كثيرة هي الحوادث التي عبر فيها أبناء الأمة الإسلامية عن حيويتهم وعنفوانهم وتفاعلهم مع الأحداث التي تلم بأمتهم في شتى بقاع الدنيا من مشرقها إلى مغربها، في تأكيد وإصرار على أصالة هذه الأمة ومخزون الإيمان المكتنز في قلوب أبنائها، والمتدفق في عروقهم، فقد رأيناها تنتصر وتنتفض نصرة ودفاعا عن نبينا الكريم ﷺ، وعن كتاب رب العالمين القرآن العظيم، في مشاهد عظيمة، ومواقف مباركة، تعبر عن ارتباط الأمة الإسلامية بعقيدتها ارتباطا وثيقا؛ ارتباطا كشف عن فشل كل محاولات طمس العقيدة الإسلامية في قلوب أبنائها، ارتباطاً جعل كل من تسول له نفسه المساس بعقيدتهم أن يفكر ألف مرة ومرة ويحسب ألف حساب قبل أن يرتكب أي حماقة، ورأينا حرارة الإيمان تسري في جسد الأمة الواحد تعاطفا وتراحما فيما بينها، وتضامنا وتلاحما مع بعضها في حوادث كثيرة؛ فكم هي مؤلمة تلك المشاهد الدموية من المجازر ضد إخواننا من مسلمي بورما، وكم هو فظيع اضطهاد الصين لإخواننا المسلمين من الأويغور، ومحاربتهم في دينهم في تركستان الشرقية، ومثلها جرائم الهندوس ضد إخواننا المسلمين في الهند، وتحت غطاء رسمي من الدولة حيث قانون الجنسية هناك، وحرب الإبادة التي نفذها الصرب ضد إخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك في تسعينات القرن الماضي بغطاء ورعاية دولية، وحتى في ظل ما تعانيه بلاد المسلمين من أزمات ومعاناة كما هي الشام مثلا وما تقاسيه من نظام السفاح بشار منذ سنوات عديدة إلا أننا رأينا منهم العجب العجاب، فمن وسط مأساتهم وجدناهم ينتصرون لإخوانهم في غزة، ولمسنا منهم الوعي على قضايا الأمة وخصوصا قضية فلسطين، وغير ذلك من الأحداث التي أظهرت الأمة الإسلامية فيها تلاحما وترابطا شديدين، وجسدت مفهوم الأمة الواحدة والجسد الواحد، في تأكيد واضح على بقائها وديمومتها، بالرغم من كل محاولات تغييبها والقضاء عليها؛ تارة ببث مفاهيم الوطنية والتقسيم على أساس الحدود المصطنعة وخرائط سايكس بيكو، وتارة على أساس حدود الدم والصراعات الطائفية وإذكاء نار الفتنة بين السنة الشيعة، وتارة أخرى عبر حروب الانقلابات والولاءات للكافر المستعمر داخل البلد الواحد، والتي أنهكت العباد ودمرت البلاد في خمسينات وستينات القرن الماضي، وما يحدث اليوم في السودان وليبيا واليمن خير شاهد، كل ذلك وغيره بغرض تغييب الأمة بوصفها أمة لها كيانها وهويتها وثقلها، وسلب قدرتها على التأثير في مجريات الأمور سواء في ما يتعلق بشؤونها الداخلية أو ما يتعلق بالساحة الدولية، وبشكل مستمر يعمل الكفار المستعمرون على تطوير مشاريعهم، وتحديث خططهم الاستعمارية، لضمان الإبقاء والمحافظة على حالة التشرذم والتشظي هذه، بينما مصالحهم آمنة ومتنامية مع وجود الأنظمة العميلة والحكام النواطير الرويبضات الذين تسلطوا على الأمة.
ومن جملة الأحداث الجسام التي تعصف بالأمة الإسلامية، الحرب التي يشنها يهود في الأرض المباركة اليوم، وهذه الإبادة والتدمير في غزة، والتغول على مدن وقرى الضفة الغربية ضمن مخطط الضم والتهجير، والتعدي على المسجد الأقصى وانتهاك حرمته، والاعتداء على المصلين فيه، ومنعهم من الوصول إليه من خلال سياسات الإغلاق والإبعاد، بينما يسمح لقطعان المستوطنين بتدنيس باحاته الشريفة تحت حراسة من شرطة وجيش يهود، كل هذا وأكثر من أحداث يومية تستفز مشاعر المسلمين، وتشعل النار في نفوسهم، وتجعل الدماء تغلي في عروقهم، يتحرقون شوقا للجهاد في سبيل الله، وقتال يهود، نصرة لإخوانهم، ودفاعا عن مسرى نبيهم ﷺ، وما عملية الكرامة التي نفذها الشهيد البطل بإذن الله ماهر الجازي من الأردن، وما قام به الشرطي البطل محمد صلاح إبراهيم من مصر، وما قام به شهيد القدس حسن سكلانان أحد أبطال تركيا، وما تقوم به بعض الجماعات هنا وهناك، إلا دليل وشاهد على حيوية الأمة وتأهبها واستعدادها لخوض غمار معركة التحرير الفاصلة مع يهود.
وهو أمر بات مؤكداً لا مجال للتشكيك فيه، وهو ما تشعر به وتتحسسه الدول الكبرى، فتوعز إلى عملائها ووكلائها من الحكام، ومن لف لفهم من الأوساط السياسية والفكرية والإعلامية لضرب أي تحرك في مهده، وتثبيط المعنويات وكسر الهمم، ومنع أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى انفلات الأمة من عقالها بما يهدد مصالحهم، وعلى رأسها وجود كيان يهود، لذلك من غير المستغرب كم التصريحات والتحذيرات التي أطلقها مسؤولون كثر، والتي كانت تحذر من خطورة ما يحدث في الأرض المباركة على استقرار المنطقة، حتى لم يبق مسؤول دولي أو إقليمي أو حتى محلي إلا وحذر مما يحدث، وتهديده للسلم العالمي، والهدوء في الشرق الأوسط.
ويمكن أن يتساءل البعض ببساطة أين الخطورة؟ وما هو التهديد؟ ولماذا كل هذا الذعر والخوف؟! فتلك أعمال لا تعدو كونها أعمالا فردية لا تمثل إلا من قام بها!
المسألة يا عزيزي أن الكافر المستعمر لا يفكر بهذه السطحية والبساطة، بل يدرك أن الدافع خلف تلك الأعمال يكمن في الإسلام الذي يجمع بين أبناء الأمة الإسلامية، ويربطهم بقوة بالأرض المباركة والمسجد الأقصى، لذلك فإن ما يخيف الكفار المستعمرين ويرعبهم هو تفكير أبناء الأمة بوصفهم جزءاً من أمة عريقة ممتدة في مشارق الأرض ومغاربها، وانطلاقهم في أعمالهم وتحركاتهم على هذا الأساس، ولذلك وجب على الأمة وكل حر ومخلص فيها، أن يدرك تمام الإدراك أن هذه البطولات المباركة من أفراد المسلمين، أو جماعاتهم، والتي تكشف عن معدن الأمة الأصيل، لا ينبغي أن يكتفى بها لإسقاط فرض النصرة للأرض المباركة، ورفع الظلم عن أهلها، وإنما يجب أن تتخذها الأمة مرتكزا ومنطلقا لتتحرك بثقلها وكامل طاقتها، عبر تحريك جيوشها، بما تملكه من العتاد والرجال، ما يجعلها قادرة على القضاء على كيان يهود، وإزالته من أساسه في معركة حاسمة فاصلة، وضرب كل مخططات الكفار المستعمرين في بلادنا، ففي جيوشنا أبطال ومغاوير توجب هذه الحوادث البطولية عليهم كسر صمتهم، والخروج عن طاعة حكامهم الذين يكبلونهم ويمنعونهم من اتخاذ الموقف الصحيح تجاه إخوانهم في فلسطين، وقد أثبتت الأحداث ولا تزال تثبت وتؤكد خيانة وعمالة هؤلاء الحكام، وتآمرهم على قضية فلسطين، وسعيهم لتصفيتها بتنفيذ مشاريع أمريكا وخدمة مصالحها، وحراسة وتأمين كيان يهود.
فيا أيها الأبطال المغاوير في جيوش المسلمين، وبخاصة جيش مصر والأردن: تحركوا الآن الآن، فإننا ندعوكم إلى خارطة طريق للتحرير تبدأ بإسقاط الأنظمة المجرمة في بلادكم، وتنتهي بالصلاة في باحات المسجد الأقصى، الآن الآن خذوا قراركم، ونظموا صفوفكم، وإن الله معكم، فتوكلوا عليه، فإنه وليكم، نعم المولى ونعم النصير، وكونوا على ثقة ويقين ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾.
انطلقوا نحو أشرف هدف وأنبل غاية، وسجلوا أسماءكم في لوحة الشرف الخالدة مع الفاتحين والمحررين.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع