بينما يحتفل قادة الأنظمة العربية بالقمم الفارغة والمؤتمرات الخادعة، خرجت قافلة شعبية أطلقت على نفسها اسم "قافلة الصمود"، من تونس والجزائر والمغرب متوجهة إلى غزة عبر ليبيا ومصر، بهدف كسر الحصار ودعم أهل القطاع المحاصر منذ أكثر من 18 شهر. القافلة حملت رجالاً ونساءً من مختلف الأعمار، تجمعوا على هدف واحد هو كسر هذا الحصار الذي يفرضه كيان يهود على أهل غزة، بتواطؤ ومشاركة مباشرة من أنظمة الجوار، وعلى رأسها النظام المصري.
لكن ما إن اقتربت القافلة من الحدود المصرية، حتى انكشفت الحقيقة المرة مجدداً وهي أن النظام المصري ليس بوابة النجاة، بل هو شريك في الجريمة، فمنع القافلة من دخول مصر، واحتجز أعضاءها داخل السلوم، وتمت مصادرة الهواتف، ومنع الاتصالات، وإجبار بعض المشاركين على العودة، في سلوك لا يصدر إلا من عدو. وهكذا تكررت المشاهد التي تؤكد أن غزة ليست تحت حصار كيان يهود فقط، بل هي محاصرة عربياً، بإرادة سياسية رسمية، وتنسيق أمني مخزٍ، وتواطؤ دولي لا يتزحزح.
القافلة لم تكن تحمل سلاحاً، ولا راجمات صواريخ، بل كانت مبادرة شعبية تحمل رمزية دعم أهل غزة المحاصرين. ومع ذلك، تعامل معها النظام المصري كما لو أنها تهديد أمني خطير! فهل باتت نصرة فلسطين ولو بالكلمة جريمةً؟ وهل أصبح التضامن مع غزة تهمة تستوجب القمع والاحتجاز؟!
ما جرى مع قافلة الصمود هو جريمة أخرى تضاف إلى سجل الخيانة الرسمي للأنظمة العربية، وعلى رأسها نظام السيسي في مصر، الذي ما فتئ يُعلن التزامه بأمن يهود، ويتفاخر بعلاقته مع قادة الاحتلال، بينما يقمع كل من يفكر في مد يد العون لغزة وأهلها.
إن الموقف الحقيقي يقاس بالميدان لا بالشعارات، والميدان يقول: لا معبر يفتح، ولا جندي يحرك، ولا حصار يكسر، إلا بأمر من واشنطن.
لا شك أن قافلة الصمود تعبر عن حالة من الإخلاص الشعبي، وتؤكد أن قضية فلسطين قضية محورية لدى الأمة بل هي قضية الأمة ولا تزال حية في قلبها. ولكن الحقيقة التي لا بد من التصريح بها هي أن القوافل الإنسانية، مهما عظمت، لا تسقط كياناً مغتصباً، ولا تحرر أرضاً، ولا توقف قصفاً، ولا ترفع حصاراً.
لقد بيّن الإسلام بوضوح أن نصرة المستضعفين واجبة على أهل القوة والمنعة، لا على من ليس يملك إلا الشعارات. قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ...﴾ فمن المخاطَب في هذه الآية؟ إنهم أهل القوة والمنعة؛ الجيش المصري، والجيش الأردني، والجيش التركي، والجيش الباكستاني، وكل جيوش المسلمين التي يبلغ تعدادها أكثر من 5 ملايين جندي، وهي تملك من العتاد ما يكفي لتدمير كيان يهود في أيام معدودة، لو وجدت قيادة مخلصة. ولكن بدل أن تتحرك هذه الجيوش نحو القدس، نراها تحاصر الشعوب، وتقمع القوافل، وتحمي حدود كيان يهود من الغضب الشعبي.
إن ما يحدث اليوم هو صورة واضحة لعمالة الأنظمة وتحالفها مع الاحتلال. فبدل أن تكون مصر بوابة للنصرة وفك الحصار، أصبحت سجّاناً لصالح الاحتلال. وبدل أن يكون الجيش المصري سيفاً في وجه يهود، أصبح حارساً لحدودهم، وعوناً لهم في فرض الحصار على غزة.
يا أجناد الكنانة، يا أهل القوة والمنعة: ألا تستحق غزة أن تتحركوا من أجلها؟ ألا تناديكم دماء شهدائها وصرخات الثكالى والأيامى والأرامل والأطفال والشيوخ؟ أليست فلسطين أمانة في أعناقكم؟ وأهلها إخوانكم ونصرتهم واجبة في حقكم؟ أليست أوامر الله فوق أوامر رؤسائكم؟!
إن نصرة فلسطين لا تحتاج إلى بيانات، بل إلى دبابات. لا تحتاج إلى بيانات شجب، بل إلى قرارات فتح. لا تحتاج إلى معبر يفتح ليوم أو اثنين، بل إلى معركة تحرير كاملة وشاملة، وأنتم المطالبون اليوم بنصرة الأمة، وخلع الحكام الخونة، وحمل مشروع الأمة؛ الخلافة، لإقامة حكم الإسلام، وتحريك الجيوش، وتحقيق وعد الله سبحانه ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ...﴾.
إن قافلة الصمود رغم كل ما جرى لها، هي صفعة على وجه الأنظمة، وتأكيد على أن قضية فلسطين لا تزال حيّة في قلوب الأمة. لكنها أيضاً جرس إنذار، بأن الوقت قد حان ليتجاوز المسلمون مرحلة "التعاطف"، ويدخلوا مرحلة العمل الجاد لتغيير الأنظمة، واستئناف الحياة الإسلامية، وتحريك الجيوش، وكسر الحصار، وتحرير الأرض.
فلا تُضيعوا دماء الشهداء، ولا آهات الأمهات، ولا صرخات الأطفال، في دهاليز المؤتمرات، ولا في فلك الاستجداء من الأنظمة العميلة. بل اجعلوا قافلة الصمود شعلة انطلاق نحو التغيير الحقيقي، وتحرير فلسطين، وإقامة الخلافة.
اللهم أقم لنا دولة الإسلام عاجلاً غير آجل، تحرر الأقصى، وتكسر يهود، وتوحد المسلمين تحت راية الإسلام في ظل دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع