بقلم: الأستاذ عبد الرحمن شاكر – ولاية مصر
أظهرت الحوادث الأخيرة على الطريق الإقليمي وانهيار الكباري أن النظام في مصر ما زال يواصل سياسة وَهْم الإنجاز، مستنداً إلى المقاييس المادية المستوردة من الحضارة الغربية، متجاهلاً أن معيار الحكم على الأعمال هو مدى توافقها مع أحكام الشرع وقيامها برعاية شؤون الناس رعاية حقيقية.
لقد أنفق النظام مليارات الدولارات على هذه الطرق دون أن يسأل أحد عن جودة إنشائها أو نفعها. فها هي لم تحل مشكلات الازدحام والحوادث وارتفاع تكاليف المواصلات، بل أصبحت مثالاً صارخاً على الفساد وسوء الإدارة.
والسؤال الذي لا يريد النظام وإعلامه طرحه هو: ألم يكن يُروج لهذه المشاريع على أنها المنقذ لمصر من أزمتها الاقتصادية؟ ألم يُقدَّم الطريق الإقليمي وغيره على أنه المشروع الأكبر في تاريخ مصر؟ فأين الاقتصاد المصري الآن؟
- رجال المال والأعمال يهربون، مثل نجيب ساويرس وغيره، بسبب سوء الأوضاع التي نتجت عن تغوّل السلطة وإهمال جميع القطاعات، فكيف سيأتي المستثمر الأجنبي إلى بلد فرّ منه أهله؟! اللهم إلا إذا أعطته السلطة ضمانات تؤمّن نهبه لجهود أهل مصر ومدخراتهم.
- المصانع والمنشآت تغلق أبوابها، وتنتهي معها آلاف الوظائف، حتى أغلقوا مصنع سكر أبو قرقاص الذي خدم الناس أكثر من 155 عاماً، لتتحول البلاد إلى سوق استهلاك لا إنتاج فيه.
- السياحة، ورغم عدم الحاجة لها فعليا أمام ثروات مصر ومواردها الهائلة، ما زالت في حالة شلل بسبب انقطاع الكهرباء، وتردي النظافة، وسوء خدمات المطارات.
وحين أصبح واضحاً أن هذه المشاريع لم تحقق أية نتائج اقتصادية، لجأ النظام إلى حجة جديدة وهي أن الطرق بنيت لأغراض عسكرية، متذرعاً بما يجري في البلاد الإسلامية المجاورة! لكن حتى هذا الزعم ينهار أمام الحقائق والتي منها:
- أن معظم هذه الطرق تصل بين المدن الكبرى، بينما المناطق الأشد حاجة للدعم العسكري، مثل سيناء، لا تزال تعتمد على الطرق القديمة التي أنهكها الإهمال.
- أن أغلب أسلحتنا تأتي من الولايات المتحدة، وهي التي لم ولن تمنحنا رصاصة واحدة لنقاتل بها كيان يهود، بل هي تقدم معونة عسكرية لضمان حماية ذلك الكيان الغاصب للأرض المباركة فلسطين.
- أن معظم مواردنا الاستراتيجية، وفي مقدمتها الغاز الطبيعي، نستوردها من كيان يهود، وقد توسع هذا الاعتماد في ظل النظام الحالي. هذا النظام لو كان يدرك واقع الصراع، لما وضع عنقه تحت أقدام أعداء مصر والأمة الإسلامية.
- أن التاريخ يثبت أن الحروب لا تُحسم برصف طرق تلتهم موازنات الدولة، بل تحسم باقتصاد قوي وجيش عقيدته الإسلام وسلاحه حرّ الإرادة، وليس تابعا لقوى الغرب الاستعمارية.
إن هذه الأسباب كلها، إلى جانب التودد المستمر لكيان يهود المجرم، وفتح المطارات لعلوجه، وإدخالهم في كل مناسبات النظام، تكشف لكل ذي بصيرة أن هذا النظام لا يُعدّ العدة لقتال كيان يهود، بل لإدامة بقائه هو على كرسي الحكم بدعم خارجي.
واليوم، وقد ثبت لأهل مصر أن هذه الطرق لا جدوى منها اقتصادياً ولا عسكرياً، وظهر في القضاء أنها لا تصلح حتى للمواصلات العامة، بات واجباً عليهم إدراك أن النظام المصري العلماني العميل لا يحسن إلا تبرير فشله وعجزه وتلوين الحجج للتغطية على تبعيته لأمريكا الصليبية وتفريطه بمصر وأهلها وثرواتها.
وهذا طبيعي، لأننا استوردنا هذه المنظومة من الغرب بديلاً عن نظام الإسلام العظيم، الذي يوجب رعاية شؤون الناس بالإحسان والعدل، وتوحيد بلاد المسلمين، وتحريك الجيوش لتحرير فلسطين وسائر بلاد الإسلام المحتلة. قال جل وعلا: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وقال ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
إن الإسلام واضح في تشريعاته، لكنه معطّل لا يُطبق في واقعنا. وهنا يبرز دور حزب التحرير، الرائد الذي لا يكذب أهله، والذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لتصبح السيادة للشرع والسلطان للأمة، وليتحرر المسلمون من تبعية الغرب الكافر المستعمر وأدواته الأنظمة التي تحكم بغير ما أنزل الله.
وحق للأمة الإسلامية أن تدعم هذا المشروع العظيم، وأن تتعاون مع من يعمل بجدٍ وإخلاص لإقامة دولة الإسلام التي ترعى شؤونهم بما يرضي الله سبحانه، وتحقق العدل وتنهي التبعية المهينة للغرب الكافر.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
رأيك في الموضوع