دخلت الاحتجاجات والمظاهرات، التي تنتظم مدن السودان المختلفة أسبوعها السابع، وما زال الكر والفر بين قوات الأمن والمحتجين يتواصل، ولكن ما يميز الفترة الأخيرة هو تغير لهجة النظام تجاه الثوار، ومحاولة رمي اللوم على قوى اليسار، والحركات المتمردة، ومحاولة عزل الشباب وكسبهم لصف النظام عبر الاعتراف بأن للشباب الثائر قضية يجب أن يُسمع لهم. ففي ملتقى الصحفيين بصحيفة السوداني يوم السبت الماضي 02/02/2019م، قال رئيس الوزراء معتز موسى: (إننا لم ننظر مطلقاً للاحتجاجات من زاوية القلة والكثرة، أو من زاوية الغلبة والهزيمة، بل من أنها صوت يجب أن يُسمع، ويُحترم، ويُنظر إلى جوهره، بصرف النظر عن بعض المزايدات التي أفسدت فكرته)، واصفاً إياها بالتحرك الشبابي التلقائي والمحترم. وفي السياق نفسه قال مساعد الرئيس؛ نائب رئيس المؤتمر الوطني للشئون الحزبية، فيصل حسن إبراهيم، في تصريحات صحفية عقب اجتماع المكتب القيادي، الذي انفض في ساعة متأخرة من ليل الأحد 03/02/2019م، قال: (إن الاجتماع ناقش استراتيجية الشباب للفترة من 2019-2024م، والمعالجات المطلوبة، وتحليل الواقع الشبابي، واقتراح المعالجات)، مشيراً إلى أن قضية البطالة، من القضايا الأساسية التي تهم الشباب، موضحاً أن هناك الكثير من الموجِّهات المتمثلة في خلق فرص للشباب، ليس فقط في القطاع العام، ولكن في القطاع الخاص بالاستفادة من التمويل الأصغر. وكشف فيصل عن توصية للمؤتمر الوطني، بإقامة مؤتمر قومي لقضايا الشباب، يناقش قضاياهم بكافة فئاتهم واتجاهاتهم.
هذا فيما يتعلق بمحاولات النظام كسب الشباب الثائر، عبر تخديرهم بالوعود بإصلاح الحال دون العمل الجدي للمعالجة الجذرية لأس المشكلة، التي تكمن في وجود نظام وضعي خاضع للمستعمر الأمريكي ومؤسساته التي أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة من الاحتقان، والظلم، والفساد، وضياع الثروات، حتى فاض بالناس فخرجوا يطالبون بالعدل، الذي لا يوجد إلا في ظل نظام يقوم على أساس الإسلام؛ عقيدة الأمة.
أما فيما يتعلق بشيطنة الحراك، ونسبه للحزب الشيوعي، أو قوى اليسار، فقد ذكر مدير المخابرات السوداني أن اليسار والحركات المتمردة تسعى لتسلم السلطة لبدء العهد الذي انتظروه طويلاً، وإلى ارتباط مصالح بعض القوى السياسية في السودان بالدوائر الخارجية، ومحاولة الهجرة اليومية إلى سفاراتها داخل السودان. كما ذكر رئيس الأركان في القوات المسلحة السودانية الفريق/ كمال عبد المعروف، في مخاطبة لضباط برتبتي العميد والعقيد، قال: (إن الجيش لن يسلم البلاد لشذاذ الآفاق من قيادات التمرد المندحرة، ووكلاء المنظمات المشبوهة بالخارج). وبدأت أجهزة الإعلام التابعة للنظام الطرق على موضوع أن اليسار هو من يقود هذه الاحتجاجات، حتى ينفضّ الناس عنها، ومحاولة تضليل الناس بأن النظام هو نظام إسلامي، رغم أن الجميع يعلم أن هذا النظام لا علاقة له بالإسلام، بل هو يسير في مخطط الغرب الكافر الرامي لضرب الإسلام، ويشارك أمريكا في حربها على الإسلام، باسم الحرب على (الإرهاب). ويقدم التنازل تلو التنازل عن بعض أحكام الإسلام، التي أوهم الناس بأنها مطبقة، مثل الأحكام المتعلقة بالعقوبات، والنظام الاجتماعي، بل وما زال النظام منخرطاً في تنفيذ مؤامرات أمريكا الرامية لعلمنة صريحة للبلاد. فقد انعقدت في الأسبوع الماضي بالخرطوم ورشة حول الحريات الدينية في السودان، بحضور القائم بالأعمال الأمريكي، الذي أعرب أن تسهم الورشة في تعزيز التعاون الأمريكي السوداني في مجالات حقوق الإنسان، والحرية الدينية، ومعلوم أن حقوق الإنسان والحرية الدينية من مطلوبات التطبيع مع أمريكا بما يسمى (خمسة +1)، التي تمني بها أمريكا السودان، إنْ هو التزم بهذه المطلوبات أن يرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولن يتم ذلك إلا بجعل السودان دولة علمانية كاملة الدسم، وعندها لا معنى للحديث عن اليسار، وسعيه لعلمنة البلاد، التي هي الآن علمانية ملتحية تسير نحو العلمانية الحليقة!
إن أمريكا في سعيها لتركيع النظام، ليقوم بكل المطلوبات تترك النظام وهو يغرق، ولا تمد له حبل النجاة عبر عملائه في المنطقة كما فعلت مع سيسي مصر حينما تم دعمه بمليارات الدولارات حتى يخرج من الأزمة الاقتصادية التي سكتت إلى حين، لأن الأنظمة التابعة للغرب في بلاد المسلمين، هي في الأصل أنظمة وظيفية، مهمتها المحافظة على تجزئة الأمة، وتنفيذ مخططات، بل مؤامرات الغرب الكافر على الأمة، وجعله مسيطراً على مقدرات الأمة الاقتصادية والسياسية وغيرهما، والانخراط في حرب الغرب الكافر المستعمر على الإسلام والمسلمين.
إن الواجب على الأمة، وبخاصة الأهل في السودان، أن يعوا على المخطط الأمريكي، الذي حذر منه كثيراً حزب التحرير، هذا المخطط الرامي لتمزيق ما تبقى من السودان، وعلمنة البلاد بالكامل، وإلغاء كل مظاهر الإسلام، وشعاراته، وجعل الإسلام مجرد شعائر تعبدية، لا شأن لها بحياة الناس وسياسة أمرهم، وقد أطلق حزب التحرير/ ولاية السودان، قبل أربعة أشهر من الآن، حملة للتغيير على أساس الإسلام، بعنوان: (التغيير الحقيقي فرض ووعد)، وهو الآن مع الثائرين والمحتجين، يحدد لهم بوصلة النجاة، ليسيروا في الاتجاه الصحيح، حتى لا يخدعوا كما خُدع إخوانهم في ثورات الربيع العربي، وسُرقت جهودهم، وعادوا من حيث بدأوا، بل أسوأ منه. فقد صدع الحزب، وما زال، بنداء في المساجد والساحات، يطالب الناس بأن يكون التغيير على أساس العقيدة الإسلامية، تغييراً حقيقياً، يرفع الظلم، ويعيد ضبط بوصلة الحياة، إرضاءً لرب العالمين، وتحقيقاً للحياة الآمنة المطمئنة للناس أجمعين، بتطبيق الشريعة الإسلامية، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحقق للناس معنى العبودية لله، عندها يُستبدل تشريع رب البشر بتشريع البشر الذي جلب الظلم وضنك العيش، كما تحقق الرعاية الحقة التي تعظم حرمات الأنفس والأعراض والأموال، وترفع الإصر والأغلال التي وضعها النظام الرأسمالي الجشع عبر مؤسساته الربوية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين. وتدير دولة الخلافة ثروات الأمة لمصلحة الأمة، لا لمصلحة أعدائها كما هو الحال اليوم.
إن السودان غني بثرواته الظاهرة والباطنة، فهي لا تحتاج إلا لمن يوظفها بنظام من رب العالمين لخدمة الأمة. ولذلك فلا بد للجميع أن يعملوا من أجل هذه الدولة التي ترضي ربنا، وتوجد الطمأنينة والرفاه، وتقطع يد الغرب الكافر المستعمر، العابث ببلادنا وثرواتنا. هذا خلاصنا ولا خلاص لنا إلا به.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان