جددت الحكومة السودانية ترحيبها بالدعم الإنساني، ولكنها أكدت في الوقت نفسه عدم تهاونها مع أي تجاوزات تمس الأمن المجتمعي أو تُستغل سياسياً تحت غطاء العمل الإنساني، وحثَّ نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار خلال لقائه وفد منظمة بروميديشن الفرنسية، برئاسة إريك بلانشو المدير العام للمنظمة بحضور دكتور فنسنت داراك المدير الإقليمي، على ضرورة أن تهتم المنظمة بقضية المصالحات المجتمعية لتكون في صدر أجندة عملها في السودان. (وطن الإعلامية، 16/6/2025م)
قديما قيل، احذروا من لا يُرجى خيره، ولا يؤمن شره، فالمؤمن كيس فطن، يجمع بين حسن الظن والحذر مما يضره، وكما قال سيدنا عمر رضي الله عنه: "لست بالخب والخب لا يخدعني". فقد جربت هذه المنظمات في السابق ولم تقدم يوما مساعدة إنسانية كما يدعون، بل هي منظمات تخدم الأجندة السياسية، وتعمل تحت غطاء الإنسانية، فكم كشفت وفضحت أعمالها التي دعمت متمردي جنوب السودان بالسلاح، في عهد البشير سابقا.
منظمة بروميديشن الفرنسية هي منظمة تدّعي العمل في مجال الوساطة وحل النزاعات، خصوصاً في الدول الأفريقية التي تعاني من صراعات داخلية مثل السودان وليبيا ومالي، وغيرها.
من أهم نشاطاتها في السودان تيسير لقاءات مع حركات مسلحة، حيث نظّمت لقاءات بين وفد حكومي سوداني، وتحالفات حركات مسلحة موجودة في ليبيا، وفي النيجر، بهدف دمجها في عملية السلام، كذلك قامت بتنظيم ورش عمل مريبة؛ ففي كانون الثاني/يناير 2024 نظّمت ورشة بالقاهرة حول الوضع الإنساني في دارفور، فجمعت الأحزاب السياسية المتصارعة على موائد هذه المنظمة الطامعة أن يكون لها دور في السودان لصالح أوروبا وبريطانيا. كذلك نظمت بروميديشن ورشة في سويسرا للحوار السوداني، لكن بعض القوى رفضت المشاركة معتبرة أن الدعوة غير منسّقة ومشبوهة ما يكشف استقطاب هذه المنظمات لبعض القوى السياسية المرتزقة، على حساب بعضها بعضا، المرتبطة بالحكومة السودانية وأمريكا، أو التابعة للمعارضة المدنية أي بريطانيا؛ قطبي الاستعمار المتصارعين على السودان.
وهناك اتهامات مباشرة من أنصار الحكومة لهذه المنظمة بالتدخل في الشؤون السودانية ومحاولة التأثير في المسار السياسي من خلف الكواليس بعيداً عن المؤسسات الرسمية السودانية، وهناك شكوك بأن بروميديشن قد تكون واجهة غير مباشرة للنفوذ الأوروبي، خاصة البريطاني في السودان والمنطقة.
في سياق آخر أثارت أنشطة منظمة بروميديشن الفرنسية جدلاً واسعاً في الأوساط السودانية، وسط اتهامات متزايدة باضطلاعها بدور سلبي، خلال الحرب التي تدور رحاها في السودان، ويرى مراقبون أن المنظمة تمثل ذراعاً أوروبياً للتدخل في أفريقيا، ورغم أنها تعمل تحت لافتة العمل الإنساني، ولكنها تقوم بأعمال مشبوهة وممارسات تتنافى مع مبادئ الحياد والاستقلال، التي يفترض أن تلتزم بها المنظمات الدولية العاملة في مناطق النزاعات، كما نص (القانون الدولي). هذه المنظمة التي تتذرع بالعمل الإنساني كغطاء لأجندات سياسية أو استخباراتية ظهرت في أعمالها، فقد نظمت بروميديشن الفرنسية في نيسان/أبريل 2024م، ورشة في العاصمة السويسرية جنيف، في إطار عملية سياسية تستهدف استعادة مسار الانتقال الديمقراطي بعد الحرب، وضمت الورشة التي عقدت وسط سياج من التكتم والسرية، قوىً سياسية سودانية كان أبرزها تحالف قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي، وغيرها من الأحزاب التقليدية الموالية لأوروبا التي تشكل معارضة لحكومة البرهان.
ومنذ اندلاع حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م، ظلت العلاقة بين الحكومة السودانية وبعض المنظمات الدولية متوترة. حيث تبدي الحكومة رفضاً قاطعاً لما تصفه بالانحراف الخطير في سلوك بعض المنظمات الدولية العاملة في البلاد ومع ذلك تسمح لها الحكومة بالعمل، فعقب سماحها بتمرير المساعدات الإنسانية، من خلال معبر أدري الحدودي مع تشاد، تجاوزت بعض المنظمات مهامها الإنسانية وانحازت سياسياً وميدانياً، سواء بتركيز المساعدات في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، أو بتجاهل الانتهاكات التي تُرتكب ضد المدنيين، كل ذلك والحكومة لا تتخذ موقفاً حاسماً مع هذه المنظمات، رغم الأدلة التي لا حصر لها والتي تبرهن على وجود أجندة خفية للعمل الذي يسمى إنسانيا.
فقد كشفت مفوضة العون الإنساني في السودان، سلوى آدم بنية، عن تجاوز بعض المنظمات الأجنبية العاملة في البلاد لتفويضها الممنوح لها، والعمل خارج موجهات وضوابط العمل الإنساني في البلاد، وحذرت من مغبة هذه التجاوزات التي تُعرِّض المنظمات الضالعة فيها إلى المحاسبة.
ما يحدث ليس مجرد خرق بسيط وتجاوز، بل هو انتهاك صارخ للسيادة، وعندما تتململ الحكومة من عمل هذه المنظمات تستجديها أن تلتزم جانب الحياد، في مواقف تعبر عن الضعف والخضوع للكفار المستعمرين، فكيف تبقى الدولة دولةً إن انتهكت سيادتها واستبيح أمنها؟!
أين الرد الرسمي الشافي الذي يبعد أيادي هذه المنظمات، التي تعبث بأمن البلاد والعباد؟! لن يؤدبها ويقطع يدها العابثة بالسوء في بلادنا إلا دولة تطبق شرع الله، ولا تخاف إلا من الله وحده، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تتمثل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾.
رأيك في الموضوع