إن نيجيريا أكبر دول أفريقيا من حيث السكان حيث يقدر عدد سكانها تقريبا بـ220 مليون نسمة وهي تلعب دورا مركزيا في غرب أفريقيا؛ لذلك فإن أي تغيير فيها يؤثر على المنطقة بأسرها. وفيها أكثر من 250 جماعة عرقية أهمها الهوسا والفولاني في الشمال وهم مسلمون، واليوروبا في الغرب وهم خليط من المسلمين والنصارى، والإيغبو في الشرق وأغلبهم نصارى، لذلك تعتبر نيجيريا عرضة للتوترات الدينية والإثنية السياسية.
ولو عدنا قليلا لنفهم واقع هذا البلد ففي الحقبة الاستعمارية البريطانية 1914-1960 دمجت بريطانيا ثلاث مناطق كانت مستقلة إداريا؛ الشمال والغرب والشرق، في مستعمرة واحدة وأصبحت محمية نيجيريا، وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية قتل كثير من النيجيريين بوصفهم محاربين تحت الحكم البريطاني، وفي مرحلة الانتقال من الاستعمار المباشر إلى غير المباشر ظهرت بعض الحركات التعليمية السياسية لتواكب هذه المرحلة وكان على رأسهم نامدي أزيكيوي وكان والده كاتبا في الإدارة البريطانية، وأيضا أوبا فيمي أولور وأحمدو بيلو وأصبحوا رجال دولة في حقبة الاستقلال الذي حصلت عليه كدولة واحدة شكلاً، لأن بريطانيا دائما تترك في كل مستعمرة تغادرها فتيل صراع حتى تحركه متى تريد، لذلك كانت نيجيريا منقسمة فعليا عرقيا ودينيا.
وقد أنتج الاستقلال مملكة نيجيريا تحت التاج البريطاني ثم جمهورية نيجيريا عام 1963 برئاسة نامدي وكان النظام فيدراليا، ثم حدث انقلاب عسكري عام 1966 أطاح بالحكومة المدنية، تبعه انقلاب مضاد من الضباط الشماليين عام 1967 وحينها أعلن الجنرال الإيغبو أودوميجو أوجوكوو انفصال الإقليم الشرقي تحت اسم جمهورية بيافرا وعلى إثرها اندلعت الحرب الأهلية من عام 1967 إلى عام 1970 وراح ضحيتها مليون شخص، انتصرت فيها الحكومة المركزية وتوحدت البلاد. وبعدها من عام 1970 إلى عام 1979 كانت فترة انقلابات عسكرية وآخرها تم تسليم الحكم لحكومة مدنية، ومع عودة الحكم المدني عام 1999 حتى الآن حيث وصل بولا تينوبو إلى الحكم عام 2023 وهو الرئيس الحالي ولكن حكومته كل يوم تعاني من أزمات كبيرة منها:
* أمنية: بوجود جماعة بوكو حرام شمال شرق نيجيريا، وتنظيم الدولة غرب أفريقيا، ومع الأسف الوسط يعاني نزاعات بين الرعاة الفولانيين والمزارعين، وغرب البلاد مليء بالجرائم والخطف والسرقات المسلحة.
* اقتصاديا: رغم غنى نيجيريا وخاصة النفط إلا أن الفساد الحكومي أخذ البلاد نحو التضخم العظيم حيث أصبحت النايرا، وهي عملة البلاد، تفقد نصف قيمتها منذ عام 2023 ما أدى إلى لجوء الحكومة لاقتراض داخلي إضافي بمقدار 1.15 تريليون نايرا، أي ما يعادل 784 مليون دولار لتغطية العجز في ميزانية عام 2025، ومع ذلك استمر ارتفاع الأسعار وزادت تكلفة المعيشة وانخفضت فعالية بعض الخدمات وانهارت بعض البنى التحتية ما جعل البلاد مرهقة.
وبهذا الواقع الصعب الذي أنتجه الاستعمار مع الحرب الباردة ومحاولات أمريكا لإخضاع هذا البلد لسلطتها ولتنفيذ مخططاتها ألا وهي السيطرة ثم التقسيم، أصبحت نيجيريا مؤهلة للانقسام إلى ثلاثة أقاليم كبيرة؛ ولذلك نجد أن رئيس أمريكا ترامب يعجل في تحقيق هذا الهدف ويهدد بالتدخل العسكري أو قطع المساعدات عن نيجيريا إذا لم توقف ما أسماه قتل النصارى أو العنف الموجه! ففي بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2025 أعلن ترامب أن أمريكا ستصنف نيجيريا ضمن الدول الخاصة المصدرة للقلق بسبب انتهاكها لحرية الدين واستمرار العنف تجاه النصارى حيث قال حرفيا: "إذا استمر الأمر فإن الولايات المتحدة قد تدخل تلك الدولة المهانة، للقضاء تماما على الإرهابيين الإسلاميين الذين يرتكبون هذه الفظائع" (الجارديان، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2025).
ورغم أن القضايا الدينية والإثنية تشكل جزءا من الزخم الإعلامي والسياسي ولكن الخبراء يحذرون من تبسيط الأمور إلى صراع إسلامي نصراني.
فلذلك فإن شبح الانقسام قائم سواء عن طريق استفتاء تفاوضي رسمي أو إعلان انفصال أحادي أو حرب أهلية وصراع مسلح طويل أو تدخل خارجي أو ضغط دولي.
وأرجح هنا حالة الصراع المسلح الطويل الأمد على طريقة السودان ينتج منه إخراج كل القوى الدولية الأخرى ويتم فرض نفوذ أمريكا، ويدعم هذا الأمر ضعف القيادة المركزية ما يسهل الخلاص منها، ووجود حركات مسلحة مقبولة خارجيا، وهناك دعم شعبي واسع للأقاليم المتمردة التي تبحث عن الانفصال، وهذا سوف يؤدي إلى إبادة جماعية تفكك كامل مكونات الدولة ووضع دساتير جديدة للأقاليم المنفصلة ما يخدم مصالح أمريكا في المنطقة.
إن مسألة نيجيريا ليست مسألة دينية مع أنهم يحاولون إظهار العداء بين المسلمين والنصارى ليخدمهم في أماكن أخرى ويتم تشويه صورة المسلمين بهذه الأعمال، وفي الحقيقة الموضوع هو غياب الراعي الحقيقي الذي يحافظ على القيم الإنسانية، واليوم لا توجد دولة تحمل هذه القيم بل جميعها مستعمرة رأسماليا وتقودها النفعية، والحل يبدأ بإيجاد دولة تحترم البشر وتعاملهم بإنسانية وترعى شؤونهم مهما كان الاختلاف فإنها تحقق العدل والمساواة.
ولا يوجد سوى دولة الخلافة الراشدة للقيام بهذا الدور، فهي التي ستنصف البشر وتحقق العدل وتعطي كل ذي حق حقه، وستلغي الاستعمار كليا، وتدخل العباد إلى عدل الإسلام، فلذلك سارعوا للعمل مع حزب التحرير لإقامتها ووضعها في مكانها الصحيح في المعترك الدولي لتغيير موازينه وقواعده.
بقلم: الأستاذ نبيل عبد الكريم






















رأيك في الموضوع