أوكل رئيس أمريكا ترامب ملف السودان إلى مسعد بولس، مستشاره الذي لعب دوراً كبيراً في جذب الأصوات العربية لفوز ترامب في حملته الانتخابية، وهو الذي دعا لمؤتمر واشنطن، الذي تم إلغاؤه.
فقد أعلن عن إلغاء اجتماع اللجنة الرباعية بشأن السودان، الذي كان من المقرر أن يستضيفه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، مع وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات، الأربعاء 30 تموز/يوليو، دون تحديد الأسباب أو موعد جديد للاجتماع، ما أثار التساؤلات حول أسباب الإلغاء، فأوجد إحباطا في أوساط الساسة والمتابعين.
كان الهدف من هذا المؤتمر، هو إطلاق حوار سياسي شامل بين طرفَي النزاع، ووقف التدخلات الخارجية، والتأكيد على وحدة السودان وسيادته، حسب بيان الخارجية الأمريكية. إلى جانب إصدار بيان مشترك يطالب بإنهاء الأعمال العدائية، وإطلاق مبادرات لتعزيز وصول المساعدات المسماة إنسانية.
إن المتابع للأحداث في السودان يجد أن أمريكا هي الممسكة بخيوط اللعبة كلها، فهي التي أشعلت الحرب بين عميليها البرهان وحميدتي بقصد إخراج نفوذ أوروبا وبخاصة بريطانيا، وأمريكا هي التي أوجدت منبر جدة لإنهاء النزاع، وحصر الحل بيدها هي دون سواها، وهي التي أوعزت بإطالة أمد الحرب، وهي التي أوجدت منبر سويسرا لذر الرماد في العيون، ثم صنعت ما يسمى بالرباعية التي أبعدت منها بريطانيا، ثم أجلتها مرتين، كل هذه الأمور تري أن أمريكا هي التي تدير الأوضاع في السودان، فتحرك الملفات متى أرادت، وتغلقها متى شاءت. فقد نقلت وكالة فرانس برس، أن اجتماع الرباعية تم تأجيله نتيجة لخلاف بين مصر (أداة أمريكا) والإمارات (أداة بريطانيا) حول فقرة اقترحتها الإمارات في البيان الختامي تدعو إلى إبعاد الجيش وقوات الدعم السريع، عن مستقبل العملية السياسية، وهذا ما لا يروق للولايات المتحدة أن تسمعه، من أجل هذا أشعلت أمريكا الحرب بين عميليها البرهان وحميدتي وقد شرعت عمليا في تركيز عميليها بتثبيت نفوذها كل في أماكن سيطرته. فوُجدت حكومتان في بلد واحد، في وقت واحد!
أولا: رئيسان للمجلس السيادي؛ البرهان وحميدتي.
ثانيا: نائبان لمجلسي السيادة؛ مالك عقار، نائبا للبرهان، والحلو نائبا لحميدتي
ثالثا: رئيسا وزراء؛ كامل إدريس مع حكومة البرهان، والتعايشي مع حكومة حميدتي
رابعا: يوجد ولاة الولايات في الحكومتين عينهم رئيسا مجلسي السيادة.
وكذلك الوزراء، منهم من تم تعيينه في الحكومتين، ومنهم من ينتظر...
أفلا يعني كل ذلك الشروع عمليا في تفتيت السودان؟!
عموما أمريكا تريد أن تضع أهل السودان أمام أمر واقع لا مفر منه، وهو الاعتراف بعميليها، ومن ثم يجلسان، عبر الرعاية الأمريكية، لتقسيم السودان؛ هذا الثور الذي ذبحه الرجلان بعد أن افتعلا حربا عبثية قذرة للاستفراد بحكم السودان لصالح النفوذ الأمريكي.
أما بالنسبة للحركات المسلحة الأخرى فقد تحصل على الفتات، أو بقية من عظام في تشكيل الحكومتين، كل حسب قوته وتأثيره.
إن المتتبع للوضع في السودان، يجد أن أمريكا تماطل في الحل حتى يتم إبعاد أدوات بريطانيا بالكامل (حركات دارفور المسلحة، ورجالها من المدنيين)، إن استطاعت، أو إخضاعهم تحت سيطرة عملائها، وقد أبدى مناوي رغبة في الدخول في تفاهمات مع قوات الدعم السريع، فقد قال رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي: "سنظل في تواصل مع المجتمع الدولي والقوى السياسية حتى الدعم السريع إذا وجدنا له رؤية معقولة" (الجزيرة، ٣٠/٧/٢٠٢٥م).
إن اجتماع الرباعية أجّل كما أجل غيره من المؤتمرات حتى تنفرد أمريكا بحكم البلاد أو يكون نفوذها هو الراجح.
إن أمريكا هي الدولة الأولى في العالم فلها ضلع كبير في كل المشاكل الموجودة في العالم، فهي التي تثير بؤر التوتر في المناطق الملتهبة، فهي تخلق الأزمات، وتثير المشاكل، وتوجد التوترات، ثم بعد ذلك تدير هذه الأزمات، وتبحث لها عن حلول، تفعل ذلك كله باعتباره جزءاً من استراتيجيتها للهيمنة على العالم.
إنه لمن المؤلم أن يتقاتل المسلمون من أجل مصالح الكفار المستعمرين. ومن العبث أن نظن أن الحل يأتي من هؤلاء الأعداء، فربط قضية البلاد الإسلامية بغير الإسلام، هو انتحار سياسي. فالحل يكمن بأيدينا بجعل الإسلام وحده أساسا لحل قضايانا. هذا ما لا يوجد في الدول الوطنية لأنها دول وظيفية تأتمر بأمر أسيادها. فجعل العقيدة الإسلامية أساساً للحياة، هو الذي يحرر المسلمين من تدخلات الكافرين، ولا يكون ذلك إلا في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع