في الفترة من 19 إلى 21 آب/أغسطس 2025، قام وفد أوزبيكي برئاسة وزير الخارجية بختيار سعيدوف بزيارة رسمية إلى البحرين وقطر وسلطنة عمان. في التصريحات الرسمية، تم التأكيد على أن هذه الزيارات تهدف إلى توسيع التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمار وتطوير العلاقات الثقافية. ولكن عدم الكشف عن التفاصيل يشير إلى وجود أهداف جيوسياسية كبيرة وراءها؛ لأن قطر والبحرين وعمان بلاد ذات أهمية كبيرة لأمريكا وبريطانيا، ليس فقط من حيث الطاقة، بل من الناحية العسكرية والاستراتيجية الجيوسياسية أيضاً.
ففي قطر، تقع أكبر قاعدة عسكرية تابعة لقيادة الولايات المتحدة المركزية وهي قاعدة العديد الجوية. هذه القاعدة تعتبر مركزاً لعمليات أمريكا العسكرية في جميع الشرق الأوسط، وأفغانستان وحتى المحيط الهندي.
أما بريطانيا فتحتفظ بقاعدة جوية دائمة في قطر، وبريطانيا شريكة لقطر في التدريبات العسكرية المشتركة ومبيعات الأسلحة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. شركات أمريكا وبريطانيا (ExxonMobil، Shell، BP) تعتبر مستثمرة استراتيجية في قطاع الغاز في قطر. وتمتلك مؤسسة قطر للاستثمار (QIA) أصولاً كبيرة في المركز المالي في لندن وفي السوق الأمريكية.
أما في البحرين التي وقعت على اتفاقية أبراهام عام 2020، فيقع مقر الأسطول الخامس الأمريكي الذي يراقب طرق النفط في الخليج وبحر العرب، وهذا أمر بالغ الأهمية لأمن الطاقة.
وفي عام 2018، افتتحت بريطانيا قاعدة عسكرية دائمة لها في البحرين، هي الأولى في المنطقة منذ عام 1971. فالبحرين في المنطقة تعتبر "قلعة عسكرية" للغرب.
أما عُمان فتقع في الساحل الجنوبي لمضيق هرمز، حيث يمر عبره 20% من نفط وغاز العالم. أمريكا وبريطانيا تسيطران على الممرات البحرية الدولية عبر المضيق. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك عُمان احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط. يعتبر ميناء دوكم مركزاً لوجستياً وبتروكيماوياً ضخماً يطل مباشرة على المحيط الهندي، وله أهمية استراتيجية بالنسبة لأمريكا وبريطانيا.
بشكل عام، تمثل هذه البلاد الخليجية الثلاث - في اتجاهات الخليج العربي والمحيط الهندي - الركائز الأساسية للهندسة العسكرية الطاقوية الأمريكية البريطانية، وتُعتبر بمثابة دعائم حماية لضمان أمن كيان يهود المجرم.
خلال زيارته إلى البحرين، قام سعيدوف ومستشارته منيرة أمينوفا بإجراء مفاوضات مع شركات كبيرة. وتمت مناقشة إقامة مشاريع مشتركة في مجال الكيمياء الزراعية مع شركة GPIC، والتعاون مع شركة ألمنيوم Alba. خلف هذه الشركات تكمن مصالح الاستثمار لأمريكا وبريطانيا. تسعى أمريكا إلى ربط أوزبيكستان بالسلسلة العالمية والسيطرة عليها في مجال موارد الطاقة والمصادر المتجددة من خلال مشاريع GPIC وAlba.
وأما في المفاوضات في مسقط، فقد تم تقديم التفضيلات والضمانات في المناطق الصناعية في أوزبيكستان للمستثمرين الكبار مثل مجموعة سهيل بحوان، وإم بي هولدينغ، وبنك صحار. بالنظر إلى أن عُمان هي نقطة الوصول إلى المحيط الهندي والمنطقة التي يسيطر عليها الغرب منذ سنوات عديدة على طرق النقل، فهي فرصة لأمريكا لتوجيه موارد آسيا الوسطى إلى الأسواق العالمية من خلال قنواتها الخاصة.
وكانت الاجتماعات مع قطر واسعة النطاق. حيث تم خلال المباحثات مع أميرها تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن مناقشة قضايا التجارة والاستثمار والتعليم والتبادل الثقافي. وكان الحدث الأهم هو انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. وتم تفسير هذه الخطوة على أنها تجسيد عملي لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة عام 2024. وبالإضافة إلى ذلك، تم توقيع مذكرة استثمار مع شركة تعدين قطر، وتم فتح الطريق للتعاون في قطاع الدفاع.
تشير التفاهمات الدفاعية مع قطر إلى أن أمريكا تستعد لبناء هيكل أمني جديد في آسيا الوسطى كبديل للهيكل الأمني الإقليمي الروسي. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن أمريكا قد انسحبت من أفغانستان، إلا أن ذلك مرتبط أيضاً باستخدام أوزبيكستان كـ"وسيط إقليمي" رئيسي للحفاظ على نفوذها الإقليمي.
ومن خلال زيارات الوفد الأوزبيكي إلى البحرين وقطر وسلطنة عمان، أصبحت أهداف الغرب في توسيع نفوذه في آسيا الوسطى عبر الشرق الأوسط والحصول على السيطرة على الموارد والاتجاهات الجيوسياسية واضحة تماماً. وهذا بدوره ينسجم مع خطة أمريكا الرامية إلى تنظيم منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في إطار جيوستراتيجي واحد في إطار اتفاقيات أبراهام. وبعبارة أخرى، ضمان أمن كيان يهود في كافة أنحاء المنطقة الإسلامية، وربط ثروات الخليج وموارد بحر قزوين في سلسلة جيوسياسية واحدة، وتشكيل حزام جيوسياسي من آسيا الوسطى والشرق الأوسط والغرب، وإضعاف قوة الصين وروسيا.
أمريكا التي توجه ضربات لا هوادة فيها للإسلام والمسلمين بمساعدة كيان يهود والهند في غزة والضفة وكشمير، تستمر في بناء هندسة العالم كما تريد بمساعدة الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية. وتواجه منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ولا سيما أوزبيكستان، اختبار العمل كمجال حاسم في هذا الصدد. القوة الوحيدة التي ستمنع رأس الكفر أمريكا من مهاجمة مقدساتنا وأعراضنا وبلادنا وثرواتنا هي الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. فإن نجاتنا لن تكون إلا بتطبيق الإسلام في الحياة تطبيقا كاملا ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد العزيز الأوزبيكي