قال المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو الثلاثاء ٢٦/٠٣/٢٠٢٤م إن الولايات المتحدة تتطلع لاستئناف محتمل لمحادثات السلام بشأن السودان في 18 نيسان/أبريل المقبل بالسعودية. وقال بيرييلو للصحفيين، إن واشنطن أوضحت أن محادثات السلام في السعودية مع الأطراف المتحاربة في السودان، يجب أن تكون شاملة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وهيئة شرق أفريقيا (إيغاد)، والاتحاد الأفريقي. في حين إن المفاوضات قد تبدأ أو لا تبدأ في 18 نيسان/أبريل تقريباً، ولم يكن من الواضح ما إذا كانت الأطراف المتحاربة ستوافق، وأضاف بيرييلو إنه سيكون الوقت الطبيعي لاستئناف المحادثات بعد شهر رمضان المبارك، بالإضافة إلى مؤتمر للمانحين في باريس مخطط عقده في 15 نيسان/أبريل. وقال المبعوث "أود أن تبدأ المحادثات غداً، لكنني أعتقد أننا ننظر بشكل واقعي إلى ما بعد شهر رمضان... وأضاف، أعتقد في هذه الأثناء، أننا نريد استخدام تلك الفترة من الآن وحتى بدء المحادثات لاستكشاف كل زاوية نستكشفها". وقال بيرييلو: "هل يمكن أن يكون ذلك بمثابة خطوة نحو النجاح". "سيكون هذا جدولا زمنيا جيدا للقيام بذلك. لكنه ليس ثابتا". (موقع سودان تربيون، 26 آذار/مارس 2024)
لقد نجحت أمريكا في ربط عملاء أوروبا (المدنيين) بالدعم السريع الذي ارتكب انتهاكات فظيعة في الخرطوم، وكردفان، ودارفور، وما زال يرتكب أبشع الانتهاكات في قرى ومدن الجزيرة، هذه الانتهاكات لم تقتصر على إزهاق أرواح الأبرياء بدم بارد، بل طالت الأعراض، والأموال، واحتلال المساكن ونهبها، فصارت هذه القوات منبوذة لدى الناس، فكان ربط المدنيين بالدعم السريع من خلال اتفاق أديس أبابا بين حميدتي وحمدوك هو الفخ الذي نصبه الأمريكان لعملاء أوروبا. ولم يكتف قادة الجيش بهذا الفخ، بل صاروا في كل خطاب، وفي كل مناسبة يصفون قوى الحرية والتغيير (تقدم) بأنها الحاضنة السياسية للتمرد، إمعانا في تنفير الناس منهم، ثم قام قادة الجيش بتفكيك القاعدة الشعبية لقوى الحرية والتغيير عبر حل لجان المقاومة، ولجان الخدمات والتغيير الموالية للقوى المدنية في العاصمة والولايات، وتمت الاستعاضة عنها بلجان المقاومة الشعبية التي تأتمر بأمر الجيش، كما تم استدعاء الشباب للاستنفار والقتال بجانب الجيش ليتم احتواؤهم تحت مظلة الجيش، وبعد تسليم مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، اتضح لكل ذي عينين أن الغرض من الاستنفار ليس قتال الدعم السريع، إنما ضمان الولاء والتبعية لقادة الجيش، وظهر ذلك جليا بعد رفض قيادات الجيش تسليح المستنفرين الذين بلغ عددهم أكثر من خمسمائة ألف مستنفر في كل مدن البلاد، وظلوا في معسكرات الجيش ينتظرون أوامر التسليح إلى هذه اللحظة، وفي محاولة لجذب شباب الثورة وسحب البساط من تحت أقدام المدنيين وجه ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة، في مخاطبة لحشد عسكري في مدينة سنار، وجّه لجان المقاومة الشعبية المؤيدة للجيش بانتخاب ممثلين لها على مستوى الأحياء، يختارون بدورهم ممثليهم على مستوى المحلية، وأن تنتخب الأخيرة ممثلين لها في برلمان الولاية، الذين بدورهم يختارون نوابا لهم في البرلمان الشعبي الاتحادي الانتقالي، وقال: "بعدها تجلسوا مع الرئيس ونائبه وتقولوا هذا هو رئيس الوزراء، عينه لنا، وهؤلاء هم الوزراء"، وأردف "أليس هؤلاء مدنيين وانتخابات وديمقراطية؟ أين تكمن المشكلة؟" (موقع سودان تربيون، 19 آذار/مارس 2024).
وقد أعلن العطا في 16 آذار/مارس "أن الجيش لن يسلم السلطة إلى قوى سياسية مدنية دون انتخابات. أما فترة الانتقال فإن رأس الدولة فيها سيكون قائد القوات المسلحة، وتوعد بأن "أي عميل وأي خائن سيعامل معاملة الجنجويد لأنه دعم وساند الجنجويد مهما كانت قامته أو اسمه أو جماهيره" مشدداً على أن "الجماهير اليوم كلها تدافع عن عرضها". وكان العطا يتحدث مخاطبا وفدا من تنسيقية القوى الوطنية، وصل الجمعة إلى قاعدة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان لإظهار دعم ومساندة القوات المسلحة، وهذا الكيان استحدث في الأيام القليلة الماضية، ويرأس هذا التحالف نائب رئيس المجلس السيادي، مالك عقار، ومن المنتظر أن يوقع التحالف ميثاقا سياسيا مع قادة الجيش خلال الأيام القادمة، لإدارة الفترة الانتقالية ما بعد الحرب، التي ستكون تحت رئاسة البرهان، وبعيدة عن الشراكة مع المدنيين.
بهذا يكون رجال أمريكا قد استطاعوا، إلى حد ما، صناعة كيان مواز للكيان الموالي لأوروبا تحت مسمى تنسيقية القوى الوطنية الديمقراطية، لقطع الطريق على عملاء أوروبا، بل إزاحتها عن المشاركة. وتجيء تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان السالفة الذكر في إطار ترتيبات المشهد السياسي الذي تقوم به أمريكا، بعد أن وجهت ضربات موجعة لعملاء أوروبا، وهي تريد الاستفراد بالحكم بالإصرار على منبر جدة، وحصر التفاوض بين عميليها البرهان وحميدتي. ولا يخفى على أحد أن التحكم في الصراع عبر منبر جدة، وتباطؤ الجيش في حسم المعركة عسكريا، مع قدرته على ذلك، كان واضحا لكل متابع، ولا يهم عملاء أمريكا ما يحدث للبلاد من خراب ودمار لم يسبق له مثيل، وما يصيب الناس من إذلال وقهر وتشريد ونزوح وفقد للأرواح، ومجاعة طالت الملايين من النازحين والمهجرين حسب تقارير الأمم المتحدة.
نعم لا يهم هؤلاء العملاء كل ذلك، فقد أخلصوا الولاء لأسيادهم للبقاء في كراسي الحكم عبر الدماء وجماجم الأبرياء، لذلك لا بد لأهل السودان أن يعوا حقيقة هذه الحرب بأنها حرب عبثية أشعلتها رأس الشر أمريكا من أجل إبعاد المدنيين عن سدة الحكم، واستفراد رجالها بحكم البلاد لضمان استمرار تمزيق ما تبقى من السودان على يد رجال أمريكا، وبهذا تكون الطبخة الأمريكية قد شارفت على الانتهاء.
أما مسألة عدم تسليم الجيش السلطة دون انتخابات، ومساعي الجيش لتشكيل حكومة مدنية، وغيرها من تصريحات قادة الجيش، فإنها للجم أفواه المنادين بالمدنية، وأن الجيش يسير في تحقيق ذلك، ويكون الجيش بذلك قد أغلق الأبواب أمام الحل السياسي الذي يسعى المدنيون للوصول إليه.
فلا حل لأهل السودان، ولا مخرج من هذه الأزمات، إلا بالرجوع لعقيدة الإسلام العظيم، ونبذ طرفي الصراع وإقامة حكم الإسلام في دولته، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ أحمد أبكر
عضو مجلس حزب التحرير في ولاية السودان