منذ اندلاع حرب يهود على غزة، عادت سيناء إلى الواجهة باعتبارها نقطة تقاطع نيران، وصارت محلاً للأطماع والمخاوف في آن واحد. فالقاهرة تعلن أن تعزيز وجودها شرق القناة هو لحماية أمنها القومي ومنع الإرهاب والتهريب، بينما كيان يهود يرى أن ذلك تهديد للملحق الأمني من معاهدة كامب ديفيد. لكن التدقيق في الواقع يكشف أن كل هذه التحركات تدور في إطار احترام كامب ديفيد، وتحت سقفها، وبتنسيق مع الكيان الغاصب كما يعلن النظام المصري عبر مسؤوليه وإعلامه، بحيث يتحول الجيش المصري من قوة معدّة لقتال يهود وتحرير الأرض إلى قوة تحرس حدوده وتشاركه في حصار غزة.
حين وُقعت اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، قُسمت سيناء إلى مناطق أمنية تحدد نوعية القوات وحجمها في كل منطقة. وظلت مصر منذ ذلك الحين تؤكد مراراً أنها ملتزمة بالمعاهدة نصاً وروحاً، وأن أي تعزيز في سيناء يتم بتنسيق مع يهود وتحت إشراف القوة متعددة الجنسيات. فحتى حين تُدخل مصر دبابات أو منظومات دفاعية، تسارع إلى الإعلان أن الأمر منسّق وأنه لا يمسّ جوهر الاتفاق.
هذا الالتزام ليس مسألة شكلية، بل هو حقيقة سياسية ثابتة، تجعل مصر تبدو في نظر يهود "جاراً آمناً" يضمن لهم حدوداً ساكنة. بل إن تل أبيب تعلم جيداً أن ما يسمى "تعزيزات مصرية" تقع ضمن حدود مسموحة، وتبقى موجّهة عملياً ليس ضدها، بل ضد أهل سيناء وأهل غزة، وما يقلق يهود حقا هو احتمالات انفلات الأوضاع في مصر جراء الأزمات الاقتصادية المتلاحقة واحتمالات وصول المخلصين من أبناء الأمة فيكونون وبالا على الغرب ويهود ويعملون جديا على اقتلاعه، ولهذا فدعمهم للنظام ورأسه وبقائه بالنسبة لهم مسألة وجود.
تتذرع القاهرة بأن ما تقوم به شرقي القناة إنما هو دفاع عن حدودها من الإرهاب والتهريب. لكن أي مراقب يعلم أن الخطر الحقيقي الذي تتخذه السلطة ذريعة هو غزة لا غير. فالمعابر محاصرة، والأنفاق أُغلقت، والجدار العازل بُني، والمناطق العازلة أُنشئت على طول الحدود مع القطاع، كل ذلك بحجة منع التهريب بينما الحقيقة أنه خنق لأهل غزة وتجويع لهم.
لقد تحولت سيناء إلى ساحة حرب مفتوحة ضد سكانها أنفسهم، تهجيراً وقتلاً واعتقالات متكررة، والذريعة الدائمة هي "محاربة الإرهاب"! لكن الواقع أن هذه السياسة تصب في مصلحة كيان يهود، فهي تحمي حدوده الجنوبية وتضمن أمنه، تماما كما أعلن رأس النظام أنه لن يسمح بأن تكون سيناء نقطة انطلاق للهجمات على الكيان الغاصب ما يؤكد أن غاية النظام الحقيقية هي أمن الكيان وحمايته، في الوقت الذي كان يجب فيه أن تكون سيناء قاعدة انطلاق لجيوش الأمة لتحرير فلسطين كاملة.
يعلم الكيان الغاصب أن سيناء هي عمقه الاستراتيجي الأخطر، وأنها إن تحررت من قيود كامب ديفيد وصارت قاعدة للجيش المصري وصار الجيش في يد المخلصين، فلن يكون لوجوده في فلسطين أي أمان. لهذا فإنهم يراقبون كل تحرك في سيناء بدقة، ويضجون كلما تحركت دبابة أو نُشر صاروخ دفاعي. فهم يريدون بقاء سيناء فارغة من السلاح الثقيل، حتى يظل جيشهم متفوقاً ويظل الجيش المصري مكبلاً. لكن الحقيقة أن المشكلة ليست في أطماع يهود وحدهم، بل في نظام يلتزم بكل دقة بما يريده العدو، ويبرر ذلك تحت شعار "الأمن القومي المصري"! فالأمن عندهم يعني أمن يهود أولاً، حتى لو كان الثمن دماء غزة وسيناء معاً.
إن ما يجري في سيناء اليوم ليس سوى فصل من فصول تبعية النظام المصري للغرب واليهود. فالقاهرة ترفع شعار "الأمن القومي" بينما هي في الحقيقة تحرس حدود عدو الأمة، وتشارك في حصار أهلنا في غزة. والعدو يزداد جرأة في أطماعه، لأنه يرى أن الأنظمة تحميه بدلاً من أن تحاربه. والمعلوم بداهة والواجب شرعا أنه لا أمن لمصر إلا بأمن فلسطين، ولا استقرار لسيناء إلا إذا كانت قاعدةً للجهاد والتحرير، لا ثكنةً لحماية العدو.
إن كامب ديفيد قيد يجب أن يُكسر، والجيش المصري يجب أن يعود إلى وظيفته الشرعية: نصرة المسلمين وإعلاء كلمة الله، لا حماية كيان غاصب. ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾. هذه الآية وحدها كافية لبيان الحكم الشرعي، فكيف إذا كان المستنصرون هم أهل غزة تحت القصف والحصار؟
يا أجناد الكنانة: إنكم لستم مجرد أفرادٍ في تشكيلٍ عسكري، أنتم جزء من أمة محمد ﷺ، وأنتم طليعة يجب أن تتحرك، وسيف يجب أن يُستل، وسندٌ يجب أن ينهض لنصرة المستضعفين في غزة وفي كل فلسطين. إن إخوتكم هناك يُذبحون، ويُحاصرون، ويُبادون، وأنتم أقرب إليهم من أي جيش، وأقدر على كسر القيد، إن أردتم. فلا تخدعنّكم الأوامر التي تُقيّد يديكم، ولا تُفتنوا بعقيدة القتال المفرغة من روحها، فالعقيدة القتالية الحقيقية هي التي تنبع من القرآن، وهذه الجيوش في الإسلام لم تُوجد لحماية الأنظمة، ولا لحراسة اتفاقيات الذل، بل شُكّلت لتحمي الأمة، وتحمل رسالة الإسلام إلى العالم، وتدافع عن ديار المسلمين، وتُرهب عدوهم.
يا أجناد الكنانة: أما آن لكم أن تنتصروا لدينكم، لأهلكم، لإخوانكم الذين يُبادون على مرأى منكم؟ افتحوا أعينكم على الحقيقة... من يستعملكم لحراسة كيان غاصب يحتل أرض الإسلام؟ ومن يجعلكم تؤمنون حدوده؟ من يمنعكم من نصرة غزة؟ من يأمركم بالسكوت على المجازر؟ من يحرمكم من أداء فرض فرضه الله عليكم؟ إنه النظام الذي ينسّق مع العدو، ويصمت على القتل، بل ويشارك في حصار أهلكم في فلسطين.
أنتم قادرون على كسر هذه المعادلة، وقلب الطاولة، ونصرة إخوانكم. يكفي أن تتحركوا، أن تخرجوا لله، أن تجعلوا رضا الله هو الأمر الأعلى، لا رضا أمريكا ولا تحالف الصهاينة. يكفي أن تقولوا: لن نخون، لن نصمت، لن نبقى حرساً لمعابر الذل ومعاهدة العار وحدود الاستعمار.
ولتكن لكم في سعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وسيف الله المسلول قدوة، لا في قادة الانقلابات واتفاقيات كامب ديفيد. ولتجعلوا من سلاحكم أمانة في أعناقكم لا يُرفع إلا في وجه عدو الله وعدو الأمة.
إن غزة اليوم تناديكم، فهل من مجيب؟ إن القدس اليوم تستصرخكم، فهل من مغيث؟ إن الأمة تنتظر منكم موقفاً يسجله التاريخ بمداد الفخر، لا بالعار.
فيا جند الكنانة، آن أوانكم فإما أن تكونوا رجال التغيير، وصنّاع النصر، وحملة راية الإسلام وإما أن يسجلكم التاريخ في صفحات الخذلان.
اللهم بلّغنا، اللهم فاشهد.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر