أصدر الاتحاد الأوروبي في 20 حزيران/يونيو الماضي تقريراً أدان فيه كيان يهود بسبب عُدوانه على غزة، وتضمن استنتاجات تمّ وصفها بالخطيرة، وصُنّفت كــ(انتهاكات محتملة) ارتكبها كيان يهود بحق الفلسطينيين، وأدّت إلى المساس بحقوق الإنسان في قطاع غزة، وهو الأمر الذي يتعارض مع أحكام المادة الثانية من اتفاقية الشراكة الأوروبية مع يهود.
واستند التقرير في تقييمه إلى نتائج منظمات دولية مستقلة كمحكمة العدل الدولية ووكالات الأمم المتحدة، وخلص إلى وجود مؤشرات واضحة على خروقات كيان يهود لحقوق الإنسان، خصوصاً في ظل الهجوم على غزة، وفي ظل القيود الشديدة المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إليها، وهو ما أدّى إلى وجود تحذيرات من مجاعة (محتملة) بين أهل القطاع، وأدّى بالتالي إلى تدهور الوضع الإنساني هناك، وتسبّب في تزايد الأصوات الأوروبية المطالبة باتخاذ إجراءات ملموسة للضغط على كيان يهود لإيقاف سياساته المؤدية إلى تلك النتائج التي تنتهك حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بــاتفاقية الشراكة بينه وبين كيان يهود، والتي تنص في مادتها الثانية على أنّ العلاقات بين الطرفين يجب أن تقوم على أساس احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وهو ما يُعتبر عنصراً أساسياً من اتفاقية الشراكة.
وكانت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاغيا كالاس في أيار/مايو 2025 قد أعلنت أنّ هناك أغلبية كبيرة في الاتحاد الأوروبي تؤيد مراجعة المادة الثانية من اتفاقية الشراكة مع كيان يهود، وأكّدت أنّ الوضع في غزة كارثي، وأنّ المساعدات التي سمح بها الكيان لا تزيد عن كونها قطرة في بحر.
وأمّا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو فقد صرّح بأنّ المراجعة الأوروبية قد أظهرت بوضوح أنّ كيان يهود انتهك المادة الثانية من هذه الاتفاقية المتعلّقة باحترام حقوق الإنسان، ودعا إلى استخلاص العبر.
وكانت أكثر دول الاتحاد الأوروبي تشدّداً ضد كيان يهود هي إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا، فقد اعترفت بالدولة الفلسطينية، ودعمت بشكل صريح حقوق الفلسطينيين السياسية، وضغطت على بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي للتحقق من انتهاك كيان يهود لقواعد اتفاقية الشراكة.
وأمّا السويد وألمانيا فقد صعّدتا من انتقاداتهما لكيان يهود بسبب الوضع الإنساني وبسبب نقص دخول المساعدات إلى غزة، فطالبت السويد بفرض عقوبات أوروبية عليه، فيما اكتفت ألمانيا بتشديد لهجتها تجاهه وتحميله المسؤولية جراء تدهور الوضع الإنساني في غزة.
وبالرغم من هذه التصريحات المندّدة بالممارسات المخالفة لحقوق الإنسان التي يباشرها كيان يهود في فلسطين فقد فشل الاتحاد الأوروبي في اجتماعه الأخير في بروكسل الخميس 26 حزيران/يونيو الماضي في اتخاذ أية إجراءات عقابية ضده، أو حتى مجرد مراجعة بنود الشراكة معه بسبب انتهاكاته الصريحة للبند الثاني المتعلّق بحقوق الإنسان، ودعا فقط إلى مواصلة النقاش بشأن سبل المتابعة في تموز الجاري في ضوء التطورات الميدانية، واكتفى البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الأوروبي بالإعراب عن أسفه الشديد حيال الوضع الإنساني الكارثي في القطاع، بما في ذلك العدد غير المقبول للضحايا المدنيين ومستويات المجاعة المُرتفعة، ودعا كيان يهود إلى رفع الحصار المفروض على غزة بشكل كامل، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية على نحو فوري وغير مقيّد، مع ضمان توزيعها المستدام على نطاق واسع داخل القطاع، مشدّدا على ضرورة تمكين الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإنسانية من العمل بشكل مستقل ومحايد لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة، كما وجدّد المجلس الأوروبي إدانته الشديدة لتصاعد العنف في الضفة الغربية، بما في ذلك شرقي القدس وذلك عقب تصاعد عنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات غير القانونية، واستمرار عملية يهود العسكرية في المناطق الفلسطينية المحتلة.
ويعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لكيان يهود، ما يجعل اتخاذ أي خطوة عقابية محتملة ضدّه - إن اتُخذت - بمثابة ضربة اقتصادية مُوجعة له.
وإلى جانب هذه الانتقادات نجد مثلاً أنّ دولاً أخرى في الاتحاد كالمجر والتشيك رفضتا بشدة اتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد كيان يهود، أو تنفيذ مذكرات توقيف دولية صادرة بحق مسؤوليه.
وهكذا نجد أنّ الاتحاد الأوروبي منقسم على نفسه، فهو يراوح مكانه في مسألة مراجعة اتفاقية الشراكة مع كيان يهود بالرغم من علمه الأكيد بانتهاكات الكيان للمادة الثانية من الاتفاقية، فهو يصدر فقط البيانات الكلامية ضده، والتي لا تترجم عادة إلى أفعال، وبالتالي فلا توجد لديه أية إمكانية فعلية لمراجعة اتفاقية الشراكة أو اتخاذ أية عقوبات حقيقية ضده.
وما يمنع الاتحاد الأوروبي من فرض العقوبات على كيان يهود بشكلٍ رئيسي هو وجود الموقف الأمريكي الثابت الداعم له، والذي يعاقب أي دولة أو منظّمة تتخذ أية إجراءات عقابية ضده، لذلك فالاتحاد الأوروبي يخشى من المواجهة مع أمريكا وهو الأمر الذي يجعله دائماً يقف على يسار الموقف الأمريكي فيكون إمّا مُكمّلاً له أو تابعاً له.
ومن جهة أخرى فاتخاذ الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد كيان يهود يُفقده تأثيره الضعيف أصلاً عليه، وهو ما يحول دون وجود حضور أو تأثير له إلى جانب الموقف الأمريكي.
ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ الاتحاد الأوروبي ليس دولة واحدة تستطيع اتخاذ قراراتها بحرية واستقلالية، بل هو سبع وعشرون دولة يصعب توحيد مواقفها بسهولة، خاصة وأنّ فيه دولاً كالمجر والنمسا وإيطاليا والتشيك وبلغاريا وبولندا التي عادةً ما تنحاز لكيان يهود من دون أي تردّد.
رأيك في الموضوع