في 12/7/2025م، ومن خلال حواره مع صحيفة عرب نيوز، كشف برّاك أن الولايات المتحدة سهّلت محادثات سرية بين لبنان وكيان يهود الغاصب فقال: "الولايات المتحدة سهلت محادثات خلف الكواليس بين لبنان (وإسرائيل)، الأمور تسير بوتيرة متسارعة"!، وصرح بوجود تواصل بين النظام الجديد في سوريا ويهود حيث قال: "لاحظت أن سوريا تتحرك بسرعة البرق لاغتنام الفرصة التاريخية التي أتاحها رفع العقوبات... وتواصل دبلوماسي مع الدول المجاورة"! وأنه في حال لم يتحرك لبنان باتجاه الحل الأمريكي، فسيعود إلى بلاد الشام، "ترامب كان شجاعاً بمنح سوريا فرصة، وما حدث منذ تدخل الغرب وسايكس بيكو لم يكن جيداً..."!، و"إذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام".
لقد بات واضحاً التعجل الأمريكي لإدخال لبنان وسوريا بطريقة ما في صيغة اتفاقات أبراهام التي حصلت في فترة ترامب الرئاسية الأولى بين 2017 و2021م، وتعجلها في دمج كيان يهود في المنطقة عبر هذه الاتفاقات ليكون وكأنه كيانٌ طبيعي فيها، لا سيما مع وجود هؤلاء الحكام العملاء الرويبضات الذين يمنون أنفسهم بمزيد من سنوات الحكم والسلب والنهب لمقدرات الأمة، لا سيما بعد ظهور الثروات الغازية على شواطئ المتوسط، وفي هذا السياق قال براك "إذا لم يُسرع لبنان في الانخراط، فسيتجاوزه الجميع".
لكن أمريكا ترى أن وضع لبنان وتركيبته تعقد الحركة السريعة، فأمريكا مع لبنان كمن يركب دراجةً يقودها لكن في إطاراتها وأسلاكها أوحال ومسامير تعيق حركتها السريعة، من طوائف مترامية الولاءات، وساسة اعتادوا حكم البلاد بطريقتهم التي هم عليها كمزرعة تدر عليهم وعلى رجالاتهم الخيرات، وهذا قد أشار إليه برّاك بشكل واضح؛ "وعبّر برّاك عن أسفه لتدهور مؤسسات الدولة وتعطّل المصرف المركزي وجمود قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي والشلل العام في البرلمان"؛ وساسة أمريكا في مرحلة ترامب هذه هم سماسرة عقارات وتجار يستخدمون كل وسيلة ممكنة للوصول لأهدافهم، وعلى رأسهم سيدهم ترامب الذي يرى العالم تعامله الفج التجاري وصولاً لمطالبه، وتوم برّاك واحدٌ من هؤلاء، وهو من أصول لبنانية، يعرف تاريخ المنطقة، والأمور المستفزة فيها، لذلك فكأن تصريحاته تأتي في سياق "الفزاعة" يضعها في وجه كل متباطئ، فإما أن تواكبوا قطار التنازلات والتطبيعات وإما نلحقكم أو نلزمكم لمن يستطيع القيام بذلك، إنهم جيرانكم الذين سبقوكم بالتواصل مع يهود رغم أنهم لا يملكون ما تملكون.
وكأنه بلسان آخر يقول: إذا لم تسيروا في قطار التطبيع والاستسلام فإن الخطر المحدق عليكم وعلينا هو خسارتكم للبنان وهيمنتكم عليه بعودته لأصله، وإن حصل ذلك فلا مكان لنا ولكم في هذه المعادلة، فسرعوا من عملكم؛ فكلامه هو من باب التحذير وليس التهديد، لا سيما أنه عاد ووضح كلامه عبر تغريدات، ولكن يبقى أن استحضار هذه المصطلحات مثل "بلاد الشام" فيه دلالة على المخاوف والتخويف من التلكؤ. بل إنه في إحدى تغريداته استحضر كلاماً لمعاوية بن أبي سفيان (لا أضع سيفي حين يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت)، وهي رسائل يرسلها لتسير الأمور بسرعة، بل وتصبح الطوائف في لبنان هي من تدفع بهذا الاتجاه باستحضارها للمعنى السلبي عندها للعودة لكنف بلاد الشام، أو كنف الخلافة! فالتطبيع عند هؤلاء والاستسلام، والبقاء نواطير تحت سيطرة الغرب خيرٌ عندهم من العودة إلى الأصل.
وغير هذا المعنى التحذيري لدفع البلد للمسارعة في التنازل سيكون مخالفاً لسياق عمل أمريكا وإداراتها في تفتيت ما تبقى من روابط الأمة، وسرقة خيراتها، خاصة في ظل السباق الدولي على الغاز والمعادن الاستراتيجية، وصراعها الاقتصادي مع الصين.
إنّ هذه التصريحات، رغم ما تحمله من تهديد وغطرسة، تعكس حقيقةً واحدةً، وهي أنّ المشروع الإسلامي الذي يسعى لوحدة الأمة، والذي يُعَبَّرُ عنه بإقامة الخلافة على منهاج النبوة هو ما بات يقلق دوائر صنع القرار في واشنطن ويعيد رسم حسابات الهيمنة والنفوذ في المنطقة عندها وعند يهود كذلك الذين عبَّروا بكل وضوح على لسان نتنياهو عن مخاوفهم من إقامة الخلافة على شواطئ المتوسط، بل وأبدَوا استعدادهم لضربها في أي مكان تقوم فيه.
ولعل ما كتبه حزب التحرير في ولاية لبنان في نهاية نشرته الصادرة في 15/7/2025م تعبير حقيقي عما يمكن قوله في هذا السياق، لأن كلمة بلاد الشام لامست وتلامس عند أهل المنطقة أملاً ورغبة: "أيها المسلمون، ندعوكم إلى أن تكونوا أنتم من يصوغ مستقبلكم بأيديكم، لا بأيدي الغرب، ولا عبر مؤتمرات تآمرية، ولا عبر تهديدات وتصريحات السفراء والمبعوثين؛ كونوا كما أرادكم الله أمةً واحدةً، لا شرقيةّ ولا غربيةً، تقود ولا تُقاد، وتحكم بالإسلام، لا بأنظمة (سايكس بيكو)، تعيدون بأيديكم لبنان إلى أصله من جديد، جزءاً من بلاد الشام، بل بلاد المسلمين"، و"أن هذه التصريحات اعترافٌ ضمني أنّ المشروع الإسلامي السياسي، الخلافة على منهاج النبوة، هو المنافس الحقيقي الوحيد للمشروع الأمريكي، وأن الخوف الحقيقي في واشنطن وعند يهود هو من عودة الخلافة التي توحّد الأمة وتنهي التبعية...".
رأيك في الموضوع