ليس في الإسلام ولا في دولته الحقة القائمة قريباً بإذن الله تعالى، الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وجود لما يُسمى بـ(الأقليات) لا فكرةً ولا واقعاً، بالمعنى الذي يشير إليه المتأثرون بالفكر الغربي، بل كان الموجود ضمن دولة الإسلام الأولى، منذ أن أنشأها النبي ﷺ حتى هدم الخلافة العثمانية سنة 1924م، أن غير المسلمين كانوا تحت حماية الدولة وفي كنفها ورعايتها وذمتها وعهدها، شعار دولتهم فيها قول النبي ﷺ: «مَن ظَلَم مُعاهَداً أو تَنَقَّصَه حقَّه وكَلَّفَه فوقَ طاقتِه أو أخَذ منه شيئاً بغيرِ طِيبِ نفْسٍ فأنا خَصمُه يومَ القيامةِ»، ونموذجهم الأسمى في التطبيق، هو ما بات معروفاً باسم العهدة العمرية عام 15هـ/638م، والتي أمّنهم فيها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كنائسهم وممتلكاتهم. وقد اعتبرت العهدة العمرية واحدةً من أهم الوثائق في تاريخ القدس، ونُحيل كل الذين يحملون مثل هذه الآراء إلى قول الكاتب جوستاف لوبون الذي وصف دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس: "ويُثبت لنا سلوك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في مدينة القدس، مقدار الرفق العظيم الذي كان يُعامِل به العربُ الفاتحون الأمم المغلوبة - والذي ناقضه ما اقترفه الصليبيون في القدس بعد بضعة قرون مناقضةً تامَّة - فلم يُرِد عمر أن يُدخِل مدينة القدس ومعه غير عددٍ قليلٍ من أصحابه، وطلب من البطريرك صفرونيوس أن يُرافقه في زيارته لجميع الأماكن المقدسة، وأعطى الأهلين الأمان، وقطع لهم عهداً باحترام كنائسهم وأموالهم، وبتحريم العبادة على المسلمين في بِيَعِهِم"، ثم يستطرد قائلاً: "ولم يكن سلوك عمرو بن العاص بمصر أقل رفقاً من ذلك؛ فقد عرض على المصريين حرية دينية تامَّة، وعدلاً مطلقاً، واحتراماً للأموال، وجزية سنوية ثابتة لا تزيد عن خمسة عشر فرنكاً عن كل رأس، بدلاً من ضرائب قياصرة الروم الباهظة؛ فرضي المصريون طائعين شاكرين بهذه الشروط".