في الوقت الذي تشدد فيه أمريكا على تنفيذ هدنة الرباعية، فإن قيادة الجيش السوداني تعلن التعبئة والاستنفار، لمواصلة الحرب والقتال، وتتذرع أمريكا بالوضع الإنساني الكارثي، وكأن هذا الوضع حدث بعد سقوط الفاشر، والجميع يعلم أن ما حل بأهل السودان خلال هذه الحرب، التي تعدت العامين ونصف العام، يشيب من هوله الولدان! ولكن أمريكا بعد أن اطمأنت على سيطرة قوات الدعم السريع على كامل دارفور، تريد الإسراع في إكمال مخططها الخبيث الساعي لسلخ دارفور عن جسم السودان، كما فعلت من قبل عبر عملائها في حكومة البشير، والحركة الشعبية المتمردة، من فصل جنوب السودان، فقد وصف بولس، مبعوث الرئيس الأمريكي الوضع الإنساني في السودان بأنه أكبر كارثة إنسانية في العالم حالياً، مشيراً بشكل خاص إلى الأوضاع في الفاشر، خلال الأسابيع الأخيرة، واعتبر بولس هذا الوضع غير مقبول على الإطلاق، ويجب إنهاؤه بشكل سريع، في إشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأخيرة.
وأوضح المسؤول الأمريكي أن واشنطن تقدمت بمبادرة هدنة إنسانية مدتها ثلاثة أشهر في السودان، بدعم من شركاء الرباعية المتمثلين في السعودية والإمارات ومصر، وأوضح أن المبادرة تهدف للوصول إلى تطبيق خارطة الطريق التفصيلية، التي وضعتها الرباعية في 12/9/2025 للوصول إلى سلام دائم في السودان، هذا الحديث ذكره مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس لقناة الجزيرة يوم السبت 15/11/2025. وفي مقابل هذا التصريح تقوم قيادة الجيش بالتعبئة والاستنفار للقتال، فقد أعلن رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان يوم الجمعة 14/11/2025م، عن التعبئة العامة في القوات المسلحة، ودعا جميع السودانيين القادرين على حمل السلاح للتقدم، والمشاركة في القتال الدائر ضد قوات الدعم السريع، وقال البرهان أمام حشد شعبي في قرية السريحة بولاية الجزيرة إنه لن يقبل بالمتمردين ومن وقف معهم، مؤكداً أن حقوق الضحايا المدنيين الذين قتلوا على يد قوات الدعم السريع لن تذهب سدى! فحديث البرهان هذا لا يعبر عن الموقف الحقيقي لحكومة السودان، فالحكومة واقعياً موافقة على الرباعية وهدنتها، وما تفعله من تعبئة واستنفار القصد منه تسكين الناس وامتصاص غضبهم. وما يؤكد قبولها للرباعية ما جاء في بيان وزير الدفاع عقب اجتماع مجلس الأمن والدفاع، حيث أكد ترحيب المجلس؛ وهو أعلى سلطة في البلاد، بما أسماه الجهود المخلصة التي تدعو لإنهاء معاناة السودانيين، كما أبان أن المجلس شكر أمريكا، ومستشار رئيسها مسعد بولس، ما يعني موافقة مبطنة، وإن لم تكن صريحة. وفي محاولة للتلاعب بالألفاظ أكد وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم قبولهم بما جاء في الرباعية بشكل غير مباشر، حيث أوردت صحيفة الشرق الأوسط يوم الأربعاء 12/11/2025م، تصريحا للوزير جاء فيه: (إن الحكومة السودانية لا تتعامل مع المجموعة الرباعية الدولية بصفة رسمية لأنها لم تشكل بقرار من مجلس الأمن الدولي، أو أي منظمة، أو جهة دولية، وأن السودان يتعامل مع أشقائه في مصر والسعودية ومع الأصدقاء في الولايات المتحدة الأمريكية بصفات ثنائية ويجد كل التفاهم وينسق معهم).
إذا فإن وزير خارجية السودان يؤكد أنه ينسق مع أعضاء الرباعية، عدا الإمارات، فما هو موقف الأشقاء الذين قال إنه ينسق معهم؟! وهل هم مع الهدنة وما جاء في بيان الرباعية، أم أنهم مع الحسم العسكري؟! والجواب يظهر من تصريحات (الأشقاء)، فقد أوردت صحيفة التغيير تصريحا لوزير خارجية مصر، جاء فيه: (أكد وزير الخارجية المصري بدر الدين عبد العاطي على أهمية الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان، وتهيئة الظروف لانطلاق عملية سياسية شاملة، تحافظ على وحدة البلاد وسيادتها، وشدد عبد العاطي على ضرورة تنفيذ بيان الرباعية الخاص بالسودان بكامل بنوده، جاء هذا التصريح خلال اتصال هاتفي يوم السبت 15/11/2025 مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية الأفريقية مسعد بولس)، أما موقف السعودية فقد جاء في صحيفة الشرق الأوسط يوم الجمعة 14/11/2025 ما يلي: (جددت السعودية ومصر، التأكيد على أهمية وقف إطلاق النار في السودان، وتهيئة الظروف لإطلاق عملية سياسية شاملة)، أما موقف (الأصدقاء) في أمريكا، كما قال وزير خارجية السودان، وهم شرعا ليسوا أصدقاء، وإنما هم أعداء، فهم أصحاب الرباعية ورعاته.
هذا هو الواقع، ومع الأسف فإن الخيارين يؤديان إلى نتيجة واحدة، وهي سلخ دارفور عن جسم السودان، فهدنة الرباعية هي بداية السقوط في فخ المفاوضات، حتى الوصول إلى النتيجة التي تريدها أمريكا، وخيار مواصلة الحرب على النهج السائد نفسه الآن، فإن أمريكا لن تسمح بانتصار الجيش على قوات الدعم السريع، وإلا لكانت الحرب انتهت من ساعاتها الأولى، لأن هذه القوات صنعها عملاء أمريكا في السودان، وبإيعاز منها من أجل فصل دارفور، وهي تقوم بالمهمة على أكمل وجه، وبخاصة بعد أن أعلنت عن حكومة موازية في دارفور، وبعد أن سيطرت على كامل الإقليم.
لذلك فإن المخرج هو واحد ليس له ثان، وهو أن يرد قادة الجيش سلطان الأمة المغصوب إليها، لتبايع رجلاً حائزاً على شروط الخلافة، على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فيطبق أحكام الإسلام التي تمنع تدخل الكفار المستعمرين في شؤوننا لقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، ثم من رفع السلاح مدعياً مظلمة، فيطلب منه أولاً وضع السلاح، ثم تسمع الدولة لمظلمته وتحلها بأحكام الشرع، وإلا قوتل حتى يضع السلاح، ولا يسمح لكائن من كان أن يتدخل باسم الواسطة أو التوفيق أو غير ذلك، فإن الإسلام قد جعل وحدة الأمة ووحدة كيانها السياسي قضية مصيرية يتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان






















رأيك في الموضوع