عاش المسلمون ثلاثة عشر قرناً من الزمان تحت راية واحدة ودولة واحدة، ورغم ما اعترى هذه الدولة من فترات تراجع وانحطاط، فقد ظلت الأحكام الشرعية مرتبطة بها على الدوام، وكان على رأس هذه الأحكام حكم الجهاد، الذي يمثل مبادأة الكفار بالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الدعوة، غير أن المسلمين مرت عليهم فترات من الضعف غزاهم فيها الكفار في بلادهم، كما حدث مع النبي ﷺ وصحابته في معركتي أحد والخندق.
ولذلك، نشأ طبيعياً هذا التقسيم الاستقرائي للجهاد إلى نوعين:
- جهاد الطلب: الذي يشترط فيه إذن الإمام وله شروطه وأحكامه، وعلى رأسها القدرة والاستطاعة.
- جهاد الدفع: الذي لم يضع له الشارع شروطاً خاصة، ولا يشترط فيه إذن الإمام.
فالرجل والمرأة وحتى الصبيان يخرجون للقتال، كلٌّ بقدر استطاعته، وهذا الأمر طُبّق عملياً عند غزو المغول لبغداد، وعند غزو النصارى الصليبيين لأقاليم الأندلس بعد تفرق ملوك الطوائف، فكان الجميع يقاتل، كلٌّ ضمن طاقته وقدرته؛ ولأن جهاد الدفع يستوجب دفع أذى الكافر عن أرض الإسلام ورد كيده عن بلاد المسلمين، فلا يُتصور فيه إذن الإمام، لأن مصلحته تفوت بالتأخير والتنظيم وإذن الإمام، سيما والكافر يستبيح أرض الإسلام.
وعماد الدليل في ذلك قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وأيضاً حديث النبي ﷺ: «...وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه. فالجهاد في هذه الحال - أي في حالة صيال الكافر على أرض الإسلام - واجب قطعي، ولا يُنظر فيه للشروط المرعية في جهاد الطلب، فالجهاد متعين ومفروض إذا احتُل شبر من أرض الإسلام، أو إذا غزا كافر بلداً إسلامياً.
ما يدفعنا لقول هذا الكلام هو التوغل المستمر الذي يمارسه كيان يهود في أرض الشام، وتصاعد الأصوات المتخاذلة التي تدّعي عدم الرغبة في الانجرار لحروب يفرضها كيان يهود في المنطقة، وهذا التخاذل هو ما يجعلهم يتلقون الصفعات والضربات؛ فالحكم الشرعي، حتى وفقاً لتقسيمات سايكس بيكو، يفرض عليهم الدفاع عن بلدهم وأرضهم بقدر الاستطاعة، فتوغل كيان يهود لا يوقفه إلا الرد العسكري بحسب القدرة.
ولا يُقبل القول بأن سوريا بلد ضعيف أو أنها لا تستطيع الوقوف في وجه الكيان؛ فذلك غير صحيح، لأن الدليل الشرعي يفرض عليهم الدفاع عن بلدهم وأرضهم، لا الجلوس متفرجين. ويُصرح كبيرهم بأن الاعتداء السافر على أراضي الشام يمثل انتهاكاً لكل المواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية، ويؤخر السلام في المنطقة! وكأننا ننتظر منه توصيف الحالة لا علاجها! فالتوصيف يجيده الجميع، من نساء وشيوخ؛ فهل هذا ما كان ينتظر من الحاكم الذي الأصل فيه أنه جنة يُتقى به ويُقاتل من ورائه؟!
إن الذل الذي أوصل له حكام سوريا الحاليون أهل الشام أدى إلى أن أصبحت اعتداءات يهود وتدخلاتهم في السويداء وأهلها وعربدتهم وضربهم لوزارة الدفاع والقصر الرئاسي أفعالاً ما كان ليهود أن يجرؤوا عليها لو وجدوا رجالاً في الجموع، فها هم أهل غزة قد سطروا التاريخ ودونوا أسماءهم في سجل العظماء، وهم لا يملكون عشر معشار ما يملك عدوهم، ولا يملكون عشر معشار ما يملكه حكام الشام.
لما ضعفت الدولة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من القرن الماضي أصبح التدخل في شئونها الداخلية عاملاً من عوامل الضعف الكثيرة التي اجتاحتها، بل لعله لا يقل خطورة عن انتقاصها من أطرافها بل من قلبها بالاستعمار، فروسيا تدخلت تحت ما يسمى حماية (الأقليات) لتدعم الأرثوذكس، وفرنسا تدعم الموارنة كما يفعل يهود اليوم في السويداء بحجة وقوفهم إلى جانب الدروز، وهذا النوع من التدخل أفقد الدولة هيبتها ومكانتها ما جعله بالتالي حجة للتدخل العسكري المباشر في بلاد المسلمين.
لا يظنن حكام الشام أن العالم سيترك الشام وشأنها؛ فالشام أرض كُتب عليها أن تكون محلاً للصراعات منذ آلاف السنين، فإما أن تكون عزيزة، وإما أن تكون ذليلة، ولا حل وسطاً فيها، وإذا لم يسارع الشرفاء من أهل الشام، ويأخذوا على يد السفهاء منهم، فستكون الشام مثل الضفة بالنسبة لكيان يهود، حيث يعربدون ويقتلون ويغتالون، وتصبح سلطتهم تقتصر على عَدّ القتلى وحراسة الحاكم، تماماً مثل سلطة عباس وأجهزتها الأمنية!
وصدق رسول الله ﷺ القائل: « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ» رواه أبو داود
لم يكن في تاريخ الدولة الاسلامية مشكلة اسمها مشكلة (الأقليات) الدينية أو العرقية أو الطائفية، فكل من يحمل تابعية الدولة يكون جزءا منها، وقد أدار المسلمون هذا الملف باقتدار وقوة، وشاهدنا أن من يسميهم العالم اليوم (أقليات)، قد عاشوا في بلاد المسلمين وتحت حكم المسلمين قرونا عديدة، لم يلحظ أنهم هاجروا مجموعات بسبب حكم المسلمين، أو بسبب ظلم وقع عليهم، بل إنهم كانوا يخاطبون أبناء ديانتهم خارج حدود الدولة ليلحقوا بهم لِما رأوا من العدالة والإنصاف، أما الآن وفي زمن أشباه الحكام فإن بلاد المسلمين قد أصبحت مرتعا خصبا لكل دواب الأرض، تنتقص من أطرافها، ويتدخل الكفار في بلاد الإسلام بحجج شتى ويعربدون تحت عناوين كثيرة، وغرهم أن الحكام يعملون عندهم وهم مدينون لهم بالكرسي الذي وصلوا له، وليست الشام بأفضل من أخواتها من بلاد المسلمين، فحاكمها يراقب كيان يهود يصول ويجول ويقتل ويقصف ولا يزيد عن التوصيف والشجب وكأن البلد ليس بلده، والقتلى ليسوا رعيته! وقد كان بالأمس القريب قبل أن يلتصق بالكرسي يتوعد الكفار بالجهاد والقتال، فأصبح هو والكفار يقاتلون أهل الشام، وما فعله في السويداء من انسحاب القوات والأمن، وترك الناس يقتلون على يد العصابات المسلحة التي تفوقهم عددا وعتادا، هو خير دليل، وسيسأل عنه يوم القيامة، فليعد للسؤال جوابا!
رأيك في الموضوع