فجر الجمعة 8/8/2025 أقر المجلس الأمني الوزاري في كيان يهود خطة للسيطرة على غزة، وأفاد مكتب رئيس وزراء يهود بأن الخطة تهدف إلى:
أولا: نزع سلاح حماس، ثانيا: إعادة جميع الأسرى أحياءً وأمواتاً، ثالثاً: نزع سلاح جميع الفصائل، رابعاً: السيطرة الأمنية على قطاع غزة، خامساً: إقامة إدارة مدنية بديلة لا تتبع لحماس ولا السلطة الفلسطينية.
وفي ظل التباينات الداخلية في الكيان أثارت هذه الخطة انتقادات دولية عارمة من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، وتداعى مجلس الأمن للانعقاد واستنكرتها البلاد الإسلامية والأمم المتحدة بكافة مسؤوليها، فماذا وراء هذه الخطة؟ ولماذا ثار العالم ضدها وبالذات الدول المؤثرة والفاعلة مثل فرنسا والصين وروسيا وبريطانيا؟ حيث يبدو للناظر أن هؤلاء قد صحت مشاعرهم! فأقول لربما ذلك يرجع للأسباب التالية:
أولا: الموقف الأمريكي المتمثل في أن غزة ستكون تحت إدارة أمريكية عربية دون الهياكل الموجودة الآن وهي السلطة وحماس والمنظمة، فأمريكا لها رؤية في حل قضية فلسطين من خلال التطبيع مع البلاد الإسلامية ليكون كيان يهود طبيعيا في المنطقة، فأمريكا هي التي تمسك بزمام القضية، ولا أحد غيرها، فهذا ترامب ينتقد مواقف الدول الأوروبية ويهاجم ماكرون حينما صرح أنه يريد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث قال عن ماكرون (هو لاعب جيد، وكل ما يقوله لا يهم. سكاي نيوز عربية، 25/7/2025)، كما أن وزير خارجية أمريكا ماركو روبيو كان له الموقف نفسه من هذه الدول حيث قال: (المحادثات مع حماس فشلت في اليوم الذي قرر فيه ماكرون قراره الأحادي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، EWTN، 8/8/2025)، كما أن سفير ترامب لدى الكيان وأركان الإدارة هاجموا مؤتمر نيويورك الداعي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، (كما صرح السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي بأن إقامة دولة فلسطينية لم تعد هدفا حقيقيا للسياسة الخارجية الأمريكية، الجزيرة نت، 28/7/2025)، ولعل أمريكا غضت الطرف عن المؤتمر لأن قراراته الأخرى كانت هي نفسها مطالبها ومطالب يهود باستسلام حماس ونزع سلاح غزة وإقامة حكم ذاتي فيها، فنحن نرى أن ترامب يريد أن يطبق بنود خطة القرن على غزة والضفة، حتى إنه زاد عليها فكرة التهجير وتخفيف سكان القطاع إلى النصف وإرسالهم إلى ليبيا وأرض الصومال مقابل امتيازات اقتصادية ودبلوماسية.
ثانياً: موقف كيان يهود القاضي بفصل غزة عن الضفة وحتى لو مسخت ومنع الترابط بينهما، فنتنياهو موافق على خطة ترامب، وكل التصريحات تدل على أن ترامب أعطاه الإذن بإنهاء المهمة في غزة إذا لم توافق حماس على شروطه (صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء بأن مسألة احتلال قطاع غزة هي قرار يقع اتخاذه على عاتق إسرائيل وحدها. روسيا اليوم، 5/8/2025) وعليه نجد أن الكيان وضع فترة زمنية قبل مباشرة العدوان وهي مدة شهرين بحجة التجهيز والتحضير، وما هي كذلك بل من أجل أن يعطوا الوسطاء فرصة للضغط على حماس بالاستسلام والخروج من غزة، ونرى أن أمريكا تشد على يد يهود في الضفة الغربية، فهذا رئيس مجلس النواب الأمريكي يصرح بأن (يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ملك للشعب اليهودي. الجزيرة نت، 5/8/2025) والسفير الأمريكي يصرح بأن الضفة سيكون لها عند يهود وضع استثنائي وهو أخذ المستوطنات وإبقاء المناطق المأهولة بالسكان تحت الحصار والتضييق، أي كانتونات محلية ذاتية بإدارة فلسطينية لا أظنها ستكون منظمة التحرير بل هم عبارة عن رجال أمن عند يهود. فالقضية ليست غزة لوحدها عند أمريكا ويهود بل هي تصفية لما تبقى من فلسطين بمشروع مسخ عن أوسلو، ويشتمل محاولة تهجير الناس للتخفيف منهم عن طريق إجراءات مشددة أمنية واقتصادية، والخلاصة أن يهود يريدون السيطرة الأمنية والاقتصادية على الضفة الغربية، وأمريكا ترامب تتجاوب معهم في كثير من الأمور، وما يبدو عليها من تغير المواقف لا يكون إلا تحت ضغط الشارع الداخلي والدولي فتغير جلدها مؤقتا حتى تنضج القضية حسب ما تريد.
ثالثاً: الموقف الأوروبي، فها هي الدول الأوروبية تزعم الضغط على كيان يهود للانسحاب من غزة وتطالب بوقف الإبادة الجماعية وإطلاق سراح الرهائن، وتحدثت نيويورك تايمز عن خطة بريطانية تقدم حلا لقضية فلسطين، وهؤلاء أيضا مواقفهم هذه جاءت نتيجة الضغط الشعبي الذي بات يحنق على يهود بسبب المجازر التي يرتكبها في غزة، وإلا فهم، أي حكام أوروبا، عون ليهود بل شركاؤهم في العداوة للإسلام والمسلمين. وعموما في ظل وجود ترامب فإن جهودهم لا تتجاوز المنابر الدولية واللقاءات الدبلوماسية، فأمريكا هي بيضة القبان في حل قضية فلسطين والمقاول اليهودي يهيئ الظروف لها.
أيها المسلمون: إنه لمن العار أن يخطط الكفار لقتل أهل فلسطين وبالذات أهل غزة وأنتم ساكتون، وهم يصبون حمم الجحيم على أهلنا في غزة، والحكام متآمرون، وإن سكوتكم عن جرائمهم يجعلهم يزدادون صلفا وتجبرا وعدوانا، وإنكم والله لقادرون على أن تردوا لهم الصاع صاعين بل عشرة، وأن تنقذوا إخوانكم في فلسطين من بطشهم وتجبرهم، وذلك إن نصرتم الله فوقفتم موقفا يرضاه الله، وخلعتم عن أنفسكم قيود المهانة التي كبلكم بها حكامكم، فالله الله في أنفسكم وفي إخوانكم المستضعفين في غزة وفلسطين، ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
بقلم: الأستاذ سيف الدين عبده