بقلم: الأستاذ شادي العبود
عندما منَّ الله على أهل الشام بإسقاط الطاغية المجرم صباح يوم ٨/١٢/٢٠٢٤م، على الرغم من الكيد العظيم والمكر الكبير الذي حاكه العالم بأكمله بقيادة أمريكا لإجهاض الثورة ومنعها من تحقيق هدفها، ولكن إرادة أهل الشام وعزيمتهم وإيمانهم، وبإمكانياتهم البسيطة المتواضعة هي التي انتصرت في النهاية رغماً عن العالم أجمع..
بعد هذا النصر العظيم لم تنته المعركة، بل تحولت من المسار العسكري إلى الساحة السياسية، فأهل الشام خرجوا منتصرين في معركتهم ضد النظام المجرم، وهذه يعتبرها الغرب الكافر مشكلة عظيمة، ولذلك نراهم يسعون لاحتواء أهل الشام، وسرقة هذا النصر من بين أيديهم وحرمانهم من قطف ثمرته المتمثلة في تحكيم شرع ربهم، يستغلون في ذلك ضعف الإدارة الجديدة في قيادة سوريا لتثبيت النظام العلماني، فيضغطون عليها لتعود سوريا من جديد تحت وطأة النظام الدولي ومؤسساته المجرمة.
والمتتبع لسياسة الغرب في سوريا يرى بكل وضوح سعياً حثيثاً لربط مستقبلها به وإحكام السيطرة عليها، وما تصريح المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك منذ أيام إلا من هذا القبيل عندما قال: "نحن ملتزمون بتمكين حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع من إثبات جدارتها"، وقال: "يجب أن نسمح لسوريا بالنهوض عبر رفع العقوبات". وفي السياق نفسه أكد رئيس تركيا أردوغان الأربعاء 25 حزيران الماضي، أن بلاده ستواصل دعم استقرار سوريا بالحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها السياسية.
فإذن محاولات الدول واضحة في مساعدة الإدارة الجديدة للوقوف على رجليها، لكن كما يريده الغرب المجرم لا كما يريده الله ويرضى عنه ويريده أهل الشام.
والمدقق في سياسة الإدارة الجديدة يرى ضعفاً واضحاً في معالجة أهم الملفات التي تواجهها، فلا حسم ولا حزم وإنما ليونة مفرطة وتساهل مذل، وهذا بدوره سيجلب الويلات وتكون له عواقب خطيرة تمهد لما لا تحمد عقباه، وبالتالي وضع عراقيل وعوائق في وجه أهل الشام، وستكون فرصة أمام الدول المتربصة للتدخل في سوريا عبر بعض الأدوات وفي مقدمتهم كيان يهود الغاصب.
كما أن استعداد الإدارة للانسلاخ من أي مسمى إسلامي والاختباء وراء فكرة الوطنية والمشروع العلماني هو غاية الضعف والانهزام، ظناً منها أنها تنال رضا الغرب فيمكّن لها كرسيها، فالله سبحانه وتعالى عالج هذه الناحية معالجة واضحة وأغلق الباب أمام من يريد أن يبدع ويجرب فيه في غير موضعه، حيث قال: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. كما أن الواقع أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الدول لا تتعامل سوى بالمصالح، وعندما تنتهي صلاحية ما بأيديهم من أوراق يلقون بهم على قارعة الطريق، بعد سخط من الله ورسوله والأمة، وبشار المجرم ومن سبقه من الحكام الخونة خير دليل.
إن الابتعاد عن المسمى الإسلامي والاحتماء بفكرة الوطنية العفنة شجع كل متربص على تزوير تاريخ ثورة الشام الناصع، فقد خرجت تصريحات من المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة منذ أيام قليلة، فاجأت أهل الشام من حيث كمية التجرؤ على تزوير الحقائق في محاولة لمحو إسلامية الثورة، وهو تاريخ أكبر وأعظم من أن يزوره مخادع.
فأربعة عشر عاماً وأهل الشام يقدمون فلذات أكبادهم ويضحون بأغلى ما يملكون لإسقاط النظام المجرم، وإقامة نظام عادل يستند إلى عقيدتهم التي يقاتلون بها النظام المجرم ومليشياته الطائفية والعنصرية، ولم يخرج أحد البتة ليقدم دمه وماله ونفسه لإعادة إنتاج النظام المجرم بوجوه جديدة أو مشاركته في حكومة علمانية تغضب وجه الله وتثير سخطه، تضحيات ثمنها باهظ من أبناء الثورة قُدِّمت في سبيل الله ولمرضاته وحده، التف حولها أهل الشام يطالبون بتحقيقها، فساروا في ثورتهم رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً، خرجوا من المساجد تصدح حناجرهم بمطالب وهتافات واضحة تعبر عن نفَس هذه الثورة الإسلامية (هي لله هي لله ولتحكيم شرع الله)، و(لن نركع إلا لله)، و(قائدنا للأبد سيدنا محمد)، مبتغين رضا الله وحده دون سواه، فكانوا يقبلون على التضحية والشهادة وتقديم الغالي والنفيس، لأنهم موقنون بأنهم على موعد مع إحدى الحسنيين، خصوصاً عندما خذلتهم كل دول العالم وتآمرت عليهم، فانطلقت الثورة سافرة متحدية تبتغي مرضاة الله والبذل في سبيل إعلاء كلمته.
مضى على سقوط الطاغية أكثر من ستة أشهر، وأهل الشام ما زالوا ينتظرون من الإدارة الجديدة تنفيذ مطالبهم وأهدافهم التي ضحوا من أجلها في تحكيم الإسلام، وقطع يد الدول من العبث ببلدهم، ومحاسبة المجرمين من أزلام بشار الهارب وكل من تلطخت أيديهم بالدماء، وإقامة العدل، والتنعم بخيرات البلاد التي سرقتها عصابات النظام المجرم ومرتزقته. وهنا بدأت التساؤلات تراود أذهان كثير من الناس وهي ترى مشاهد وتصرفات من الإدارة الجديدة تتعجب منها وتتفاجأ، حيث صارت تسمع جملة تتردد على ألسن الناس باستغراب كبير، "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وذلك لفلول النظام الهارب وشبيحته المجرمين، فيتساءلون كيف يتم العفو والصفح عن شبيحة آذوا أهل الثورة أشد الإيذاء، بل ويتم تكريمهم وإشراكهم في الدولة الجديدة بتقليدهم مناصب عليا وحساسة، كتطويعهم مثلاً في دائرة الأمن العام وتقليد البعض منهم أمثال المجرم فادي صقر مسؤولاً في السلم الأهلي حتى صرنا نراه يتوسط للشبيحة المسجونين ويخرج دفعات منهم بين الفينة والأخرى، وكذلك تعيين المجرم أحمد العمر المقرب من أسماء الأسد، مستشاراً في لجنة انتخابات مجلس الشعب؟! وقد زاد الأمر وضوحاً ما حصل في مؤتمر السلم الأهلي الذي عقد يوم الثلاثاء في العاشر من حزيران/يونيو 2025، وترأسه حسن صوفان الذي يمثل عضو لجنة السلم الأهلي، بمشاركة نور الدين البابا المتحدث باسم وزارة الداخلية في الإدارة الجديدة، فكان عبارةً عن إبر تخدير منتهية الصلاحية، فما تم الحديث عنه هو ذرائع ومبررات لإطلاق سراح المجرمين والضباط للحفاظ على السلم الأهلي ريثما يتسنّى لحكومة دمشق أن تطبّق العدالة الانتقالية، معتقدين بذلك أن يخففوا غضب أهل الدماء والتضحيات الذين لاقوا ما لاقوه من إجرام النظام على مدى سنوات عديدة.
إن أهل الشام المؤمنين اليوم في اختبار وابتلاء عظيم من الله سبحانه وتعالى بعد أن أنزل النصر عليهم وأكرمهم به، فإما أن يتابعوا مسيرتهم ويشكروا الله على ما تفضّل عليهم بتحكيم شرعه في الأرض وإقامة العدل بين الناس والانتقام من المجرمين أراذل النظام الهارب وفلوله الأقزام فيطبّق فيهم قوله سبحانه: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، وإما - والعياذ بالله - أن يتنكروا لفضل الله ونصره، أو يصمتون على ما يرونه من منكر عظيم في تزوير حقائق الثورة وخطف ثمرة النصر من بين أيديهم فيتحقق فيهم قوله سبحانه: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.
ونقول لأهلنا في الشام أنْ كونوا كما عهدتكم أمتكم وعهدكم المسلمون في كل مكان، وغذوا سيركم متوكلين على الله سبحانه، وأعلنوها مدوية تصعق آذان المنافقين وأكابر المجرمين: نعم لإقامة الخلافة الراشدة وتحكيم شرع الله وحده. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
رأيك في الموضوع