في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025 انعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية مؤتمر دولي واسع بعنوان "قمة شرم الشيخ للسلام"، بمشاركة أكثر من عشرين دولة ومنظمة دولية، وبرئاسة رئيس أمريكا ترامب ورئيس مصر السيسي، وبحضور عدد من القادة العرب والغربيين، إضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي. جاء هذا المؤتمر بعد الإعلان عن اتفاق لوقف الحرب على غزة، تضمن تبادل أسرى وفتح ممرات محدودة للمساعدات وإعادة ترتيب الوضع في غزة تحت إشراف دولي.
لم يكن عقد المؤتمر صدفة، بل جاء نتيجة تداخل جملة من العوامل السياسية والعسكرية منها:
- إيقاف الحرب: بعد تصاعد الضغط الشعبي في العالم، خصوصاً في أوروبا وأمريكا، دفعت أمريكا نحو تثبيت تهدئة طويلة الأمد تضمن أمن كيان يهود وتمنع تجدد المواجهة.
- منع تصاعد الحراك الشعبي الإسلامي: هذه الحرب أعادت قضية فلسطين إلى صدارة المشهد العالمي، وأحيت الروح الإسلامية في الشارع، وهو ما أقلق الأنظمة العميلة والغرب من احتمال تحرك الأمة أو جيوشها، فجاء المؤتمر لإعادة احتواء الموقف سياسياً.
- إعادة ترتيب إدارة غزة: تسعى أمريكا لترتيبات جديدة في القطاع تُخرج حماس من السيطرة الفعلية، وتضع إدارة مدنية تحت إشراف دولي أو عربي، تمهيداً لإدخال الاحتلال في ترتيبات سياسية أشمل.
- تهيئة المسرح لمرحلة ما بعد الحرب: من خلال ربط الإعمار بالتمويل المشروط والرقابة الدولية، وإدخال قوات مراقبة، وتطبيع العلاقة مع يهود عبر القنوات الرسمية.
وراء الشعارات التي رُفعت عن "السلام" وإعادة الإعمار تكمن أهداف واضحة تخدم مشروع أمريكا وكيان يهود:
أولا: تثبيت وقف الحرب وفق الرؤية الأمريكية: أي تحويل التهدئة المؤقتة إلى حالة دائمة تُجمّد الصراع وتمنع تفجّره مجدداً.
ثانيا: نزع سلاح المقاومة تحت عنوان "الترتيبات الأمنية"، عبر إدخال قوة مراقبة دولية على حدود غزة، وربط التمويل بموافقة المانحين على الخطة الأمنية.
ثالثا: تشكيل إدارة تكنوقراطية أو عربية مشتركة للقطاع، أي بقيادة عملاء الغرب، تضع القرار الحقيقي بيد أمريكا والغرب، وتُنهي نفوذ حماس والفصائل المسلحة.
رابعا: تثبيت دور مصر كضامن أمني لتلك الترتيبات، وفق معاهدة كامب ديفيد والتنسيق مع كيان يهود، أي خلق حالة أمنية تطلق يد النظام المصري ليعتقل ويقتل ويلاحق وينجز ما فشل فيه يهود من القضاء على المقاومة.
خامسا: تحويل قضية فلسطين إلى قضية إنسانية عبر التركيز على الإعمار والتمويل وتحسين الحياة بدل تحرير الأرض واقتلاع الكيان الغاصب.
لقد أظهر المؤتمر مرة أخرى التحالف العضوي بين الغرب الكافر المستعمر وحكام المسلمين. فالغرب بقيادة أمريكا ينظر إلى فلسطين ليس كونها أرضاً مغتصبة يجب تحريرها، بل باعتبارها ملفاً أمنياً يجب ترتيبه بما يضمن استمرار تفوق كيان يهود. لذلك يدفع بكل ثقله السياسي نحو تصفية القضية وإدماج كيان يهود في المنطقة.
أما الحكام العرب، وعلى رأسهم حكام مصر، فهم أدوات تنفيذية للمشروع الأمريكي، يؤمنون حدود يهود، ويضغطون على فصائل المقاومة، ويغلقون المعابر، ويقدّمون مؤتمرات "السلام" غطاءً سياسياً للخيانة.
ولم يقتصر الأمر على مصر، فحكام الأردن وقطر والإمارات والسعودية شاركوا في المؤتمر وباركوا مخرجاته. هذا الاصطفاف يوضح أن هؤلاء الحكام ليسوا جزءاً من الأمة، بل هم جزء من معسكر أعدائها، ينفذون أوامر أمريكا ويقمعون كل تحرك حقيقي لنصرة فلسطين.
إن كل مؤتمر أو اتفاق يقوم على الاعتراف بكيان يهود أو التفاوض على جزء من أرض فلسطين هو باطل وحرام شرعاً. ففلسطين أرض إسلامية لا يملك أحد من الحكام أو الفصائل أن يتنازل عن شبر منها، بل الواجب هو تحريك جيوش المسلمين لتحريرها، كما فعل صلاح الدين رحمه الله عندما حررها من الصليبيين.
إن هذا المؤتمر هو حلقة جديدة في مشروع تصفية قضية فلسطين، عبر نقلها من الميدان العسكري إلى مائدة المفاوضات الأمريكية، وبمشاركة الأنظمة الخائنة التي تحرس الاحتلال، والغرب لا يمكن أن يكون وسيطاً نزيهاً، فهو من أوجده، وهو من يحميه ويموّله ويضمن تفوقه العسكري. والمشاركة في هذه المؤتمرات أو القبول بمخرجاتها هو خيانة للأمة وللإسلام، لأنها تكرّس وجود العدو على أرض المسلمين، وتحرف البوصلة عن الحل الشرعي الحقيقي.
إن الواجب الحقيقي تجاه غزة وسائر فلسطين ليس إصدار بيانات ولا انتظار مؤتمرات دولية، بل هو الجهاد لتحرير الأرض ونصرة أهلها بالسلاح والرجال، لا بالمساعدات المشروطة ولا بالتسويات السياسية. والجيوش المحيطة بفلسطين - في مصر والأردن وسوريا وتركيا - تمتلك القدرة الكاملة على سحق كيان يهود خلال سويعات من نهار، لكن الحكام يمنعون تحركها، التزاماً باتفاقيات الذل والخيانة (كامب ديفيد، وادي عربة، أوسلو). لذلك فإن الواجب على الأمة هو تحريض الجيوش على التحرك لإسقاط هؤلاء الحكام وإقامة الخلافة الراشدة التي تحرر الأرض وتعيد للأمة عزتها.
يا أهل الكنانة: إن ما جرى في شرم الشيخ هو طعنة جديدة في ظهر غزة، ومحاولة لفرض ترتيبات أمريكية تُجهز على ما تبقى من روح المقاومة. ولن يتحقق النصر عبر مؤتمرات "السلام"، بل عبر انحيازكم إلى أمتكم ودينكم، وكسر قيود الحكام، والتحرك لتحرير فلسطين من يهود.
أيها المخلصون في جيش الكنانة: إن حكامكم يشاركون فعليا وعمليا في إبقاء كيان يهود، وهذا ليس غريبا عليهم، فهم الذين ساعدوا في إيجاده في قلب الأمة الإسلامية. أما الغريب حقا فهو موقفكم! لماذا أنتم لا تزالون متمسكين بحدود سايكس بيكو التي فرقت ومزقت أبناء الأمة الواحدة؟ أين مفاهيم الإسلام التي تجعل الحرب على أي مسلم حربا على كل المسلمين؟ فإلى متى تتحركون في كل مكان إلا في سبيل الله ونصرة الإسلام والمسلمين؟! فاخلعوا عنكم طوق الحكام العملاء وكونوا مع المخلصين العاملين لتطبيق الإسلام من جديد في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تقودكم نحو تحرير كامل فلسطين وكل بلاد المسلمين المحتلة وتحوزون فضل الأنصار وشرفهم.
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويحكم فيه بكتابك وتقام فيه دولتك، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وتُحرر فيه فلسطين وسائر بلاد المسلمين.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع