يرجح بعض المحللين وجود خطة لدى كيان يهود تسمّى (ممر داوود)، وتحيطها الرقابة العسكرية المشدّدة لدى الكيان تجاه وسائل الإعلام المحلية والعالمية بهالة من الغموض، لذلك نجد غيابا رسميا لهذا المصطلح في الأوساط الإعلامية الرسمية، لكن هناك وسائل إعلامية أخرى تتداوله لا سيما منذ منتصف عام 2024 مثل Cnn Turk ووكالة قدس للأنباء، وموقع الميادين، وصحيفة رأي اليوم، ووكالة تسنيم، وقناة العالم، والعربي الجديد، وغيرها، وتقول هذه الوسائل إنّ ممرّ داوود هو حلم ليهود بدأت تتكشف ملامحه بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكانت قد تولّدت فكرة المشروع في الأصل منذ ثمانينات القرن الماضي، وتحدّث عنها شمعون بيرس في بعض كتاباته ككتاب "الشرق الأوسط الجديد".
ويقضي هذا المشروع بإيجاد تغيير نوعي في الشرق الأوسط؛ جغرافي وجيوسياسي وديموغرافي واستراتيجي، من خلال عملية توسع استيطاني يهودي في نقاط معينة، تصحبها سيطرة مطلقة وتحكّم واسع في مناطق معينة من الشرق الأوسط تمهيداً لتحقيق حلم دولة (إسرائيل الكبرى)، بحيث يتشكّل هذا التوسع ويتموضع في المنطقة مستنداً إلى فكرة (ممر داوود) والذي هو ممر بري يسير في مناطق حدودية بين سوريا والأردن والعراق، واستعير اسمه من نبي الله داود عليه السلام والذي يعتبره اليهود ملكا وليس نبياً.
ويمتد هذ الممر من الجولان السوري المحتل وصولاً إلى كردستان العراق، ويضم في جنباته أراضي من سوريا والعراق، فيبدأ من فلسطين المحتلة، ويمتد على جوانب ضفاف نهر الفرات، يبدأ منطلقاً من هضبة الجولان، ويمر بمدينة التنف الواقعة في مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية والتي تتمركز بها قوات أمريكية وبريطانية، وينتهي عند معبر في الأراضي السورية عند نقطة البوكمال بين سوريا والعراق، ثمّ يستمر شمالاً مُخترقاً المناطق الكردية.
ووفقاً لأقوال بعض المعلّقين فإنّ هذا الممر يتقاطع مع فكرة تقسيم سوريا والعراق إلى عدة كيانات، منها كيان درزي في السويداء جنوب سوريا، وهو الذي تشير إليه المواقف الأخيرة لكيان يهود وكأنّه يتبع له، كون الدروز في المنطقة يعتبرون موالين للكيان من وجهة نظره، ويتقاطع أيضاً مع كيان انفصالي كردي شمال سوريا والعراق يطمح كيان يهود لإنشاء علاقات تحالفية قوية معه.
ومن الفوائد الاقتصادية الرئيسية لهذا الطريق نقل النفط من مناطق الأكراد إلى ميناء حيفا، ونقل المياه العذبة من نهر الفرات لكيان يهود، بالإضافة إلى جعله ممراً تجارياً بينه وبين تلك المناطق وصولاً إلى أذربيجان شمالاً ونزولاً إلى دول الخليج جنوباً، حيث النفط والغاز الوفيران.
وأمّا فوائده الأمنية فهو يعمل على تقطيع أوصال سوريا والعراق، وفرض هيمنة كيان يهود على جل مناطق الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إثارة النعرات الطائفية، وتحجيم الدور التركي في الشرق الأوسط، بعد إضعاف الدور الإيراني.
ومن المنظّرين لهذا لمشروع شخص يسمى عوديد ينون كان يشغل إحدى الوظائف في وزارة خارجية يهود كمستشار، واستخدمت أفكاره في تأليف إسرائيل شاحاك كتاب "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط" والذي يعتمد فيه الكاتب على وثيقة كتبها عوديد باللغة العبرية، ونُشرت في مجلة كيفونيم ومعناها: اتجاهات، وهي مجلة يهودية صهيونية؛ في العدد 14 بتاريخ شباط/فبراير 1982.
وابتكر عوديد ينون هذا استراتيجيةً خاصة اقترح فيها تحويل كيان يهود إلى قوة إقليمية مهيمنة من خلال تفكيك الدول العربية إلى مجموعات عرقية وطائفية يسهل على كيان يهود السيطرة عليها. وقد استلهمت هذه الاستراتيجية من فكرة نائب رئيس أمريكا الأسبق ديك تشيني والمسمّاة (الفوضى المُنظّمة)، وتأثّرت مضامينها من رؤيته الشهيرة المصاغة بجملة (الحرب دائمة لن تنتهي بنهاية حياتنا).
وساهم طرح ترامب لتصوره عن ريفيرا غزة، وعن صغر مساحة دولة يهود، في الترويج لهذه الفكرة، وساعد احتلال كيان يهود لقمم جبل الشيخ ومناطق في جنوب سوريا، وقصفه لمعسكرات ومنشآت عسكرية في سوريا، ساعد ذلك في بث الأمل للمُنظرين للمشروع باعتبار أنّ هذه الأعمال العسكرية ما هي إلا مقدمة للبدء في تنفيذ خطة هذا المشروع، وهو ما لا يمكن إنكاره والتغاضي عنه.
والحقيقة أنّ هذا المشروع ما هو سوى خيال يداعب أحلام المنظّرين له، ولا يزيد عن كونه حلماً يعيش على وهمه المستوطنون التوراتيون، وليس له أي واقع سياسي، خاصة في ظل الرعب الذي يسكن في قلوب قادة الكيان الغاصب من ثورات الشعوب الإسلامية التي تقض مضاجعهم، وتثير مخاوفهم، وتجعلهم يخشون على وجودهم نفسه في قلب البلاد الإسلامية، فتراهم يبحثون دوماً عن التطبيع، وإقامة العلاقات مع حكام المسلمين الخونة الذي عجزوا على مدى الخمسين سنة الماضية عن منحهم الأمان في فلسطين المُحتلة، فضلاً عن منحهم الأمان خارجها.
رأيك في الموضوع