منذ أن وقّع النظام المصري معاهدة كامب ديفيد سنة 1979، دخلت المؤسسة العسكرية المصرية في مسار من التبعية والاختراق، جعلها بعيدة عن عقيدتها الأصلية القائمة على حماية الأمة والدفاع عن ثغورها في مواجهة أعدائها الحقيقيين، وفي مقدمتهم يهود الذين اغتصبوا فلسطين. لقد تحولت هذه المؤسسة شيئاً فشيئاً إلى أداة مقيدة، خاضعة لشروط العدو، بل ومشاركة في تأمينه وتمكينه، عبر اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية واستشارية، شكّلت منظومة متكاملة من نفوذ يهود داخل الجيش والدولة.
المحطة المركزية كانت في اتفاقية كامب ديفيد التي نصّت على تقسيم سيناء إلى مناطق عسكرية، تُحدّد فيها أعداد الجنود ونوعية السلاح، تحت رقابة دولية. وهكذا أُفرغت سيناء من وجود عسكري حقيقي قادر على مواجهة عدو غادر متربص، وصارت القوات متعددة الجنسيات عيناً مفتوحة لصالح الكيان الغاصب وأمريكا. فحوّلت هذه الاتفاقية حدود مصر الشرقية إلى جبهة آمنة لكيان يهود، بعد أن كانت مصدر تهديد دائم له، وهو جوهر الاختراق.
لم يقف الأمر عند حدود المعاهدة، بل عزّزت أمريكا الحليف الأول لكيان يهود هذا الاختراق من خلال المساعدات العسكرية المشروطة. فكل عام يحصل الجيش المصري على نحو 1.3 مليار دولار من المعدات، لكن بشرط ألا يمتلك سلاحاً كاسراً للتوازن مع يهود، وأن يظل محتاجاً لقطع الغيار والتدريب والدعم اللوجستي الأمريكي. هذا الترتيب جعل الجيش رهينة لدى أمريكا، ومن ثم مكشوفاً ليهود. لقد جرى تعديل عقيدته العسكرية عبر التدريبات المشتركة كـ"النجم الساطع" بحيث أصبح الإرهاب بمفهومه الغربي، أي الإسلام على حقيقته، هو العدو، لا يهود ولا كيانهم الغاصب، وهذا أكبر تغيير استراتيجي في وجدان جيشٍ كان يوصف سابقاً بأنه "جيش الأمة ودرعها".
وبمرور الوقت، انفتحت قنوات اتصال مباشرة بين المخابرات المصرية والموساد، بحجة "التنسيق الأمني" في سيناء وغزة. وقد اعترفت وسائل الإعلام الغربية، ومنها نيويورك تايمز، بأن طائرات الكيان نفّذت مئات الضربات داخل سيناء بموافقة وتنسيق مصري كامل، بين عامي 2015 و2018. أي أن الجيش المصري لم يعد يدافع عن أرضه فحسب، بل صار يسمح ليهود باستخدام سماء مصر ضد من يسمونهم "إرهابيين"، وهم في الحقيقة من المسلمين الرافضين للهيمنة الغربية ولوجود الكيان الغاصب.
دخل الجيش المصري بدوره الاقتصادي في شراكات مكشوفة أو غير مباشرة مع شركات مرتبطة بكيان يهود، خاصة في قطاع الطاقة والغاز. ففي عام 2018 وقّعت مصر اتفاقية مع شركات كيان يهود لتوريد الغاز إلى محطات التسييل المصرية وإعادة تصديره، وهو ما وصفته الصحافة العبرية بأنه "اتفاق القرن" الذي منح كيان يهود منفذاً استراتيجياً لتسويق غازه. لم يكن الجيش بعيداً عن ذلك، إذ إن شركاته تداخلت مع أنشطة التسييل والنقل، ما يعني أن المؤسسة العسكرية التي يُفترض أن تحمي ثروات الأمة، باتت شريكة في تمكين يهود الغاصبين منها.
الأخطر في هذه المرحلة هو فتح ملف خصخصة شركات الجيش نفسه، مثل الوطنية للبترول، صافي، سايلو فودز، وشِل أوت. فقد استعانت مصر بمكاتب استشارية عالمية للإشراف على عملية إعادة الهيكلة والطرح، مثل PwC وغيرها، وهذه الشركات تملك مكاتب فاعلة داخل كيان يهود، تقدم له خدمات مالية واستشارية، بعضها لحكومة الكيان ذاتها. وهكذا صار العدو مطّلعاً على تفاصيل مالية وهيكلية لشركات الجيش، في سابقة خطيرة لم تحدث حتى في ذروة الاحتلال الفعلي. أي أن الاختراق لم يعد في العقيدة والتسليح فقط، بل وصل إلى البنية الاقتصادية الداخلية للمؤسسة العسكرية.
منذ عهد السادات، ووصولاً إلى السيسي، جرى تحويل خطاب الجيش والإعلام الرسمي إلى أن دويلة يهود ليست عدواً بل شريك في حفظ الأمن. السيسي نفسه قال عام 2016 إن "السلام مع إسرائيل مستقر ومستدام، وعلى الجميع أن يعزز الثقة معها". وهكذا تحولت الحدود مع يهود إلى أكثر الجبهات أمناً له، بينما وُجّه الجيش إلى قتال أبناء الأمة في سيناء وليبيا والسودان، تحت عنوان مكافحة الإرهاب. هذا الانقلاب في العقيدة لا يمكن تفسيره إلا بوجود اختراق كامل للعقل العسكري المصري.
إن اختراق يهود للمؤسسة العسكرية المصرية لم يكن صدفة، ولا مجرد علاقات عابرة، بل هو ثمرة سياسة مدروسة بدأت بمعاهدات الاستسلام، واستُكملت بالتبعية العسكرية لأمريكا، والتنسيق الأمني والاستخباراتي، والتغلغل الاقتصادي، وانتهت إلى خصخصة شركات الجيش عبر استشاريين لهم جذور في كيان يهود. وهذا كله لا يغيّر فقط طبيعة الجيش، بل يغيّر موقع مصر في معادلة الأمة.
يا أهل الكنانة: إن ما جرى ويجري من تسليم الأرض للعدو عبر المعاهدات، ومن ارتهان القرار العسكري والاقتصادي لأمريكا، ومن فتح أبواب التنسيق الأمني مع يهود، ومن تمكينهم من الاطلاع على ثروات المسلمين وأسرار مؤسساتهم عبر شركاتهم الاستشارية، كل ذلك مما حرم الشرع القيام به ومباشرته بل جعله خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. فقد أمرنا الله أن نعدّ العدة في وجوه أعدائنا، وأن لا نتخذهم أولياء ولا بطانة، وأن نحفظ ثروات الأمة وأمانتها، فلا نسلمها لعدو محتل، ولا نمكّنه من رقاب المسلمين. وما يجري اليوم هو عين ما نهى الله عنه وحذّر منه. وهذه السياسات كلها مما حرم الإسلام، بل هي من أعظم صور التفريط والخيانة؛ لأنها تعني التخلي عن واجب الجهاد، وتمكين العدو، وإعانته على البقاء في أرض المسلمين، بينما الأصل أن يُقاتَل حتى تُطهَّر الأرض من رجسه.
ومن هنا كان الواجب عليكم، يا أهل مصر شعبا وجيشا، أن تدركوا خطورة ما يُراد بجيشكم وبلادكم، وأن تقفوا صفاً واحداً في وجه هذا الاختراق. فالمطلوب منكم ليس السكوت ولا الاستسلام، بل أن ترفعوا الصوت عالياً وتعملوا على إسقاط هذه المعاهدات الباطلة التي جعلت العدو في مأمن ووضعتكم تحت القيود، وإعادة الجيش إلى عقيدته الإسلامية الأصيلة، بأن قتال يهود فريضة لا خياراً، حتى تحرير فلسطين كاملة، وتحرير القرار السياسي والعسكري والاقتصادي من التبعية لأمريكا والغرب، وغلق كل أبواب النفوذ الأجنبي والشركات المرتبطة بالعدو، وإرجاع موارد الأمة إلى سلطانها الصحيح.
يا أهل الكنانة: إن الإسلام يوجب عليكم أن تقفوا أمام جيشكم لتعيدوه إلى موقعه الحقيقي: جيش الأمة الذي يقاتل في سبيل الله، لا جيشاً يدار بقرارات العدو أو بمصالحه. واعلموا أن رسول الله ﷺ قد بشّركم بمآل الصراع مع يهود، فقال: «تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ فَتَقْتُلُونَهُمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ» (رواه مسلم).
فهذه هي بشارتكم، وهذا هو طريقكم، وهذا هو فرضكم، فلا تلتفتوا إلى موائد الذل ولا إلى وعود الكفار. إن طريق العزة واحد: أن تنهضوا على أساس الإسلام، فتقيموا سلطانكم المستقل، وتعيدوا جيشكم ليكون سيفاً في وجه العدو لا جداراً يحميه.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر