لقد انهار اقتصاد أوزبيكستان بعد تفكك الاتحاد السوفييتي واستقلالها، حيث غادر ملايين الأوزبيك بلادهم بحثاً عن العمل، ولا سيما إلى روسيا، حيث أصبحوا عمالاً مهاجرين وبقوا هناك لسنوات طويلة. ولم تتمكن الدولة من توفير فرص عمل لهم، ولا من إصلاح الاقتصاد، ولم تبنِ المصانع والمعامل الجديدة، بل هدمت المصانع والمعامل التي كانت قائمة منذ العهد السوفييتي.
اعتمدت الدولة على القروض الخارجية والاستثمارات الأجنبية لتغطية نفقاتها، وبدأت في الحصول على معظم هذه القروض من روسيا والاتحاد الأوروبي والصين وأمريكا. وتسابق المسؤولون في الاستحواذ على تلك الاستثمارات والقروض بطرق مختلفة، بينما تُرك الشعب لمصيره يدبّر شؤونه بنفسه دون رعاية من الدولة.
بدأت الدول المانحة للقروض والمصدّرة للاستثمارات بفرض شروطها وتوجيهاتها الإلزامية، وسعت إلى توسيع نفوذها في البلاد.
ومن الطبيعي أن روسيا حافظت على نفوذها السابق، وزادته من خلال ضغوط جديدة تمثلت في تهديدها بطرد العمال المهاجرين وإثارة الأزمات الاقتصادية في المنطقة.
في عهد الرئيس السابق لأوزبيكستان إسلام كريموف وحتى عام 2016، بلغ الدين الخارجي للبلاد ستة مليارات دولار. أما اليوم، في عام 2025، فقد ارتفع هذا الدين إلى اثنين وسبعين مليار دولار، وكان الجزء الأكبر منه من الصين. وقد تجاوزت الصين روسيا في حجم الاستثمارات ومنح القروض لأوزبيكستان.
إنّ كل دولة من الدول التي تُقدّم القروض والاستثمارات - سواء أكانت روسيا أم الصين أم الاتحاد الأوروبي أم الولايات المتحدة - تشترط أولاً وقبل كل شيء عدم السماح بعودة الإسلام داخل المجتمع. فكل استثمار أو قرض، وكل اجتماع سياسي ضمن منظمات مثل منظمة شنغهاي أو التعاون الأوراسي، يعقبه تصعيد في محاربة الإسلام ونشر السياسات المعادية له.
فعلى سبيل المثال، بعد الاجتماع الأخير لمنظمة شنغهاي، قامت السلطات في ولاية نمنغان بأوزبيكستان باستدعاء زوجات أكثر من ثلاثين إماماً إلى مكاتب النيابة العامة، وأجبرتهن على خلع الخمار تحت التهديد بفصل أزواجهن من العمل إن لم يفعلن ذلك.
كما تمّ تصعيد الحملات ضد الخمار واللحية في الشوارع، واعتمدت الحكومة الأسلوب الصيني في المراقبة، حيث نصبت كاميرات مراقبة مستوردة من الصين في كل شارع ومكان للتعرّف على وجوه المسلمين ومتابعتهم. وفي الوقت نفسه، شدّدت العقوبات على من يدرّس العلوم الدينية أو يدعو إلى ذلك دون ترخيص رسمي من الدولة.
خلال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى رئيس أوزبيكستان شوكت ميرزياييف بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتمّ توقيع اتفاقيات بين الولايات المتحدة وأوزبيكستان بقيمة مائة وخمسة مليارات دولار في مجالات التجارة المتبادلة وجلب الاستثمارات واستغلال الثروات المعدنية في البلاد. وبذلك تقدّمت الولايات المتحدة على كلٍّ من الصين وروسيا في حجم التعاون الاقتصادي مع أوزبيكستان.
بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان، نُقل جزء كبير من الطائرات العسكرية والمروحيات والمعدات الحربية الأمريكية إلى أوزبيكستان. وفي الوقت الحاضر، طالبت حكومة طالبان من أوزبيكستان إعادة تلك المعدات العسكرية. وفي هذا الوقت، طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حكومة طالبان بتسليم قاعدة باغرام العسكرية في أفغانستان إلى الولايات المتحدة، إلا أن طالبان رفضت ذلك رفضاً قاطعاً. ومن غير المستبعد أن تقوم أمريكا بترك معداتها العسكرية الموجودة في أوزبيكستان وتحويل تلك المنطقة إلى قاعدة عسكرية تابعة لها.
لقد أصبحت منطقة آسيا الوسطى، وخصوصاً قلبها أوزبيكستان، ساحة طموحات لنفوذ الدول الكبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتحولت في كل لحظة إلى برميل بارود يمكن أن يفجره أي طرف أو جميع الأطراف معاً.
أيها المسلمون: إن حكامكم لا يفكرون في رفاهيتكم الاقتصادية، فأنتم في ضيق اقتصادي شديد، والدول الكبرى ترغب في أن تبتعدوا عن دينكم وتصبحوا منافقين وملحدين وكفرة كما يشاؤون. فاثبتوا على دينكم، ولا تسمحوا لحكامكم بتحقيق هذه النوايا الشريرة. اجتهدوا وابذلوا قصارى جهدكم لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تقودكم بإذن الله إلى سعادة الدنيا والآخرة ورضوان من الله أكبر، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾، واحذروا قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد هادي