أسعد منصور

أسعد منصور

أسعد منصور - أوروبا

البريد الإلكتروني: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إنه لمن كبرى المصائب التي تحل ببلد ما أن يصبح ذلك البلد ساحة للصراع الدولي، ويصبح مصيره تقرره القوى الدولية الاستعمارية وليس أهله، بل وتصبح القوى داخل هذا البلد أداة بيد تلك القوى، وليبيا مثال على ذلك، حيث تأسست فيها حكومتان في طرابلس وطبرق، ومن ثم أعلنت حكومة السرّاج لتحل محلهما

نشرت هذه الوثائق يوم 3/4/2016، فأظهرت تورط سياسيين وزعماء حاليين وسابقين في العالم بتهريب وغسيل الأموال. فمنهم مقربون من الرئيس الروسي بوتين تورطوا في غسيل حوالي ملياري دولار. وشركات مرتبطة بأفراد من عائلة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وشركات سرية مرتبطة بعائلات ومقربين من المخلوع حسني مبارك والهالك القذافي والطاغية بشار أسد، وشملت سلمان ملك آل سعود ورئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد وأمير ورئيس وزراء قطر السابقين حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، ورئيسي وزراء العراق والأردن السابقين إياد علاوي وعلي أبو الراغب وغيرهم.واحتجت الجزائر على فرنسا فاستدعت السفير الفرنسي لديها لتبلغه احتجاجها لأن صحيفة لوموند نشرت صورة بوتفليقة بين صور زعماء العالم الذين وردت أسماؤهم ضمن قائمة أوراق بنما. وطالت رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون إذ تشير إلى أن والده "يان كاميرون" الذي توفي عام 2014 كانت له صلة بتأسيس وتطوير شركة "أوفشور" في بنما التي لم تكن تدفع الضرائب للحكومة البريطانية.

كما كثر الحديث عن التقسيم والفدرالية في سوريا قبل وأثناء انعقاد الجولة الأولى من محادثات جنيف بعد إعلان وقف النار، وذلك للضغط على المفاوضين الذين خانوا الثورة وبدأوا بالتنازل ابتداء من قبول مبدأ التفاوض مع نظام الطاغية، كما كثر الحديث عن ذلك فقد كثر أيضا الحديث في الآونة الأخيرة عن مصير الطاغية بشار أسد. فروسيا تأخذ دور الحريص على مصيره وتقول بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره، أما أمريكا فتأخذ دورا غامضا حينا وملتويا حينا آخر. بل إن روسيا اتهمت أمريكا بذلك وأكثر. فقال وزير خارجيتها لافروف فيما يتعلق بالاتفاق حول مصير الطاغية: "فيما يتعلق بهذه المزاعم، فإنها تنم عن قلب للحقائق ومساع لطرح المرجو كأنه واقع.. وإن قرارات مجموعة دعم سوريا تؤكد أنه لا يحق لأحد باستثناء الشعب السوري تقرير مصير القيادة السورية ومصير الرئيس السوري بشار الأسد.. وإن الاتفاقات بين موسكو وواشنطن تتعلق بالمبادئ الأساسية للتسوية السورية.. نعم، هناك الكثير من التلاعب، لكن لا يعكس سوى تسريب شركائنا الأمريكيين مضمون المحادثات وترويجهم معلومات مضللة بشكل ممنهج وعلى جميع المستويات وإن هذه التسريبات غير نزيهة وترمي إلى تشويه الواقع". (رويترز، روسيا اليوم 1/4/2016)

إنك لا تسمع بأي هجوم على مدنيين في العالم إلا وتجد أصابع الاتهام تشير نحو المسلمين فقد أصبحوا موسومين بما سمي الإرهاب، إلا أن يتبين للقوم العكس فيقولوا كان مدبر الهجوم مختلا عقليا أو مضطربا نفسيا، مثلما اتهموا النرويجي بريفيك عام 2011 الذي هاجم مقرات حكومية ومخيماً للشبيبة فقتل 76 شخصا وجرح مئة. وأمريكا تأتي من آلاف الكيلو مترات إلى بلاد المسلمين فتحتل أفغانستان والعراق ومن ثم إلى سوريا وتقتل الملايين وتدمر البلاد ولا تُتَّهم بالإرهاب!

هناك ثلاث حقائق أريد أن ألفت النظر إليها لخطورتها ولأنها متعلقة بهذا الموضوع، فالحقيقة الأولى أن الغزاة والمحتلين لا ينالون منا نيلا إلا إذا وجدوا لهم عملاء ومن يواليهم ويتحالف معهم، فهؤلاء الذين يوالون الكفار قد حذر الله منهم في آيات كثيرة حيث حرم موالاة الكفار، وأن خطرهم أشد من خطر الكفار أنفسهم حيث إن أكثرهم منافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ومرضى نفوس في قلوبهم شك في الإسلام وعدم ثقة به، ومنهم المرجفون الذين يروجون للكفار أكاذيبهم وأقاويلهم. والحقيقة الثانية أن أخطر شيء على وحدة الأمة ونهضتها هي النعرات العصبية من قومية ووطنية وطائفية، وقد أثارها الغزاة المستعمرون لهدم الدولة الإسلامية وتقسيم رقعتها للسيطرة عليها فوجدوا العملاء الذين ينفذون لهم خططهم فحققوا ما أرادوا. والحقيقة الثالثة أن الذين يتبنون العلمانية والديمقراطية هم عملاء متطوعون للغزاة المستعمرين حيث يعتبرونهم إخوانهم وأصدقاءهم وحلفاءهم بل أسيادهم، فهم موالون للكافرين.

ما إن وصل رئيس وزراء تركيا داود أوغلو إلى إيران حتى التقى رئيسها روحاني يوم 5/3/2016 وأفصح عن مغزى زيارته مؤكدا على "جدية تركيا في فتح فصل جديد من التعاون مع إيران.. وعلى تطوير البلدين منظور مشترك لإنهاء الصراع الطائفي في المنطقة". وقال روحاني: "إن لدى إيران وتركيا مصالح مشتركة ويجب أن يتركز تنسيقهما وتعاونهما على محاربة الإرهاب باعتباره عدوا مشتركا". وهكذا أعلن الطرفان أن بينهما منظوراً مشتركاً وتنسيقاً وتعاوناً، فمعنى ذلك أنهما يسيران في السياسة الخارجية وهما متفقان رغم المهاترات والمناوشات الكلامية التي لا تضر في علاقتهما.

أستفتح مقالتي بخير الكلام من رب العباد: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، ﴿لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ﴾. فإذا نظرتم يا أهل الشام إلى الهدنة التي صاغها الذين كفروا والذين يدعونكم إلى المفاوضات مع النظام المجرم، فإذا نظرتم من زاوية هذه الآيات فلن تنخدعوا أبدا، ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾.

إن لبنان عندما أعلن كدولة لم يكن ذلك طبيعيا، لأنه ليس مؤهلا لأن يكون دولة، ولذلك لم يصبح دولة بالمعنى الحقيقي حتى اليوم فبقي مسرحا للصراع وساحة للاقتتال، فكان للمستعمر الفرنسي الذي أسسه ككيان مآرب؛ منها أن يجعله جسرا لنقل الحضارة الغربية إلى المسلمين في المنطقة. وعندما انتهت مهمته هذه التي أطلق عليها رسالة لبنان، عملت الدول المستعمرة على دمجه في قضايا المنطقة، وعلى رأسها قضية فلسطين. وقد أقيم فيه نظام علماني فاسد مبني على أساس المحاصصة الطائفية، فوضعت في أسّه بذرة الفساد ليصبح معرضا للاضطرابات والانفجارات والتناحرات كما حدث فعلا، فكل فريق يلجأ إلى ركن خارجي يؤويه ويسنده ويقتات منه ليعيش وبالتالي ينفذ له سياساته. وأصبح مكانا للصراع الدولي وخاصة بين فرنسا وبريطانيا وأمريكا وأتباعهم الإقليميين والمحليين.

لقد وقعت تركيا في مأزق شديد فيما يتعلق بالشأن السوري بسبب ارتباطها بأمريكا التي تتلاعب بها. فلم تحسم أمرها فتقوم وتنصر أهل سوريا حتى يسقطوا النظام، وإنما أصغت لأمريكا ونفذت لها كل ما أرادت حتى وصل الحال بها إلى ما وصل، حيث بدأت ترى خطر وجود قاعدة أخرى ينطلق منها دعاة الانفصال من الأكراد العاملين لحساب أمريكا في سوريا. فقد صرح الرئيس التركي أردوغان يوم 17/2/2016: "لن نقبل أبدا بوجود قنديل جديدة"، في إشارة إلى جبال قنديل التي ينطلق منها حزب العمال الكردستاني في العراق ضد تركيا. وذلك إثر التفجير الذي حصل في أنقرة في ذلك اليوم، وقد اتهم رئيس الوزراء داود أوغلو وحدات حماية الشعب الكردية وبدعم من حزب العمال الكردستاني بواسطة شخص سوري الجنسية.

إن تركيا منذ أن أعلنت فيها الجمهورية وألغيت الخلافة ووقعت اتفاقية لوزان التي تخلت بموجبها عن أراضي الدولة العثمانية، قد ارتبطت ببريطانيا التي احتلتها وكان لها الدور الرئيس في كل ذلك، ووقعت اتفاقيات معها، ومنها اتفاقية الصداقة التركية الإنجليزية التي وصفها عصمت إينونو وريث مصطفى كمال بأنها ركيزة السياسة الخارجية التركية. أي أن سياسة تركيا الخارجية مرتبطة ببريطانيا وتدور في فلكها.