مساء الاثنين الماضي وصبيحة الثلاثاء اندلعت اشتباكات شديدة جنوب طرابلس الغرب بين قوتين لمجموعتين كبيرتين هما مليشيا دعم الاستقرار ومليشيا اللواء 444، بعد الإعلان عن مقتل قائد مليشيا دعم الاستقرار عبد الغني الككلي في معسكر التكبالي التابع لمليشيا اللواء 444 في مشادة كلامية تطورت إلى استعمال السلاح بين الككلي من جهة ومحمود حمزة قائد اللواء 444 ومعه وزير داخلية حكومة طرابلس عماد الطرابلسي ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام الزوبي قائد اللواء 111، فقُتِل الككلي على الفور، وأدى هذا الاشتباك إلى انهيار مليشيا دعم الاستقرار في الليلة نفسها، ثم انتقلت في اليوم التالي الثلاثاء إلى اشتباكات بين اللواء 444 وقوة الردع التي يقودها عبد الرؤوف كاره "المدخلي" النهج والتفكير والتمويل، حتى يوم الخميس، فكان وقفاً لإطلاق النار، ما سمح بقيام الأفاعي من جحورها - وما أكثرها - ليل الجمعة السبت، لاستغلال الظرف والحدث وإنزال الغوغائيين وبعض الناس غير المدركين لما يحدث - كل مدفوع بشعوره - بمسيرات ليل الجمعة لا يجمعهم إلا المطالبة برحيل الحكومة، غير مدركين ما يمكن أن يحصل بعد ذلك بين هذه الضباع المتناهشة، وكلٌّ له داعمون خارج الحدود وفي السفارات.
وهؤلاء المتنفذون في هذه المزرعة "الدويلة" والذين هم على رأس هذه المليشيات ناهبو المال العام.
وبالنظر إلى هذه الضباع المتناهشة لا نجد بينهم رجلاً رشيداً.
تحركت مليشيات الزاوية وورشفانة دفاعاً عن وجودها ومصالحها بحجة الدفاع عن "الردع" الذي هو مليشيا مثيل لها، وإن كان ليس على نهجهم.
وقد يدل هذا على أن العمل هو من طرف بعض الدول وخصوصاً أمريكا، فهي تريد الخلاص من بعض المليشيات وحصر الأمر في رأس أو اثنين في المنطقة الغربية فقط ليسهل عليها التعامل معهم حتى يحين موعد تحريك العملية السياسية (عملية التقسيم) التي تعمل لها أمريكا، وهذا الأمر يبدو أن أمريكا تربطه بالوضع في السودان حتى تنضج ظروف التقسيم فيه.
ورغم خروج بعض المطالبين بإجراء انتخابات فإن هذا الهدف الآن غير قابل للتحقيق وأمريكا لا تريده وإن كان سيظل محل مماحكات ومزايدات الأجسام الموجودة كلها من مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي وهذه الحكومة في الغرب وجميع المنتفعين الآن في هذه التركيبة العجيبة، مع بقاء حالة الصراع الدموي أحياناً.
ونشرت بعض أجهزة الإعلام أن الحكومة المعترف بها دولياً بدأت فيها الاستقالات رغم تضارب هذه المعلومات لكنها على كل حال تعني أن الأمور لن ترجع كما كانت والأحداث تتسارع في كل لحظة.
ولوحظ أن أغلب الصفحات التي تدعو إلى الإضراب والمظاهرات هي صفحات من الشرق يسيطر على أغلبها أزلام حفتر. وقد تأكد أن هناك مندسين مسلحين بين جمهور المتظاهرين وبعضهم استعمل السلاح لزيادة الاحتقان فقُتل أحد رجال الأمن. وظهرت بإحدى المظاهرات هتافات باسم سيف القذافي، ما يدل بلا شك على أن أنصار النظام السابق هم بعض المنظمين للمظاهرات، وقد استقال وزيرهم القديم الجديد الدائم منذ أيام القذافي (وزير الاقتصاد محمد الحويج) لإعطاء العمل المبيّت دفعة إلى الأمام.
ولكن بعد هذا السرد السريع لما حصل في البلاد لا بد من الانتباه لما يجري خارج الحدود:
1- فقد أصدرت بعثة الأمم المتحدة "نداء لحماية حقوق التظاهر والاحتجاج السلمي".
2- تحرك محكمة الجنايات الدولية ومناقشة الاختفاء القسري لأعداد منها ما هو عضو في مجلس النواب مجلس طبرق مثل النائب إبراهيم الدرسي الذي اختفى لأكثر من 15 يوماً والنائب سهام سرقيوة التي اختفت منذ ما يزيد عن السنتين. وامرأة يطلق عليها عجوز برقة كانت تتكلم بصوت عالٍ ضد حفتر فقُتِلت في الشارع في وضح النهار.
3- المطالبة بتسليم الضابط أسامة نجيم الذي اعتقل في إيطاليا ثم أطلق سراحه رغم صدور مذكرة اعتقال في حقه من محكمة الجنايات الدولية بتهمة القيام بعمليات قتل وتعذيب في سجن معيتيقة التابع لمليشيا الردع، وهذا الضابط هو من بقايا النظام السابق من ضباط الأمن الداخلي أيام القذافي وهو الآن يخدم تحت غطاء "الردع".
في كثير من الأحيان تسير الأحداث في غير الاتجاه الذي يريده المباشرون للفعل. يبدو أنه لم يكن مخطط لمقتل عبد الغني الككلي رأس جهاز دعم الاستقرار، وقد كان مقتله نتيجة المشادة التي حصلت بينه وبين محمود حمزة وعماد الطرابلسي، وهذا ما سرع في عملية الاستيلاء على "أبو سليم" معقل الككلي، ففرّ بعض مساعديه ومسؤوليه إلى سوق الجمعة، الجهة التي يسيطر عليها جهاز الردع، وفتحوا النار على اللواء 444 ما صعد في الموقف، وفَهِم قادة المليشيات الآخرون في الزاوية وورشفانة وتاجوراء وغيرها أنهم أيضاً سوف تجري تصفيتهم فتحالفوا مع الردع وبقايا دعم الاستقرار.
يبدو أنه من الأسلم الانتظار بعض الوقت لمعرفة سير الأحداث، وليس من السهل الحكم على النتيجة في بلد به 25 مليون قطعة سلاح خفيف بأيدي الناس وعدد سكانه أقل من 8 مليون نسمة، غير السلاح الثقيل المنتشر والموجود عند المليشيات وهو يعدّ بعشرات الآلاف. وفي تقديري فإن الأحداث أسرع حتى من بعض الدول الكبرى التي تضع البلد ضمن دائرة الضوء.
وهنا لا بد من إثبات حقيقة مفادها (من استغنى عن شرع الله أحوجه الله إليه) فلم يكن بين هؤلاء من يضع نصب عينيه الالتزام بشرع الله والوقوف عند أمره.
رأيك في الموضوع