بحضور حشد كبير من رجال الأعمال آتين من السعودية إلى دمشق بتوجيه من ابن سلمان ولي العهد السعودي عقد منتدى الاستثمار السعودي السوري، بتاريخ ٢٤/٧/٢٠٢٥ وتوقيع ٤٧ اتفاقية بقيمة 4-6 مليار دولار، وصرح عدد من المسؤولين السعوديين بأن هذه الخطوة ستكون نقطة انطلاقة لتدفق الاستثمارات إلى البلاد بهدف النهوض باقتصادها والقيام بتحالفات استثمارية دولية لجذب الاستثمار إلى سوريا.
وهذا المنتدى عقد في دمشق، وعلى مقربة منه أحداث السويداء الدموية على أوجها والمسلمون يهجرون منها ويذبحون ورجال الأمن والجيش يُقَتَّلون ويمثل بجثثهم، وكأن الدولة تقول إن المستثمرين والأموال أولى من دماء المسلمين، مع العلم أن المنتدى عقد بدعم من مملكة آل سعود التي خذلت غزة وهي تدمَّر من كيان يهود بل مررت ليهود المؤن والعدة والعتاد من موانئ الإمارات والقواعد الأمريكية ولم تبالِ بدماء المسلمين. والغاية من هذا الاهتمام السعودي هو احتواء القرار السياسي والاقتصادي لحكومة دمشق ليسهّل الإملاءات التي تخدم مصالح أمريكا.
وقد أعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أن القطاع الخاص السعودي هو الشريك الأول لسوريا في هذه المرحلة وبتوجيه من ولي العهد يشترك في المنتدى ٢٠ جهة حكومية إلى جانب أكثر من ١٠٠ شركة رائدة في القطاع الخاص وأكد أن هذه الشركات بصدد الدخول إلى السوق السورية في مجالات حيوية تشمل الطاقة والصناعة والبنية التحتية والعقارات والخدمات المالية والصحة والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات والمقاولات والتعليم وغيرها، وسيتم إنشاء معامل إسمنت جديدة. وقال الفالح إن الخطوات الجريئة والإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية لتحسين مناخ الاستثمار وفي مقدمتها تعديل قانون الاستثمار بتاريخ ٢٤ حزيران عام ٢٠٢٥ والذي منح المستثمرين مزيداً من الضمانات والحوافز وتسهيل إجراءات الاستثمار ما يهيئ بيئة أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي.
لم تتبنَّ الإدارة السورية للمرحلة الانتقالية أي مشروع سياسي ترعى فيه شؤون الناس منبثق عن العقيدة الإسلامية، وهي في الأصل لا تملك أي مشروع سياسي لقيادة الدولة والمجتمع، ولكن منذ البداية بعد إسقاط بشار المجرم في ٨/١٢/٢٠٢٤ صرحت بأنها ستتبنى النظام الاقتصادي الحر الرأسمالي وسوف تسمح للاستثمارات الأجنبية والمحلية في كافة المجالات، سواء في الملكيات العامة أو المرافق العامة (الموانئ والمطارات والكهرباء وغيرها..). متغافلة عن خطورة الاستثمارات الأجنبية وأخطارها وخاصة عندما لا تكون رجل دولة ولا تملك رؤية للمستقبل وليس لديك مشروع متكامل لقيادة الدولة فإنك ستكون أداة لتنفيذ مشاريع الآخرين.
ومن المعلوم بالسياسة بالضرورة أن النظام العالمي القائم الآن هو نظام رأسمالي جشع تقوده مؤسسات رأسمالية ربوية همها نهب دول العالم.
وبالعودة إلى المنتدى الاقتصادي للمستثمرين، فهل تظن حكومة دمشق أن هؤلاء جاؤوا لبناء الاقتصاد السوري المنهار؟! بل لقد جاؤوا لنهب خيرات البلاد، فهؤلاء ليسوا جمعيات خيرية بل هم رأسماليون همهم تحصيل أكثر ما يمكن من الأرباح ولو على حساب الشعب السوري.
ونذكّر إدارة دمشق أن بناء الاقتصاد يكون بأيدي أهل البلاد وبرعاية الدولة وتحت إشرافها وليس بأيدٍ خارجية تحمل أجندات شتى. فعلى الدولة تحديد ما يمكن أن يستثمر فيه الأفراد والذي لا يتجاوز إلى الملكيات العامة التي تُستثمر برعاية الدولة ومباشرتها لها وتكون محافظة عليها للصالح العام.
ومن مصائب الاستثمار الخارجي فقدان الدولة لسيادتها على جزء من أراضيها الخاضعة للاستثمار وسهولة دخول العملاء والجواسيس إلى البلاد بحجة الاستثمار، وحدوث اختراقات لواقع الحياة الثقافية والاجتماعية في البلد. هذا عدا عن عملية النهب والسلب لخيرات البلاد إلى الخارج ودخول البلاد ضمن المؤسسات الرأسمالية في العلاقات والمعاملات والعقود الاقتصادية التي يغلب عليها طابع الربا والاحتكار.
ومن أبرز المخاطر التي تأتي من الاستثمار الخارجي عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الناتج عن المستثمرين وإملاءاتهم وضغوطهم على الدولة وابتزازها وكثرة التغييرات في القوانين والتشريعات التي تكون في صالح المستثمرين وتخدم مشاريعهم، وعدم استقرار العملة بسبب التحويلات المالية الصادرة من البلد والخارجة التي تؤثر على السيولة النقدية في البلاد والوقوع في حالة التضخم. ومن مخاطر المستثمرين إدخال ثقافة المستثمرين في البلاد وحياتهم الاجتماعية المخالفة لأهل البلاد وظهور الفساد والرشوة والمحسوبيات والتلاعب في الأسواق والاحتكار.
أما النظرة الإسلامية في الاقتصاد، فإن مهمة الدولة تأمين الحاجات الأساسية للأفراد داخل الدولة أولاً مع السعي لتأمين الكماليات وبيان كيفية التملك والتصرف في الملك وبيان ما هي الملكيات العامة والمرافق العامة التي تكون ملكاً لعامة الناس برعاية الدولة كالثروة الباطنية والمرافق العامة كالموانئ والمطارات والطرق والكهرباء والمياه والشواطئ والأنهار والتعليم والصحة والأمن وما شابهها، وكذلك تبين للأفراد ما يحق لهم تملكه. فعلى الدولة أن تقوم بمراجعة للناحية الاقتصادية بما يرضي الله بالحفاظ على الأموال والأنفس، وأن تكون حريصة على أموال المسلمين من الهدر والسلب والنهب والخروج خارج البلاد بإيجاد المشاريع التي تبني الاقتصاد الحقيقي والقوي، وهذه هي المعالجات التي ترضي ربنا وتحقق استقرارنا وتضمن سيادتنا واستقلال قرارنا.
بقلم: الأستاذ مصطفى عتيق
رأيك في الموضوع