقي في يده إلا عصا قمعه وتنكيله!
يا أهل المغرب المقهورين بأنظمة الاستعمار: اعلموا أن مأساتكم ليست نشازا بل هي شق في مأساة أمة بضياع إسلامها وتحكم الاستعمار الغربي الكافر في حياتها عبر أنظمة اللصوص المتغلبة المحليين، فأنتم حالة من حالة الدمار والخراب الذي أنتجته الجاهلية الرأسمالية واحتكاراتها الخبيثة السامة بتواطؤ تام مع الأنظمة الخائنة العميلة لدول الهامش في بلاد المسلمين، فهذا الفقر الأسود والأزمات الطاحنة والإفلاس والخراب هو الحصاد الخبيث السام لرأسمالية الغرب القاتلة ومنظومتها المتحكمة في حياتكم عبر أدوات الداخل من عملاء الحكم والسياسة!
فهذه الجاهلية الرأسمالية التي ملأت الأرض بالخبائث والأرزاء والعذابات والمآسي الإنسانية هي سبب مآسيكم، وأنظمة الخيانة والعار هي قنابل دماركم وخرابكم، ولن تنتهي من أمر البشر حتى يكون حرضا أو يكون من الهالكين.
وقد آن لكم الخروج من هذا التيه، والانفكاك عن ضلالات الغرب وظلمات كفره وجاهلية رأسماليته وأدواته من حكام الخيانة والعار، حان لكم إنقاذ أنفسكم وأمتكم والبشرية جمعاء من هذا السحق الحضاري والتيه المضل والركام الثقيل، فأنتم من خير أمة أخرجت للناس أصحاب الرسالة والشهادة، ولن يكون إلا باسترجاع سلطانكم المغصوب من الغرب وأذنابه أولا، وتحطيم أصنامه وأوثانه ونسف باطل فلسفته ومنظومته وأنظمته، وتحكيم شرع ربكم بإقامة أمر إسلامكم ببيعة رجل منكم يُحَكِّمُ فيكم كتاب الله سبحانه وسنة نبيكم ﷺ، فيعيد فيكم سيرة الصحب الكرام الراشدين؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، تقام بها أحكام القرآن بعد هجر وتحيا بها سنة المصطفى الهادي ﷺ بعد موات، وتستأنفوا بها حياتكم الإسلامية الكريمة العزيزة بعد انقطاع طال أمده، وتحملوا دعوة الإسلام العظيم هداية للعالمين، فتصلوا الأرض بالسماء ليرضى عنكم رب الأرض والسماء. فلنور الله ندعوكم فاستجيبوا وأجيبوا ففيه خلاصكم ونجاتكم.
﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾
رأيك في الموضوع