في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، عُقدت في واشنطن قمة شارك فيها رئيس أمريكا دونالد ترامب وحكام دول آسيا الوسطى. وخلال هذا اللقاء الذي جرى في إطار صيغة "C5+1"، وُقعت اتفاقيات عدة في مجالات التجارة والدبلوماسية والمعادن، بهدف تعزيز نفوذ أمريكا في هذه المنطقة. كما طُرِحَ اقتراح بإنشاء لجنة خاصة تُعنى بالبحث والإنتاج والنقل في مجال المعادن النفيسة.
تركّز أمريكا في سياستها تجاه آسيا الوسطى اهتماماً خاصاً على كازاخستان وأوزبيكستان، لما تملكانه من موارد معدنية أساسية وغنية. ولهذا السبب أُبرِمَت اتفاقيات ضخمة معهما. وفي إطار زيارة رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، وقعت شركات البلدين عقودا بقيمة إجمالية بلغت 17 مليار دولار، كان أبرزها في مجال المعادن النادرة. فعلى سبيل المثال، وُقِّع اتفاق كبير لاستثمار أحد أكبر مناجم التنجستون غير المستغلة في العالم، بحيث تمتلك مجموعة كوف كاز كابيتال الأمريكية نسبة 70٪ من أسهم المشروع المشترك مع شركة التعدين الوطنية الكازاخية.
وبحسب تصريح توكاييف، فقد استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار في كازاخستان، في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5 مليارات دولار. وتؤمّن كازاخستان نحو 25٪ من احتياجات أمريكا من اليورانيوم، كما تعمل في البلاد أكثر من 600 شركة أمريكية.
وفي وقت سابق، وخلال الاجتماعات المنعقدة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقّعت كازاخستان اتفاقية لشراء قاطرات سكك حديدية من الولايات المتحدة بقيمة تزيد على 4 مليارات دولار.
كما وقعت الشركات الأمريكية ونظيراتها الأوزبيكية اتفاقيات مماثلة، لا سيما في مجال استخراج المعادن النفيسة، حيث وُقِّعت عقود بين الوزارات الأوزبيكية المختصة وشركات أمريكية مثل مجموعة استكشاف دينالي وإعادة العنصر التقنيات وفلوسيرف.
ويبلغ عدد الشركات الأمريكية العاملة في أوزبيكستان نحو 300 شركة. وقد أُعلِن في وقت سابق أن أوزبيكستان ستشتري 22 طائرة من طراز بوينغ من الولايات المتحدة بقيمة 8 مليارات دولار.
تتمتع منطقة آسيا الوسطى باحتياطيات ضخمة من المعادن النادرة والاستراتيجية مثل الليثيوم والبيريليوم واليورانيوم والتنجستون والموليبدينوم، إضافةً إلى معادن نادرة من مجموعة البلاتين.
ويُقدّر الجيولوجيون أن ما لا يقل عن 15٪ من العناصر النادرة الموجودة تحت الأرض في العالم تتركز في هذه المنطقة. ففي قرغيزستان وحدها يوجد أكثر من 200 موقع لخام استراتيجي، وفي كازاخستان نحو 160 موقعاً، بينما تمتلك أوزبيكستان وطاجيكستان عشرات مناجم العناصر النادرة، ومعظمها لم يُستكشف بعد بشكل كامل.
ومن المعلوم أن صيغة "C5+1" أُنشئت عام 2015 على مستوى وزراء الخارجية، ثم تحولت لاحقاً في عهد بايدن إلى لقاءات على مستوى الرؤساء في نيويورك. وكان الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية آنذاك هو دعم وحدة دول المنطقة من أجل تكوين آسيا الوسطى ككتلة إقليمية موحدة. وقد أكّد تصريح رئيس قرغيزستان صدر جباروف هذا التوجه. فقد قال خلال لقائه مع الرئيس ترامب: "عندما تولّيتُ منصب رئيس الدولة، وضعتُ لنفسي أولوية كبرى، وهي حلّ قضايا الحدود مع دول الجوار بروح حسن الجوار". وأضاف أنه تمكّن، مع قادة الدول المجاورة، من تنفيذ هذه المهمة الأهم عبر السبل السلمية. وأضاف جباروف أن نتيجة هذه الجهود تمثلت في تعاظم دور منطقة آسيا الوسطى في السياسة العالمية، وازدياد اهتمام القوى الكبرى بتعزيز التعاون مع دولها.
وكما هو معلوم، فقد اشتدّت في الآونة الأخيرة المنافسة الدولية على المعادن النفيسة، ما جعل أمريكا تعتبر هذا القطاع أولويةً استراتيجية. غير أن الصين سبقت بخطوات كبيرة في مجال استخراج المعادن النادرة وتكريرها، إذ تُسيطر على نحو 70٪ من إنتاج العالم من هذه المعادن، وتحتكر ما يقارب نصف الاحتياطي العالمي منها، في حين لا تتجاوز حصة أمريكا 12٪ فقط. وإضافة إلى ذلك، فإن موقع الصين الجغرافي المحاذي لآسيا الوسطى يمنحها ميزة إضافية في نقل المواد الخام من المنطقة.
كما يسعى الاتحاد الأوروبي بدوره إلى تعزيز علاقاته مع آسيا الوسطى بصورة مستقلة عن واشنطن. فعلى سبيل المثال، أعلن الاتحاد الأوروبي خلال قمة سمرقند التي عُقدت في نيسان/أبريل من هذا العام عن حزمة استثمارية تتجاوز 13.2 مليار دولار مخصصة للمنطقة بأكملها، وتركّز معظمها على قطاع استخراج المعادن النفيسة. ويُظهر ذلك أن التنافس على المعادن النادرة سيزداد حدّةً في المستقبل.
تزداد أهمية الممرّات التي تربط آسيا الوسطى بأوروبا لنقل الثروات المعدنية يوماً بعد يوم، وعلى رأسها الممرّ الأوسط، وكذلك ممرّ زانجيزور الذي يربط المنطقة بأوروبا عبر أذربيجان، والذي يُعرف مؤخراً باسم "ممرّ ترامب".
وهكذا، تواصل القوى العظمى السعي بلا انقطاع لتحقيق مصالحها المادية، خصوصاً في ظلّ احتدام الصراع العالمي على الموارد الطبيعية، الأمر الذي يجعل من آسيا الوسطى منطقةً تتزايد أهميتها الاستراتيجية يوماً بعد يوم.
ولذلك، ينبغي علينا نحن المسلمين ألا نسمح بأن تتحوّل مواقعنا الاستراتيجية وثرواتنا الطبيعية إلى ساحة لمكائد تلك القوى، بل علينا، وفقاً لأحكام الله تعالى، أن نتوحّد ونمنع الكفّار من بسط سلطانهم علينا، وأن نسعى بجدّ لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تكون جنة حامية للمسلمين.
فإنّ العالم لن ينجو من هذا الظلم، ولن تُستردّ الثروات المنهوبة، إلا بمبدأ الإسلام العظيم الذي يحمل العدل والرحمة للإنسانية جمعاء.






















رأيك في الموضوع