في تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحفي عقده في مطار هاميلتون بكندا، على هامش اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، قال ماركو روبيو في سؤال عن الوضع في السودان: (إنه أمر فظيع... إن ما يحدث هناك أمر مرعب ومروع). وهذا الأمر الفظيع الذي أحدثه رجالات أمريكا في قيادة الجيش، وقيادة الدعم السريع، هو بسبب الحرب العبثية اللعينة، وهي المرحلة التي ترغب أمريكا في الوصول إليها، حيث نضجت الطبخة الأمريكية أو تكاد، وبخاصة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، وبعد بدء المفاوضات في واشنطن بين الرباعية، وبين الوفدين، وبهذا فإن أمريكا، وبشكل واضح لا لبس فيه، تسير في خطتها بخطا متسارعة لسلخ إقليم دارفور.
وقال روبيو: (عقدنا ثلاثة اجتماعات مع المجموعة الرباعية كاملة... وكما تعلمون، فنحن نرعى مبادرة الرباعية هذه مع مصر والسعودية والإمارات)، إن روبيو يكشف بأن أمريكا هي التي ترعى ملف التفاوض، ولن تسمح لأي دولة أن تكون شريكاً في هذه الرباعية إلا بإذنها، حيث كانت هناك ما تسمى برباعية منبر جدة، مشكّلة من أمريكا وعميلتها السعودية، ومن بريطانيا وعميلتها الإمارات، وكانوا قد أصدروا بياناً في اليوم الخامس من الحرب، جاء فيه: (يجب على القادة العسكريين السودانيين الدخول في حوار دون تأخير)، لكن أمريكا كانت تعمل على إطالة أمد الحرب، فتمكنت من إبعاد بريطانيا وعملائها بشقيهما المدني والعسكري من العملية السياسية، وعن لعب دور في إدارة الصراع وما يتعلق به، واستفردت هي وحدها بملف السودان، ففي تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط بتاريخ 31/07/2025م، أشار مسعد بولس إلى أن "اتصالات متوازية تجري خلف الكواليس مع قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، إلى جانب شخصيات عسكرية، ومدنية سودانية أخرى، في محاولة لتقليص الفجوة بين الأطراف". وقال بولس حسب التقرير: "السودان سيكون أولوية في المرحلة القادمة". ويهدد بولس بكل وقاحة وتبجح قائلاً: "في حال أي رفض لخطة الرباعية، من أي من طرفي الصراع، فإن أمريكا لن تتأخر في اتخاذ الإجراءات المتاحة".
هذا فيما يتعلق بالرباعية التي اخترعتها أمريكا، من أجل احتكار الحل واحتكار وقته ومخرجاته، بل ومصادرة المشهد بأكمله وتوجيهه حيث تريد، فالرباعية كما قال بعضهم، ما هي إلا خزانة استعملتها أمريكا لحبس الصراع السوداني، وتخزينه وإبقائه تحت رعايتها، حتى يحين وقته!! وقد تستعين هذه الرباعية ببعض الدول، ففي لقاء بولس مع صحيفة الشرق الأوسط في 28/10/2025م، قال: "هناك دول ومؤسسات أخرى داعمة لهذا المسار السلمي، ومستعدة للمساعدة، من ضمنها الاتحاد الأوروبي وبلدان أوروبية عديدة والمملكة المتحدة وتركيا وقطر وعدد كبير من البلدان، لا سيما البلدان المجاورة وغيرها، وهم مشكورون"، وذلك لتفادي مشاكسات أوروبا، وإضفاء صبغة دولية على المفاوضات.
وقد سئل روبيو في المؤتمر الصحفي نفسه، عن تقييمه لدور الإمارات في هذه الحرب فقال: "نعرف من هي الأطراف المتورطة في هذه الأمور، ولهذا هم جزء من المجموعة الرباعية"، ففي الوقت الذي شهد العالم كله تورط الإمارات، ودورها في هذه الحرب القذرة، إلا أن أمريكا لا تبالي بأن تكون في اللجنة الرباعية، أما لماذا الإمارات جزء من الرباعية، فعلى الرغم من عمالة حكامها لبريطانيا إلا أنها لم تنفك عن تقديم الدعم لعميل أمريكا الانفصالي (حميدتي)، على أمل أن يكون لها نفوذ عليه، وهو عمل شبيه بما تفعله في ليبيا بدعم عميل أمريكا حفتر.
ووفقاً لما جاء في تقرير "أ ف ب – الإمارات 71" في 14/11/2025 أكد تقرير نشرته المنظمة الأمريكية ذا سنتري الخميس أن (قوات المشير خليفة حفتر في شرق ليبيا، تقوم بتزويد قوات الدعم السريع السودانية بالوقود، وذلك مقابل الدعم الحاسم الذي تقدمه له أبو ظبي) وأضاف: (يتهم الجيش السوداني وتقارير مستقلة أبو ظبي بانتظام، بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة والوقود والمرتزقة). وبحسب الموقع نفسه بتاريخ 13/11/2025م: قال الصحفي السوداني إسماعيل حسن إن رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان اجتمع سراً بوزير إماراتي، وسلمه أدلة بشأن ضلوع أبو ظبي في الحرب السودانية. وأشار إلى أنه قال للأمريكيين "نظموا لقاء بيننا وقيادات أبو ظبي... وبالفعل جاء وزير الدولة الإماراتي شخبوط بن نهيان آل نهيان، وبحضور الأمريكيين أبرزنا لهم 21 ملفا منفصلا فيها كل المعلومات التي تؤكد دور الإمارات في الحرب، ولم يستطع شخبوط أن يرد أو ينفي بل غادر الاجتماع صامتا". وتابع البرهان: "قلنا للأمريكيين لماذا لا تقولون للإمارات: لا للحرب؟! إذ إن دخول التمرد للفاشر وانفعال الشعب السوداني بالفاشر ضاعف المسؤولية على عاتقنا".
الأمريكان يعلمون، بل ويتابعون المصادر التي تزود رجالها في حربهم العبثية القذرة في السودان، فبحسب وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمره الصحفي قال: "لقد عملنا، على ما أعتقد، منذ تموز/يوليو وآب/أغسطس، على هذه المبادرة الرباعية، لأن هناك دولاً متورطة في مساعدة هذه الأطراف على الأرض"، وأضاف: "يمكنني أن أقول لكم إن حكومتنا تعمل على هذه القضية على أعلى المستويات وتضغط على الأطراف المعنية. ولا أرغب في أن أوجه اللوم العلني لأحد في مؤتمر صحفي اليوم، لأن ما نريده هو نتيجة جيدة...".
إن أمريكا تواطأت مع هذه الدول التي أشار إليها وزير الخارجية الأمريكي، وأخرست لسانها حتى اكتملت مسرحية الحرب المفتعلة، التي تفضي في نهاية الأمر إلى فصل دارفور. والأدهى والأمر أن الفظائع التي ترتكب في دارفور، والتي ارتكبت من قبل في غيرها من مدن السودان، كانت على مرأى ومسمع من أمريكا، قال وزير الخارجية الأمريكي: "عندما تثيرون مسألة هذه الفظائع، فإنهم (الدعم السريع) دائماً ما يتذرعون بحجة أن هذه عناصر مارقة. حسناً، إنها ليست عناصر مارقة. إنهم يفعلون ذلك بشكل منهجي".
لكن الذي يؤكد براغماتية السياسة الخارجية الأمريكية، وبخاصة بعد أن تذوَّق ساسة أمريكا طعم الاستعمار في نفط الخليج، فتغلب عليها عامل النفعية والاستعمار، فصارت سياستها الخارجية، هي سياسة الأغنياء وأصحاب الشركات الاحتكارية فيها، أي هي سياسة اســتعمارية بحتة، ليس فيها مجال للقيم الرفيعة، وصارت النفعية وحدها هي التي تتحكم في سلوك الساسة، والذي يؤكد ذلك هو صراحة الوزير روبيو في إجابته عن سؤال: هل ستدعمون مساعي مجلس الشيوخ... من كلا الحزبين، لتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية أجنبية أو جماعة إرهابية أجنبية؟ فكانت إجاباته تنم عن عقلية لا تعرف في السياسة أخلاقاً إلا المنفعة حيث قال: "نعم، أعني، إذا كان ذلك مفيداً في إنهاء هذا الأمر، فسنفعل ذلك"، وقوله: "لا أرغب في أن أوجه اللوم العلني لأحد في مؤتمر صحفي اليوم، لأن ما نريده هو نتيجة جيدة".
وهنا يبرز الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية في التعامل مع القضايا حسب المنفعة المكتسبة، فلا وزن للأخلاق في نظرتهم للشعوب والأمم، وبالرغم من وصفه قوات الدعم السريع: "إنهم يرتكبون أعمال عنف جنسي وفظائع، فظائع مروعة، ضد النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء من أبشع الأنواع"، لكنهم ليسوا إرهابيين ما داموا يقومون بتنفيذ خريطة حدود الدم الأمريكية!
أخيرا لن يعيد أمريكا لعزلتها مرة ثانية إلا دولة الإسلام؛ التي ستخرج الناس من جور الرأسمالية إلى نور الإسلام.





















رأيك في الموضوع