إن حادثة حرق الجندي الأمريكي نفسه وهو يهتف لفلسطين وغزة أمام سفارة كيان يهود في واشنطن، قد أحدث ضجة في أوساط الجيش والمجتمع الأمريكي، على الرغم من تناول الصحف الحادثة على استحياء، فالجندي الشاب ذو الخمسة والعشرين عاما لم يكن يعاني من خلل عقلي أو نفسي بحسب ما يريد النظام البوليسي في أمريكا الترويج له، بل إن الرجل كان بكامل قواه العقلية والنفسية عندما أحرق نفسه، وقد كان قُبيل أن يحرق نفسه يتحدث بكلام متزن وواع، ولنا في هذا المشهد قراءات ووقفات:
أولها: إن الموقف البطولي الشجاع الذي أبداه ذلك الجندي أظهر للعالم مدى السخط والغضب الذي يشعر به العالم كله وفي أمريكا على وجه كبير، وبأن الحضارة الغربية التي ملأت الدنيا صراخا بالترويج لحقوق الإنسان والمرأة والطفل قد أزالت ورقة التوت التي تسترها، وما صرخة الغضب التي صرخها ذلك الجندي عندما قال: "لن أكون متواطئا في الإبادة الجماعية بعد الآن"، إلا صرخة كفر بكل القيم الرأسمالية الغربية، وكان ذلك الجندي بفعله ممثلا لمئات الآلاف من الأمريكيين الذين يخرجون في مسيرات ومظاهرات مستنكرين ومعتذرين عن دولة (الحريات) التي ما فتئت تصدع رؤوسنا بالحريات والحقوق والعدالة.
ثانيا: إن الثورة الفكرية التي أحدثها طوفان الأقصى لم تكن بين المسلمين فحسب بل كانت بالقدر نفسه عند الغرب الذي غيبت عنهم دولهم حقيقة الإسلام وفضحت القيم الغربية وبينت دجل الغرب وكذبه، فبان لكل حر أن ما يدرّسونه في مدارسهم ويعلمونه الطلاب، ليس أكثر من كلام لا حقيقة له على الأرض، ولمّا كانت أحداث غزة ترك الغرب قيمه وأعان وساعد على قتل الأطفال والنساء والشيوخ وشارك في هدم المساجد والمدارس على رؤوس من فيها، فمنذ خمسة أشهر والغرب وعلى رأسه أمريكا يتواطؤون مع يهود فيمنعون عن أهل غزة الماء والدواء والغذاء ويشاركون في قتل الأطفال والشيوخ والنساء.
ثالثا: إن أمريكا منذ تأسيسها قد قامت على الدماء والأشلاء فقتلت من سكان البلد الأصليين من الهنود الحمر الملايين وخاضت عشرات الحروب فحضارتها أبعد ما تكون عن الحرية والعدالة وحقوق الانسان، وغزة الآن شاهدة على همجيتها وحروبها التي لا تنتهي.
رابعا: إنه من المفارقات العجيبة أن يكون حجم الاستنكار والغضب الذي جعل هذا الجندي يضرم النار في جسمه لأجل قيم يحملها، في مقابل الضعف والوهن الذي أصاب أهل القوة والمنعة من أبناء المسلمين مع أن عقيدتهم تحتّم عليهم نصرة أهل غزة، فكيف أطاق هؤلاء الجند أن يسلموا إخوانهم لإخوان القردة والخنازير فيمعنوا في قتلهم وتشريدهم وهدم بيوتهم؟! وكيف يغمض لهم جفن وهم يرون أبناء الغرب من غير المسلمين يثورون في وجه الظلم الذي يوقعه حكامهم على أهل غزة؟! وماذا سيجيبون ربهم عندما يسألهم عن قوله سبحانه: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾؟! وكيف سيكون موقفهم لما يلتقوا رسول الله ﷺ ويذكرهم بقوله: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ...»؟! وهل ستغني عنهم طاعتهم كبراءهم وسادتهم؟ بل إنهم سيكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا، فمن كان الأولى بأن يثور في وجه الظلم والطغيان؟ هل ذلك الرجل الذي لا يحمل ديننا ولا عقيدتنا أم من تربى ليكون سندا للأمة الإسلامية من أبناء المسلمين في الجيش؟
خامسا: إن طوفان الأقصى قد أعلن وفاة كل القيم والمنظمات والهيئات الدولية وحقوق الإنسان ولجان الدفاع عن الحرية ومحكمة العدل الدولية، والغربي أصبح يقارن قيمه التي تربى عليها نظريا وما يمارس على الأرض، وكأن لسان حال ذلك الجندي بوشنيل: كفاكم دجلا وكذبا فإن غزة قد كشفت سوءاتكم ولم تترك لكم ريشا يواريها.
سادسا: لقد أدرك الغرب والشرفاء والأحرار منهم بالذات الفرق الشاسع والبون العظيم بين ما تحمله الأمة الإسلامية من قيم وحضارة وبين همجية أنظمتهم، فأمريكا التي تدعم كيان يهود والغرب من خلفها كيف كانوا يعاملون الأسرى من أبناء المسلمين في أبو غريب وغوانتنامو بسادية غريبة ويمارسون ضدهم متعة التعذيب، وكيف عامل المجاهدون في غزة الأسرى من يهود وكيف أحسنوا معاملتهم والعناية بهم، وما كان ذلك إلا لأن الإسلام هو الذي أمرهم بذلك في مقابل الكيان الذي يمدونه بالمال والسلاح، والذي يصف غير اليهود بالحيوانات البشرية وأن الله ما خلق هذه الحيوانات إلا لخدمتهم، مع أن غير المسلمين قد عاشوا بين ظهراني المسلمين منذ أربعة عشر قرنا وما زالوا، ولم يذكر التاريخ أننا فتنّا أحدا ليترك دينه، وما ذلك لضعف؛ فقد كنا سادة الدنيا لأزيد من ثلاثة عشر قرنا، وقد كان لنا قوة بذلك، إلا أن ديننا جعل غير المسلمين في بلادنا في ذمتنا، وشاهدنا على ذلك أن غير المسلمين ما زالوا يعيشون في بلاد الإسلام ولم نعقد لهم محاكم للتفتيش ولم نحتجزهم في أبو غريب وغوانتنامو، وإن شاء الله عندما نسترجع دولتنا من جديد سنعود سيرتنا الأولى في نشر العدل والخير في الدنيا لنبين للعالم أن حضارتنا وقيمنا هي الحضارة، وأن الغرب وعلى رأسه أمريكا سيدرك الفرق بين ما تحمله أمة الإسلام من أفكار راقية وعظيمة منشؤها الوحي، وبين حضارة العفن والقذارة التي تحملها أمريكا والغرب.
سابعا وأخيرا: إن الخلافة عائدة بإذن الله لا محالة لتطبق العدل وتنشر الإسلام وتحمله لكل الأمم والشعوب، وحينها لن نتفاجأ بدخول الناس في الإسلام أفواجا؛ فأبناء الغرب سئموا أنظمتهم، وكفروا بكل ما فيها، وما بقاؤهم عليها إلا لعدم وجود بديل يلجؤون إليه، ولن يكون البديل إلا الإسلام، فهو وحده الدين الذي يقنع العقل ويوافق الفطرة، وهو الدين الذي ارتضاه الله ليكون للناس دينا، وأن الغضب الذي جعل بوشنيل يحرق نفسه اعتذارا عما فعلته دولته ليس عنده وحده بل إن حضارة الغرب أصبحت عيبا عند الشرفاء ممن يعيشون في الغرب، فهذه المسيرات والمظاهرات التي تضرب في لندن وواشنطن وبرلين ومدريد وغيرها شاهد على ما نقول ولن نلبث إلا قليلا بإذن الله حتى نعلن وفاة القيم الغربية بعد إعلان الخلافة الثانية بإذن الله ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾.
رأيك في الموضوع