كان كوكب الأرض وجزيرة العرب على وجه الخصوص يعيش في ظلام دامس جعل حياة الإنسان أشبه بالجحيم، فكان ظلام في الجوانب العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل مناحي الحياة. فالحروب تطحن الناس لغير سبب، والقوي موجود والضعيف ضائع ومعدوم والظلم يخيم على كافة النواحي، والعبودية في أحط وأدنى درجاتها.
هذا الحال كان لا بد أن يزول ويتبدد ويشرق النور الذي يعيد للإنسان إنسانيته ويجعل العدل والكرامة أساساً من أسس متطلبات حياة الإنسان المنحدر لقاع الوجود. في غمرة هذا الظلام بدأت خيوط النور تخترق عتمة هذا الحال وهذا الواقع وترسل شعاع الأمل لحياة جديدة أُسّها العبودية الحقة لخالق الوجود، والعيش القويم بأنظمة تُسعد الإنسان وتجعله يعيش في أرقى وأسمى صورة. وقد بدأ هذا النور يضيء جنبات هذا الكون الواسع وذلك في الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل إذ في ذاك اليوم خرج النور الذي أضاء مشارق الأرض ومغاربها فكان ميلاد محمد ﷺ. وقد كان لهذا النور جولة أخرى من اتساع وسطوعٍ أكبر بأن ارتبطت الأرض بالسماء باختياره ﷺ ليكون رسول الله للناس كافة. فحمل ﷺ مشعل هذا النور وسار ليبدد به كل ظلمات الأرض، فأظهر للناس العقيدة والعبودية الحقة المقنعة لعقل الإنسان والمتمثلة بالإيمان بالله وحده وعبادته وتقديسه وتعظيمه وحده، فنقل من آمن معه من درك العبودية الشاذة لقمة العبودية السليمة والإيمان الصحيح الصافي، وحمل للناس أنظمة الحياة الشاملة لكل جوانب ومناحي وعلاقات الإنسان بأنظمة توافق فطرته وتحقق له السعادة الدائمة وقمة الطمأنينة. ثم اكتملت حلقات هذا النور لتطمس الظلام بأن تحول هذا الدين وهذا الفكر من موضع الاستضعاف إلى موقع الاستخلاف والتمكين بنصرة أهل المدينة المنورة لدعوة الرسول ﷺ بعد أن طلب من أهل القوة والمنعة فيها النصرة، إذ نتج عن هذه النصرة قيام كيان الإسلام الأول والدولة العالمية العظيمة، فأصبح الإسلام مطبقاً بشكل عملي على أرض الواقع في دولة تحمل مشعل نوره للناس كافة لتبديد ظلمات الكفر والطغيان.
إذن، بميلاد الرسول ﷺ وبعثته ونصره كان بزوغ وسطوع النور العظيم وتبدد الظلم والظلمات ودحر كل مناحي الشذوذ العقائدي والتعبدي والتشريعي. وكان ذلك أيضاً نبراساً وقدوة لنا في أي لحظة يعود فيها الظلام للأرض، كحالنا اليوم. فلذلك كان النور بين أيدينا علينا العض عليه بالنواجذ وحمله لنعيد له سيرته الأولى كفاحاً وصراعاً لكل ظلم وظلمات وزيغ وانحراف لتتهيأ لهذا النور نصرة جديدة تتوج بكيان ودولة حق وعدل تعيد لكوكب الأرض النور الذي خفت وغار، فتتبدل الأحوال من دياجير الظلمات إلى نور رحمة وطمأنينة وعدل. فكان وبحق ميلاد الرسول ﷺ وبعثته ونصرته ليقيم الدين حلقات نور عظيم أضاءت الأرض. وكان حقاً علينا أن نعيد هذا النور للأرض مرة أخرى بإعادة حامل مشعله وناشر سطوعه، دولة الخلافة.
بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع