تستمر مآسي مسلمي الروهينجا في ظل تخاذل دول العالم الإسلامي،وتجاهل ما يُسمّى بالمجتمع الدولي، الذي لا يملك غير لغة إبداء القلق والأسف على ما يحدث من كوارث بحق هؤلاء المستضعفين.
فهذا الواقع المأساوي المرير الذي يعيشه مسلمو الروهينجا بمقاطعة أراكان المُحتلة من قبل دولةميانمار(بورما) البوذية المُجرمة، لم يلق أية مُحاولة جدية مما يُعرف بالأسرة الدولية لوضع حدٍ له، أو حتى مجرد تخفيف آثاره.
فلقد اعترف المتحدث باسم الرئاسة البورمية زاو جاي أن 176 قرية من قرى الروهينجا صارت خالية من سكانها، إضافة إلى 34 قرية أخرى تركها بعض السكان، وذلك عقب أحداث العنف الأخيرة التي شهدها الإقليم، ولكنّ المُتحدّث لم يُفصح عن سبب خلوها من سكانها،فيما أبرز السببَ الحقيقي شهودُ عيان ذكروا أنّ أعمال حرق قرى الروهينجا ما زالت مستمرة، فالحرق المُمنهج إذاً هو سبب التهجير المُباشر، هذا فضلاً عن أعمال الاضطهاد المُختلفة التي تعرّض لها هؤلاء المسلمين من قتل وحرق وتعذيب واغتصاب وحصار وتجويع وترويع وسلب ونهب وإجلاء وغير ذلك من أعمال التنكيل.
وأسلوب حرق القرى المُتعمّد هذا يرمي إلى تهجير المسلمين من موطنهم بشكل نهائي، وانعدام إمكانية عودتهم إلى قراهم، وقد بلغ عدد المُهجّرين خلال ثلاثة أسابيع قرابة الأربعمائة ألف إنسان، وهو ما يُعادل نصف من تبقى من الروهينجا في أراكان، ويُعتبر هذا التهجير القسري وفقاً للقانون الدولي تطهيراً عرقياً قولاً واحداً، يستوجب معه أن يقوم المجتمع الدولي بإيقافه فوراً، وبكل ما يملك من إمكانيات.
ولا تنتهي مآسي المُهجرين من الروهينجا بعد فرارهم من الموت على أيدي البوذيين البورميين، بل تبدأ مرحلة جديدة للناجين منهم في رحلة عذابجديدة عبر الحدود البحرية والبرية ليصلوا إلى مكان آمن نادراً ما يجدون فيه الأمان.
فبعد السير على الأقدام لأيام وليال طوال، وهم في حالةٍ مُزرية أملا في الوصول إلى الساحل، ومنه إلى بنغلادش المجاورةالتي تُعاملهم حكومتها المُجرمة بأسوأ ما يُمكن تصوره من إهانة وتنكر، بعد ذلك تتركهم نهباً لاستغلال مالكي القوارب وجشعهم، فيبتزونهم ويأخذون منهم الممتلكات الخاصة كذهب الزوجات أو الأغنام والماشية نظير نقلهم للطرف الآخر، وإن لم يفعلوا، يلقون حتفهم بنيران رشاشات ومدافع المليشيات البوذية المجرمة.
تقولمنظمات إغاثية دولية: "إنّ هناك ولادات لأكثر من 130 طفلا في ظروف غير إنسانية خلال رحلات الهجرة القسرية تلك، وإنّ كثيراً من النسوة توفين خلال الولادة، وفي حالات أخرى يتوفى المولود نظرا لعدم توفر أدنى مستوياتالرعاية الصحية، وندرة الطعام والشراب والمستلزمات الطبية، فضلا عن عدم قدرتهن على البقاء فترة للراحة قبل الولادة وبعدها، وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)أن أعداد اللاجئين من الروهينجا في بنغلادش بلغ أربعمئة ألف بينهم 220 ألف طفل".
وتقول إحدى الناجيات واسمها أمينة خاتون: "الجنود الميانماريون أشعلوا النيران في كل البيوت والحقول بقريتي، فهربت مع أسرتي صوب الساحل، وخلالها عشت أوقاتا عصيبة، إذ سرت أكثر من سبعة أيام على قدمي، كما حوصرت مع آخرين لثلاثة أيام بإحدى الغابات،وشاهدت قتل الجيش عشرات من الجيران والأقارب بدم بارد".
وبالرغم من أنّ الأمم المُتحدة تعترف بأنّ مسلمي الروهينجا هي أكثر (أقلية) مضطهدة في العالم، وتُقر بوجود أعمال العنف وسوء المعاملة ضدهم وعلى مدى عقود طويلة، ومن غير وجود أمل لهم بالحصول على العدالة، وبلا صوت يمكن إسماعه للعالم،ولكن مع كل ذلك الاعتراف والإقرار فإنّها تبقى عاجزة عن القيام بأي شيء يُنهي هذه المأساة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما السبب في هذا العجز وهذا الفشل لــ(المجتمع الدولي) بشكل فاضح في تخفيف معاناة هؤلاء القوم طوال عشرات السنين من جحيم البوذيين؟
والجواب على هذا السؤال يمكن تلخيصه على النحو التالي:
إنّ ما يُسمّى بالمجتمع الدولي يتشكّل من الدول الكبرى الكافرة الاستعمارية والطامعة والحاقدة على الإسلام والمُسلمين، ويُمثّل هذه المجتمع الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وهي أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، وبعض الدول الأخرى كالهند وألمانيا، وبالتالي فهي لا تأبه بما يقع على المسلمين من مصائب، لأنّهم ضعفاء وغير مؤثرين في الموقف الدولي، ومجتمعهم الدولي هذا لا يعترف إلا بالأقوياء.
وقد أعلنت الصين رسمياً أنّها تؤيد حكومة ميانمار في أعمالها الأمنية في أراكان للحفاظ على الأمن والاستقرار، وكذلك فعلت روسيا والهند ولكن بلهجة أخف، أمّا أمريكا فطالبت الحكومة البورمية بوقف حملتها الأمنية ولكن من دون تحميلها المسؤولية عن مأساة الروهينجا، وأمّا بريطانيا فرفعت المشكلة إلى مجلس الأمن الذي لم يتمكن أصلاً من الانعقاد بسبب هذه المواقف المائعة، وهكذا استمرت المأساة، وتوالت فصولها.
وهناك جانب اقتصادي للمشكلة وهو أنّ بورما تحوي خزانا ضخما من النفط والغاز، وفيها موارد معدنية كثيرة، ومن ضمنها الذهب بكميات تجارية، وهو ما أسال لُعاب هذه الدول الكبرى، ممّا دفع أمريكا والصين المُتنافستين بشدة اقتصادياً للوقوف إلى جانب الحكومة البورمية من أجل الاستحواذ على هذه الثروة، والتي لا يُلتفت معها إلى حقوق الطوائف الصغيرة لا سيما إذا كانت مُسلمة.
إنّ تقصير حكام المسلمين في القيام بواجبهم بسبب خيانتهم وعمالتهم وعجزهم، هو السبب الرئيس لهذه المأساة، وإنّ استمرار وجودها ليؤكد بأنّه لا يوجد حل لها، ولا لمآسي المُسلمين المُختلفة الأخرى والكثيرة، إلا من خلال استخدام القوة العسكرية الذاتية التي بها فقط تُحمى بيضة المُسلمين، فنصرة مسلمي الروهينجا ونصرة كل المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها واجب على جيوش المسلمين الذين يملكون القوة العسكرية القادرة على النصرة، وهذا الواجب فرضه عليهم الحق سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، على أنّ هذه القوة لا يُمكن لها أن تعمل إلاّ من خلال دولة الإسلام، لأنه ثبت على أرض الواقع أنّ هذه الدول الوطنية والدول القومية القائمة في بلاد المسلمين هي دول عميلة وهزيلة وعاجزة تماماً عن تحريك جيوشها خارج الحدود المرسومة لها، ولذلك كان لا بُدّ وجوباً من إيجاد الدولة الإسلامية (دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) التي يتجاوز جيشها الحدود، فيستطيع عندها حماية بيضة المسلمين، والانتقام من كل دولة تُسوّل لها نفسها استباحتها.