إثر لقائه المغلق برئيس سوريا للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في العاشر من الشهر الماضي، في البيت الأبيض، صرح رئيس أمريكا ترامب للصحفيين أنه على وفاق مع الشرع، وأنه على ثقة ويقين من أنه سيتمكن من القيام بمهامه وعمله بنجاح، وكانت الخارجية الأمريكية أشادت يوم الجمعة بما وصفته "تقدّما ملحوظا" في سلوك القيادة السورية الجديدة. فيما أكد وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، "توقيع سوريا مؤخراً إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي لهزيمة داعش"، وأن "سوريا شريك في مكافحة الإرهاب"، وأضاف: "إن الرئيس ترامب أشاد بتحول سوريا وأنه أبدى دعمه لترتيب أمني محتمل مع إسرائيل". أما وزارة الحرب الأمريكية فأكدت أيضاً أن سوريا "في طريقها للانضمام إلى التحالف الدولي".
وكان المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك، قد أعلن أن الرئيس أحمد الشرع سيوقع خلال زيارته على وثيقة شراكة تضع سوريا داخل هذا التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، فيما علق على لقاء ترامب بالشرع بالقول: "سوريا كانت هي المشكلة واليوم أصبحت سوريا شريكا أساسيا لنا...، الحكومة السورية شريك أساسي في الحرب ضد تنظيم الدولة والحرب على "الإرهاب"... سوريا التي كانت مصدرا للإرهاب اليوم هي شريك في مكافحته". أما نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فصرح قائلاً: "سوريا تحولت من دولة كانت وكيلة للنظام الإيراني إلى دولة تتعاون معنا الآن في مكافحة الإرهاب".
فيما ذكر تقرير معهد الشرق الأوسط، نقلاً عن مصدر في مديرية الأمن العام، أن "التنسيق الأخير بين دمشق وقيادة التحالف شمل اتفاقيات عملياتية متعددة، أبرزها: تبادل المعلومات الاستخبارية بين وحدة الاستطلاع في وزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف الدولي، بما يمهّد لتأسيس قنوات تعاون أمنية أكثر مؤسسية واستدامة".
ويأتي هذا اللقاء بالتزامن مع تقارير إعلامية كثيرة، منها ما نقلته رويترز في 6 تشرين الثاني نقلاً عن مصادر مطلعة، عن سعي أمريكا لتأسيس وجود عسكري لها في قاعدة جوية بدمشق، ليعقب ذلك نفيٌ سوري أمريكي متوقَّع.
إن الانخراط الكارثي للإدارة الحالية في التحالف الدولي هو شرعنة للوجود الأمريكي في سوريا، وتبرئة للتحالف الدولي من الجرائم التي ارتكبها على مدار عقد كامل ومن المجازر المروعة التي ابتدأها في أيلول 2014م تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وقوننة لكل ما يمكن أن يرتكبه من إجرام مستقبلاً. تحالف صليبي حاقد يتلطى خلف شعارات كاذبة خاطئة ليخفي هدفه الحقيقي في الضغط على الأمة وتأديب الناس لتجرؤهم وخروجهم على المنظومة الدولية، واستهداف النفس الثوري والجهادي الذي تجذر في نفوس أهل الشام وأمة الإسلام وتطلعهم للحكم بالإسلام عبر دولة بعد عقود تطاولت من الذلة والمهانة وجريمة الحكم بغير ما أنزل الله.
لقد كان من أهم ثوابت ثورة الشام التي جادت بمليوني شهيد التحرر من سطوة دول الغرب وإنهاء نفوذها. وما إن أكرمنا الله بإسقاط بشار حتى تحول التعامل مع أمريكا والغرب والانفتاح عليهما، بنظر الإدارة الجديدة، إلى كونه المصدر الوحيد للأمن والأمان والسلام والتقدم والازدهار الاقتصادي! بل وتركز وسائل الإعلام على الجانب الاقتصادي الرأسمالي بعيداً عن ضوابط الإسلام وأحكامه وشروطه وخاصة في الاقتصاد وفي التعامل مع دول الكفر وخصوصا المحاربة منها، وعلى رأسها أمريكا التي يقطر سلاحها من دمائنا في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، بل حتى في سوريا حيث دعمت النظام البائد على مدار 14 عاماً بكل مقومات الحياة لوأد ثورة الشام وإعادة أهلها إلى حضن الجلاد.
ثم إن ربط الوضع الاقتصادي البائس برضا الغرب وبرفع العقوبات فيه من العبث والتدليس ما فيه، لإبعاد أذهان الناس عن الحقيقة القرآنية الخالدة بأن سبب البؤس والشقاء هو إقصاء شرع الله عن الحكم والحياة والدولة، قال تعالى في سورة طه: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾.
والأنكى من ذلك تبرير هذا المنزلق الخطير بتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية محتملة تحت ذريعة جلب المصالح ودرء المفاسد بفهم مغلوط لأساسيات ديننا وآلية التعامل مع الدول في السياسة الخارجية.
وإنه لمن الغريب العجيب أن يتحول الموقف من التحالف الدولي من تحالف صليبي يحارب الإسلام إلى حليف وشريك في مكافحة "التطرف والإرهاب"، أي الحرب على الإسلام ومنع عودته إلى سدة الحكم! فأين شعارات الولاء والبراء التي حملها الشرع وأتباعه قبل وصولهم للحكم؟! ألم يسمعوا بقوله تعالى: ﴿قَالَ عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكم ويَسْتَخْلِفَكم في الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾؟! أم أن هذه الشعارات كانت سُلّماً للوصول حتى إذا كان ما كان باتت نسياً منسياً؟!
يقول الله تعالى: ﴿ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ...﴾. فهل نصدق أمريكا رأس الكفر ورأس حربته في الحرب على الإسلام، أم نصدق قول الواحد القهار الذي أوصلتنا معيته إلى دمشق منتصرين؟! وأين نذهب بقوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾؟!
لقد ربطت دول الغرب برمتها ملف رفع العقوبات عن سوريا بشروط واضحة فاضحة، على رأسها تعاون الإدارة الجديدة في ملف محاربة الإسلام، وهذا بات واضحاً لكل ذي عينين.
إن إعلان الانخراط الصريح مع أمريكا في هذا التحالف الصليبي الحاقد لهو فخ خطير وشر مستطير لن يطال شؤمه الإدارة الحالية فحسب بل سينعكس على كل من يقره أو يسكت عنه ويتغافل عن آثاره ونتائجه، والتي من أوضحها ملاحقة كل من حمل شعار الإسلام كنظام حياة سواء من أهل البلد أو ممن جاء لنصرتهم من أبناء أمة الإسلام، وما تنظيم الدولة إلا شماعة لتضليل الرأي العام للرضا بالانضمام لهذا التحالف، علاوة على ما سيسببه هذا الانخراط من تبعية سياسية واقتصادية وفرضٍ لخطط سياسية تمس ملفات داخلية كإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على هوى أمريكا التي تريد أن تكون هذه الأجهزة أدواتها وعيونها الداخلية تستخدمها لخدمة مخططاتها كيف تشاء.
إننا اليوم في الشام على مفترق طرق، إما أن نعود لديننا وهدي ربنا ونهج نبينا ﷺ ونعلن التبرؤ التام من كل ما يخالف شرعنا، أو أن نلهث وراء سراب رضا أمريكا لنقع في سخط الله وتذهب التضحيات الجسام والدماء الزكية التي روّت ثرى الشام أدراج الرياح، فأي الطريقين يجب أن يختار أهل الشام؟!
إنه لحري بأبناء ثورة الشام وأهل التضحيات أن يكونوا على العهد بأن يعلنوا تمسكهم بثوابت دينهم وثورتهم، وعلى رأسها تحكيم الإسلام في ظل دولة الإسلام لتحقيق بشرى النبي ﷺ وقوله: «أَلَا إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ»، قبل أن نندم جميعاً في وقت لا ينفع فيه بكاء أو نحيب.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا





















رأيك في الموضوع