لم تُفاجئ مُخرجات قمّة الرياض الانهزامية الجماهير العربية والإسلامية، فلم تتوقّع هذه الجماهير أصلاً أنْ تكون تلك المُخرجات ذات قيمة أو شأن، لأنّها اعتادت على مثل هذه المُخرجات الهزيلة مُنذ أكثر من خمسين عاما على إنشاء هذه التكتلات، فهي مُخرجات لا تعدو أنْ تكون أكثر من ديباجات كلامية مُتكرّرة تكثر فيها الإدانات والاستنكارات التي تُختتم فيها عادةً تلك المؤتمرات.
فتوصيف الناس لتلك المُخرجات لا يختلف بينهم من حيث كونها عقيمة وعديمة الجدوى، لكنّه يختلف فيما بينهم من حيث توصيف كون الحكام الذين وقّعوا على تلك المُخرجات هل هم مُتخاذلون جبناء؟ أم هم عملاء خونة؟
وبالرغم من أنّ مؤتمر قمّة الرياض قد شاركت فيه جميع القيادات الرسمية لجميع الدول العربية والدول القائمة في العالم الإسلامي، أو ما يُسمّى بالدول المُنضوية في الجامعة العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي، وبالرغم من أنّها جاءت بعد حدثٍ خطيرٍ جللٍ تعاضدت فيه الدول الكبرى الاستعمارية مع دولة يهود، ومدّتها بكل أسباب القوة، وأرسلت بارجاتها وأساطيلها وصواريخها من أجل حمايتها، ولضمان استمرار تفوقها، وبالرغم من أنّها منحت دولة يهود الغطاء القانوني لجيشها للقيام بارتكاب المجازر اليومية، وتهجير الناس، وتدمير مساكنهم وبلدانهم، وتقطيع أوصالهم، وحرمانهم من الحصول على أبسط الحاجات الإنسانية من مأكلٍ ومشربٍ ودواء وطاقة، وأوقفت مسار حياتهم، وأحالت عمرانهم إلى خراب... فبالرغم من ذلك كله لم تتغيّر صياغات بيانات تلك القمّة عن غيرها من القمم الفاشلة التي سبقتها، ولم تتناسب نتائج هذا المؤتمر الموسّع وبيانه النهائي مع هذه المُعطيات الخطيرة والجديدة لحرب غزة، والتي تُعتبر هزّة شديدةً عنيفةً معست الأمّة معساً.
لقد جاءت نتائج المؤتمر كالعادة باهتة تافهة لا ترقى إلى مُستوى هذا الحدث الضخم، فكانت بنود البيان الختامي للمؤتمر مليئة بالإدانات والتأكيدات والدعوات والاستنكارات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع من مثل:
- دعوة الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة إلى ممارسة الضغوط الدبلوماسية والسياسية والقانونية.
- استنكار ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي.
- إدانة تهجير حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.
- إدانة قتل المدنيين واستهدافهم وعدم انسجام ذلك مع القانون الدولي الإنساني.
- إدانة أفعال وتصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية لوزراء في حكومة الاحتلال (الإسرائيلي).
- إدانة قتل الصحفيين والأطفال والنساء واستهداف المسعفين وإدانة استعمال الفسفور الأبيض المحرم دوليا في الاعتداءات (الإسرائيلية) على قطاع غزة ولبنان.
- التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
- إعادة التأكيد على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي وإنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) وحل الصراع العربي (الإسرائيلي) وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
- التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي فورا لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية لفرض السلام على أساس حل الدولتين الذي يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
- الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في أقرب وقت ممكن تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام.
فهذه البنود التي جاءت في البيان الختامي للمؤتمر لا يوجد فيها أي شيء عملي محسوس يدل على وجود أية قوة فاعلة في الأمة، وذلك بالرغم من أنّ الدول القائمة في العالم الإسلامي مليئة بالموارد والإمكانات والقدرات التي تُتيح لها استخدام الكثير من أوراق القوة.
فهي تستطيع مثلاً قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف التطبيع مع كيان يهود، لكنّها لم تفعل، وتستطيع إيقاف إمدادات النفط والغاز عن الدول التي تدعم كيان يهود، لكنّها لم تفعل، وتستطيع أن تغلق الممرات والمضائق المائية في وجه الملاحة التي تستخدمها الدول المؤيدة لكيان يهود كممر ملقة وقناة السويس ومضيق باب المندب وخليج العقبة...، لكنّها لم تفعل، وتستطيع إدخال المُساعدات الإنسانية والإغاثية للفلسطينيين في قطاع غزة عبر معبر رفح من دون طلب إذن من أحد، لكنّها لم تفعل، وتستطيع إدخال قوات وسلاح إلى قطاع غزة لحماية المدنيين، لكنها لم تفعل، وأخيراً تستطيع خوض حرب حقيقية لمنع عدوان دولة يهود على القطاع، لكنّها لم تفعل.
فلماذا لم تفعل؟ وما الذي يمنعها من أن تفعل؟
ليس السبب الحقيقي المانع يكمن في الجبن أو الخوف أو التخاذل أو التآمر أو الخيانة، بل السبب الحقيقي يكمن في تبعية هؤلاء الحكام تبعيةً مُطلقة لأمريكا ودول الغرب، وهو ما يتسبّب في وجود الخوف والجبن والتخاذل والخيانة لدى هؤلاء الحكام. فالتبعية هي أساس القرارات التي يتخذها هؤلاء الحكام، وهي مصدرها، بينما الخوف والجبن والتخاذل والخيانة هي فقط المظاهر التي تتم مُلاحظتها.
لذلك لا يوجد أمام الشعوب العربية والإسلامية سوى العمل للتغيير، والثورة على الحكام العملاء التابعين، والسعي الدؤوب لإسقاطهم، وتغييرهم، ولا أمل للأمّة بالنصر على أعدائها إلا بإزالة أنظمة حكمهم، وقطع حبال تبعيتهم.
كما أنّه لم يعد هناك أي مجال لنصرة أهل غزة أو غيرهم من المسلمين المستضعفين طالما بقي مثل هؤلاء الحكام التابعين في سدة الحكم.
فخلع الحكام الآن أصبح ضرورة قصوى من أهم ضرورات الحياة لدى المسلمين، ولا يحصل ذلك، ولن يحصل إلا من خلال العمل ضمن مشروع سياسي إسلامي شامل يُفضي إلى قيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فتنصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، وتُزيل نفوذ الكفار الأعداء من بلاد المسلمين، وتُوحّد الأمّة الإسلامية، وتنشر الإسلام في ربوع البشرية، فتزيل بالدعوة والجهاد جميع الحواجز المادية التي تحول دون تحقيق حمل الدعوة الإسلامية.