انعقد يوم الخميس 26/6/2025م اجتماع وزراء دفاع دول منظمة شانغهاي للتعاون في مدينة تشينغداو الصينية، وترأس الاجتماع وزير الدفاع الصيني دونغ جيون، وألقى كلمة بحضور وزراء الدفاع المشاركين وقال: "إنّ العالم يشهد تغييرات غير مسبوقة في ظل تنامي الهيمنة"، ووصف الاجتماع بأنّه "بمثابة ثقل موازن في عالم تتداخل فيه الاضطرابات والتغيرات"، وقال بأنّ "العالم يشهد تغييرات غير مسبوقة منذ قرن في ظل تنامي الأحادية والحمائية وممارسات الهيمنة والتنمر التي تهدد النظام الدولي وتخلق حالة من عدم الاستقرار"، ودعا إلى تعزيز التنسيق والتعاون داخل أطر متعددة الأطراف كالأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي وتوحيد الصفوف للدفاع عن العدالة الدولية والاستقرار الاستراتيجي العالمي، وشدّد على أهمية دور منظمة شنغهاي كركيزة للاستقرار، وأمّا وزير الدفاع الروسي فقال: "إنّ الوضع العسكري والسياسي العالمي لا يزال صعباً ويُظهر مؤشرات على مزيد من التدهور".
وجاء هذا الاجتماع بعد يومين من بدء سريان وقف إطلاق النار بين إيران وكيان يهود وانتهاء الحرب التي استمرت بينهما لمدة 12 يوماً، والتي بدأها الكيان بإسناد أمريكي بشنّ هجوم صاعق على مواقع استراتيجية في طهران.
كما يأتي أيضاً غداة قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي والتي تمخّضت عن التزام دول الناتو بزيادة إنفاقها على الدفاع والأمن بنسبة خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
تسعى الصين من خلال اجتماعات منظمة شنغهاي - بشكل عام - لتحقيق هدف تثبيت موقعها كقوة عالمية فاعلة في معادلة الأمن والاستقرار العالميّيْن بعيداً عن تحالفات القوى الغربية التقليدية، وتُحاول أن تُوازن بين علاقاتها مع روسيا وإيران من جهة، وحرصها على عدم استفزاز أمريكا من جهة أخرى، فنهجها الدبلوماسي يتميّز بكونه قائماً على الحذر والتوازن، ويُشكّل أحد سمات النظام العالمي الحالي، ولذلك فإنّ دعمها العلني لإيران يقتصر على الأقوال لا الأفعال، إذ امتنعت الصين عن تقديم أي دعم جدي لإيران في فترة الحرب، وهو ما يعكس محدودية نفوذها في المنطقة، وخوفها من تعكير علاقاتها مع أمريكا، وأمّا دعمها لروسيا فيبقى ضمن الحدود الدنيا الذي لا يرقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.
ومنظمة شنغهاي تضم حالياً عشراً من الدول الأعضاء وهي الصين وروسيا وإيران والهند وكازاخستان وقرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبيكستان وبيلاروسيا (روسيا البيضاء) وتسعى لطرح نفسها كتحالف دولي وإقليمي منافس للتحالف الغربي، وتعتبر نفسها كثقل موازن للغرب، وتعمل على تكريس ذاتها كمنصة دولية بديلة قادرة على صياغة رؤى أمنية وجيوسياسية تتحدى الهيمنة الغربية، وإن كانت حذرة جداً في الملفات الشائكة مثل النزاعات في الشرق الأوسط.
لكنّ الواقع يدل على أنّ أبرز أعضائها متعادون متشاكسون متشرذمون، كما هو الحال بين الهند وباكستان وبين الهند والصين، وهو الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على حقيقة تلك المنظمة، وعلى أهدافها.
وحتى في علاقتها مع روسيا فبالرغم من إظهار الصين تحالفاً علنياً شكلياً مع روسيا من ناحية دولية إلا أنّها تبقي - من ناحية إقليمية - موقفاً حيادياً رسمياً في النزاع بين روسيا وأوكرانيا على سبيل المثال، وتتردّد في الانخراط في علاقات عسكرية جليّة.
فما صدر عن مؤتمر منظمة شانغهاي من تصريحات في اجتماعها الأخير تتحدّى الهيمنة الغربية وتناهض فيها سياسات الغرب ما هي سوى مجرد فقاعات لا قيمة لها، لأنّ دولاً مثل باكستان والهند وإيران هي في الأصل دول خاضعة للنفوذ الغربي ولا تملك الانفكاك عن الغرب، وتستمر في الدوران في محوره.
لذلك فمنظمة شانغهاي هذه لم يتفق أعضاؤها على أية قضية من التي تمّ طرحها سوى اتفاقهم على قضية واحدة وهي محاربة الإسلام الجهادي الذي يُسمّونه الإرهاب.
وأمّا كلامهم عن خوفهم من تنامي الأحادية والحمائية وممارسات الهيمنة والتنمر التي تهدّد النظام الدولي فهي مجرد مطالبات وتمنيّات لا رصيد لها في أرض الواقع، وقد عبّر وزير الدفاع الروسي عن إحباطه من المستقبل العالمي بقوله: "إنّ الوضع العسكري والسياسي العالمي لا يزال صعباً ويظهر مؤشرات على مزيد من التدهور"، وفي ذلك اعتراف صريح بفشل روسيا والصين ومنظمة شانغهاي وعجزهم عن إحداث أي تغيير في العلاقات الدولية لصالح الأهداف التي يسعون لتحقيقها نظرياً.