تمت الزيارة بين 23 و27 تموز/يوليو 2025 وكانت هي الأولى لمسؤول أمريكي كبير في عهد ترامب. وقد التقى بولس في زيارته هذه بعبد الحميد الدبيبة رئيس وزراء حكومة غرب ليبيا المعترف بها دوليا. كما التقى محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي حيث أكد مسعد على "دعم أمريكا لمسار الأمم المتحدة في ليبيا".
وحثّ في كلمة له على إجراء انتخابات بناءً على اتفاق دستوري معترف به. كما التقى في مركز الرجمة بالمرج خليفة حفتر بحضور ابنه صدام ولم يلتق بمجلس النواب ولا مجلس الدولة.
ثم وُقِّعَت أثناء الزيارة اتفاقيات مع مؤسسة النفط لتطوير حقول النفط والتنقيب عن الغاز في البحر في المياه الإقليمية الليبية. وقد كان اللقاء مع مؤسسة النفط دون حضور عبد الحميد الدبيبة. كما نشر أنه اجتمع مع محافظ المصرف المركزي.
إن القارئ المتمعن لسير الزيارة في أغلبها يرى أنها ذات طابع اقتصادي بالدرجة الأولى ولم تُبحث القضايا السياسية إلا من أجل إنجاح المشاريع الاقتصادية وتثبيتها، فأمريكا يهمها بالدرجة الأولى الهيمنة على موارد البلاد وإخراج غيرها من الساحة اقتصادياً وخصوصاً الأوروبيين. حيث تركزت خلال الزيارة الاجتماعات المركزة مع مؤسسة النفط، وتوقيع اتفاقيات لتطوير حقول النفط ولحفر حقول جديدة والتنقيب عن الغاز والاستثمار في مجال الغاز.
وتجدر الإشارة هنا أن الزيارة ضمن جولة تشمل تونس والجزائر والمغرب، فهي تشير إلى إصرار أمريكا على تمكين نفوذها في شمال أفريقيا وخصوصاً ليبيا، ولا يخفى الصراع الدائر على السيطرة في تونس، والجزائر والمغرب بين أمريكا من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة أخرى.
وبالرجوع إلى سير الزيارة فقد تم توقيع عقدين بين مؤسسة النفط وشركتين أمريكيتين إحداهما شركة هيل المعروفة. كما وُقِّعت اتفاقية للاستثمار في القطاعات الأساسية مثل النفط والمشاريع الكبرى كجزء من إطار طويل الأمد للعلاقات الأمريكية الليبية بالادعاء أنها لتعزيز التعاون.
كما التقى في طرابلس بهانا تيتيه ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة للتفاهم على الدور الذي تقوم به بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، فهي بلا شك الجهاز المتابع لتنفيذ السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالأزمة الليبية والحيلولة دون الحل ولجم التفجير في حالة حصوله. فلا بد من الملاحظة عند النظر إلى الوضع الليبي خلال السنوات الأخيرة حرص أمريكا على الحيلولة دون الحل لهذا الوضع المتأزم، فهي كثيراً ما تضع العراقيل أمام الحل إما بواسطة عميلها حفتر أو عن طريق النظام المصري، أو بعثة الأمم المتحدة، فكلما اقتربت الحوارات الليبية الليبية من الوصول إلى الحل تدفع أمريكا بعميلها حفتر لتخريبه، أو تُدخل بعثة الأمم المتحدة عنصراً جديداً لتخريبه والإبقاء على دوامة الحوارات التي لا تنتج أي حل، وتشهد بذلك أعمال وخداع غسان سلامة أو عمليات الحوار التي كانت تجري على زمن ستيفاني ويليامز ومن جاء بعدها. فأمريكا هي من يمنع الحل عن الليبيين، فهي لا تريد تفجير الوضع وحصول حرب طاحنة، وفي الوقت نفسه تمنع الليبيين من الوصول إلى حل يوحّد البلاد ويجنبهم ويلات القتال الذي قد يصل بالبلاد إلى حالة الاستقرار والبناء، وإنما تعمل على بقاء البلاد هكذا على ما هي عليه الآن (لا معلّق ولا مطلّق) كما يقولون!
ولذلك تحاول أمريكا في هذا الوضع أن تركز نفوذها وتبني علاقات اقتصادية وسياسية تساعد شركاتها على السيطرة على مقدرات البلاد، وإيجاد عملاء لها في القوى السياسية والعسكرية يسيرون بالبلاد كما تريد هي. فهي تتبنى بشكل واضح اللواء 444 قيادةً وأركانا، بل حتى تسليحا وتدريبا، واللواء 111 أيضاً رغم أنهما في الأصل ليسا لها ولكن لوحظ مؤخراً توالي الزيارات لقيادة وأركان اللوائين إلى أمريكا والبحث معهما في الأوضاع القائمة، ثم حصل بعد هذه الزيارات شطب قوة دعم الاستقرار وقتل قائدها عبد الغني الككلي والذي يبدو أنه تضخم أكثر من المسموح به، ولولا استنفار بقية المليشيات في طرابلس والزاوية وغيرها والتي استشعرت بالخطر على نفسها فتحركت جميعها متناسية ما بينها من خلافات، لولا ذلك لما توقف القتال ولاستمر مسلسل التصفيات، فأمريكا بعد أن وجدت أن طريق العمل العسكري قد يؤدي إلى وضع لا يناسبها، رجعت إلى أسلوب العمل الاقتصادي ومحاولة ربط البلد اقتصاديا بها عن طريق دخول شركاتها إلى قطاع النفط والغاز والسيطرة عليه، وعدم السماح لخصومها وشركائها الأوروبيين بشيء، أما الروس فهي من أدخلتهم عن طريق عميلها حفتر لسهولة إخراجهم عندما تريد.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه منذ شهرين تقريبا خرجت عن طريق الصحافة معلومات مفادها أن أمريكا تريد إرسال بعض المجرمين الموجودين في سجون أمريكا إلى ليبيا بالتفاهم مع بعض المليشيات والقوى المحلية، غير أن الخبر نُفي بعد ظهور معارضة قوية له. كما أذيع أن أمريكا تريد فتح المعابر في غزة لإخراج أهلها ودفعهم للاستقرار في ليبيا خدمة ليهود، ولكن الأمر لقي معارضة شعبية جديدة ولم يتم، "ولذلك ترقبت بعض الأوساط السياسية في ليبيا" زيارة مسعد بولس التي يجريها إلى طرابلس وبنغازي بحذر شديد، هل يطرح بولس هذه الأمور في زيارته؟!! فلم تطرح أي من هذه الأمور.
خلاصة ما تم في زيارة مسعد بولس هو التركيز على بناء شراكة اقتصادية كما تزعم أمريكا وأذنابها في البلاد، وقد طرحت مشاريع بقيمة 70 مليار دولار في مجالات الطاقة والبنى التحتية والصحة والتكنولوجيا.
وقد جاء في الجزيرة نت أن "التركيز كان واضحاً على الملف الاقتصادي لإعادة الدور الأمريكي مع تجاهل مجلس النواب والدولة في اللقاءات..." وهذا يدل على أن الزيارة كانت اقتصادية بامتياز. ولم تُبحث فيها المشاريع السياسية، أو لم تكن لها الأولوية. وقد كانت زيارة عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا واللقاء الثلاثي (تركيا، إيطاليا، ليبيا)، وكلٌّ من إيطاليا وتركيا ليستا خصماً لأمريكا وإن كان هناك تسابق على المصالح فهو من المسموح به بينهم.
ولكني أتوجه إلى بعض الليبيين الذين يظنون أن في الاستجابة لأمريكا مصلحةً لليبيا كمن يظن أن في السراب ماءً يروي به عطشه! قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَاب﴾. فلا ملجأ لكم من العدو إلا إلى الله.
رأيك في الموضوع