أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن السودان يواجه أزمة صحية حادة، حيث يفتقر 65% من السكان إلى الرعاية الصحية الكافية، في حين يشكل الأطفال 55% من المحتاجين للمساعدة ويظلون الأكثر عرضة لتفشي الأمراض. وأكد المكتب أن ما بين 70 إلى 80% من المرافق الصحية في مناطق النزاع أصبحت خارج الخدمة. وحذر المكتب من أن ملايين السودانيين يعانون، مشدداً على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لتفادي كارثة إنسانية أكبر. (الشرق - السودان، 23/6/2025م).
قطعاً إن استمرار الحرب قد أوقع القطاع الصحي في أزمة كبيرة، مع نقص الأدوية والعاملين، والاستهداف للمؤسسات الصحية، وتضررها بالاشتباكات، فمنذ منتصف نيسان/أبريل 2023م، تتصاعد أعداد القتلى والمصابين والمرضى، دون وجود أدنى مقومات الرعاية الطبية، وتدهور الأوضاع، وتدمير مستشفيات، ومراكز طبية، والتي تعطل فيها تقديم الخدمات لأكثر من عامين، فالموت والأمراض والجوع، تلاحق أهل السودان، وتجتمع عليهم أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، بينما الحكومة تستجدي المنظمات، ولا تفعل أكثر من نقل الأخبار، تستجدي بها الممولين، في الوقت الذي يواجه فيه عشرات الآلاف من الضحايا، وملايين النازحين الجوع والمرض، فيما تتجه الحرب كل يوم نحو الأسوأ.
وبالرغم من انسحاب قوات الدعم السريع من مناطق عدة، ما زال تقديم الرعاية الصحية يعاني الكثير من الصعوبات، فأكثر من ثلثي المستشفيات الرئيسية في المناطق المتضررة أصبحت خارج الخدمة تماما، والمستشفيات التي لا تزال تعمل، معرضة لخطر الإغلاق بسبب نقص الكوادر الطبية والإمدادات والمياه النظيفة والكهرباء، مع تفشي الأمراض الخطرة والشديدة العدوى. كما تعطل نظام مراقبة الأمراض، ما يشكل تحديا خطيرا للكشف عن تفشي الأمراض المعدية وتأكيدها. أما سوء التغذية والجوع فقد حذرت جهات دولية من انتشار المجاعة بشكل أكبر في عام ٢٠٢٥م، في مناطق عديدة في السودان ما يُهدد حياة ملايين الأشخاص، معظمهم من الأطفال ويُفاقم من أوضاعهم، ما يُعَدّ بالفعل إحدى أشدّ الأزمات الغذائية في العالم.
حيث تصف أميلي شباط، التي تشرف على البرامج الصحية للجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان: "إن الوضع في العيادات الصحية لا يمكن وصفه بالكلمات. فالمصابون يفتقرون إلى الأدوية والغذاء والمياه، وكبار السن والنساء والأطفال محرومون من العلاجات الأساسية مثل غسيل الكلى أو أدوية مرض السكري، والوضع يتدهور".
وتفاقمت الأمراض المعدية والأمراض غير المعدية والإصابات الجسدية والصدمات، ما أدى إلى زيادة الأزمة الصحية. وقد أدى ارتفاع عدد النازحين داخليا، وانهيار الصرف الصحي البيئي، إلى تفاقم عبء الأمراض المعدية بشكل كبير. ويتجلى هذا الوضع المتدهور في تفشي الكوليرا والحصبة وحمى الضنك وحمى شيكونغونيا، وحتى ارتفاع حالات داء الكلب في المناطق التي مزقتها الحرب.
أما أصحاب الأمراض المزمنة، فهم الأكثر تضرراً، فعدم الوصول إلى الخدمات الطبية للفحص والمتابعة، والتحديات في الحصول على أدوية الأمراض المزمنة، وانقطاع العلاج، والصعوبات في تخزين الأدوية مثل الأنسولين بشكل مناسب بسبب انقطاع التيار الكهربائي لأيام بل لأسابيع، أدى إلى موجة نزوح ولجوء قسري بحثا عن التطبيب.
أما التمويل الصحي في السودان فإنه يعاني من نقص حاد، بحسب تصريحات رسمية، حيث تقل تعهدات المانحين عما هو مطلوب، حيث يتم تمويل 5% فقط من نداء الأمم المتحدة للمساعدات للسودان، ما يترك فجوة مذهلة تبلغ 2.56 مليار دولار.
هذه هي حقيقة الأزمة الصحية في السودان، التي سببها الوحيد ليس الحرب، وإن هي فاقمتها، لكن السبب هو اتباع النظام الرأسمالي الذي لا يرعى الشؤون ولا يهمه من يمرض أو يموت، بل هو نظام جباية يتكسب من المرض والموت ومن الخراب والدمار. إنها أزمة تقف شاهدة على افتقار الناس لنظام رعاية حقيقي يرعى شؤون الناس، وينقذ حياتهم! فالصحة والتطبيب من الواجبات التي على الدولة توفيرها للجماعة، باعتبارها من حاجاتها الأساسية، فالعيادات والمستشفيات هي مرافق يرتفق بها في الاستشفاء والتداوي، فصار الطب من حيث هو من المصالح والمرافق العامة التي يجب على الدولة أن تقوم بها، لأنها مما يجب عليها رعايته عملاً بقول الرسول ﷺ: «والإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وهذا نص عام على مسؤولية الدولة عن الصحة والتطبيب لدخولهما في الرعاية الواجبة على الدولة.
أما موضوع التمويل، فهو محسوم، وموارده تفيض عن الحاجة، فلتوفير الرعاية الصحية فإنّ الخلافة ستعيد هيكلة جني الإيرادات، وفقا لقواعد الشريعة الإسلامية، حيث توفر المال اللازم للرعاية من واردات أملاك الدولة، وأموال الملكيات العامة، مثل الطاقة، ومن تصنيع الآلات، ومن المنشآت الحكومية مثل المنشآت الكبيرة، ومن الخراج. وبالمقابل ستوقف جني الضرائب، مثل ضريبة المبيعات والدخل، التي تخنق النشاط الاقتصادي، كما سترفض أخذ قروض ربوية من المستعمرين ومن غيرهم، لذلك، فإنّ الخلافة واجب عليها أن تسيطر على القطاع الصحي، وأن توفر الخدمات الصحية بالمجان، كما تسمح بوجود مرافق صحية خاصة لتوفير الرعاية الصحية من أجل الربح. وبالتالي فإنّ الخلافة ستوجد التوازن الصحي الذي يوفر الرعاية التامة لكل الرعايا.
وبذلك توفر الخلافة جميع الخدمات الصحية مجاناً للجميع، ولكنها لا تمنع استئجار الأطباء ولا بيع الأدوية.
هذا غيض من فيض نظام التطبيب في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحتاجه البشرية جمعاء وليس المسلمين وحدهم.
رأيك في الموضوع