قالت اليوم السابع على موقعها الاثنين 16/6/2025م، إن النائب ضياء الدين داود رفض مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2025/2026، مشيراً إلى أن الحكومة تدّعي خفض الدين العام بينما الأرقام تُظهر العكس، حيث ارتفع الدين المحلي والخارجي بشكل كبير منذ عام 2018، ليبلغ إجماليّه 11.5 تريليون جنيه في حزيران/يونيو 2024. وأوضح أن الصفقات التي تعلنها الحكومة لا تُترجم إلى نتائج حقيقية يشعر بها الناس، منتقداً استمرار السياسات الاقتصادية نفسها، ومشيراً إلى أن عوائد وأقساط الديون وحدها في الموازنة الجديدة تبلغ نحو 4382.6 مليار جنيه.
في جلسة علنية من جلسات مجلس النواب المصري، أعلن النائب ضياء الدين داود موقفاً لافتاً حين عبّر عن رفضه القاطع لمشروع الموازنة العامة الجديدة للدولة للعام المالي 2025/2026، كاشفاً تناقضاً صارخاً بين ما تزعمه الحكومة من تقليص للدين العام، وما تشير إليه الأرقام الرسمية من تصاعد خطير في الدين المحلي والخارجي، حتى بلغ إجمالي الدين العام نحو 11.5 تريليون جنيه. ولفت داود إلى مفارقة مؤلمة أن المصري لا يشعر بأي تحسن، رغم الحديث المتكرر عن الصفقات والاستثمارات.
ورغم أهمية هذه المواقف فإنها تظل تدور في فلك التشخيص السطحي للأعراض دون المساس بجذر الداء، مكتفية بالاحتجاج على السياسات دون مساءلة النظام الرأسمالي الذي يُنتج هذه الموازنات المنهكة أصلاً. لذا، فإن من الواجب شرعاً على الأمة، أن تطرح الرؤية الإسلامية الجذرية في التعامل مع المال العام، والموازنة، والدين العام، لتمييز الحق من الباطل، والحل من الترقيع.
تقوم الموازنة المصرية على نموذج رأسمالي بحت، محكوم باتفاقيات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث تغدو الدولة خاضعة لإملاءات الخارج بحجّة "الإصلاح الاقتصادي". وفي هذا النموذج، تتحول الموازنة إلى وعاء لتحصيل الضرائب وخدمة الدين لا لرعاية شؤون الناس وكفالة حقوقهم وإشباع حاجاتهم.
نسبة الإيرادات الضريبية من إجمالي الإيرادات العامة تتجاوز 85%، وهي جباية باطلة شرعاً لأنها غير قائمة على أحكام الشرع في مصادر الدولة المالية.
نفقات الدين وحدها تستهلك أكثر من 65% من الموازنة، في صورة أقساط وعوائد ربوية، وهو ما يعني أن الدولة تعمل كوسيط لسداد القروض الربوية، لا بوصفها راعيةً لشؤون الناس.
وهذه البنية تكشف أن الدولة المصرية لا تمارس الحكم، بل تعمل كوكيل تنفيذي لمصالح الدائنين الأجانب، تحت ستار الإصلاحات، بينما يزداد الفقراء فقراً، وتُنهب ثروات البلاد تحت عناوين الاستثمار.
زعمت الدولة أنها تسير نحو تقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي، لكن الأرقام تُكذّب ذلك. فقد ارتفع الدين المحلي من 3.4 تريليون إلى 8.7 تريليون جنيه في ست سنوات، والدين الخارجي من 844 مليار إلى 3.7 تريليون جنيه، ما يعني تضاعفاً ثلاثياً تقريباً في إجمالي الدين. وهذا الوضع لا يعكس سوء إدارة مالية فقط، بل انعدام المرجعية الشرعية، فالربا محرّم بنصوص قطعية، والاقتراض من الكفار حرام، ليس لأنه ربا فحسب، بل لأنه يُدخل الدولة في تبعية سياسية واقتصادية، وهو ما يُحرّمه الشرع باعتباره نوعاً من الاستعانة بالكفار بما يُفضي إلى الهيمنة.
انتقد النائب داود الصفقات التي تعلنها الحكومة دون نتائج ملموسة، وهو محق، لكنها في حقيقتها ليست صفقات تنموية، بل مبادلات سيادية تُفرّط في أصول الدولة تحت غطاء الاستثمار. فبيع شركات رابحة مثل شركة مصر الجديدة، والعربية للإسمنت، وبنك القاهرة، وحقول غاز وسواحل بأثمان بخسة، يخالف الحكم الشرعي القاضي بتحريم بيع الملكيات العامة لأنها ملكية الأمة، قال ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَأِ، وَالنَّارِ» وأُلحق بها المعادن والطاقة والمنافع العامة، وهذه الصفقات ليست حلولاً للأزمة، بل هي تفكيك ممنهج لكيان الدولة الاقتصادي لصالح الرأسماليين المحليين والأجانب.
إن الحل ليس في موازنات جديدة داخل الإطار الرأسمالي، ولا في تعديل نسب الإيرادات أو النفقات، بل في هدم هذا النظام من جذوره، وإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تطبّق نظام الإسلام الاقتصادي، ففي ظل الدولة الإسلامية لا تفرض ضرائب على الناس لتغطية العجز، بل تعتمد على مصادر شرعية، وليس فيها اقتراض بالربا، ولا تعامل مع مؤسسات استعمارية ربوية كصندوق النقد الدولي أو البنوك الغربية. وستعمل الدولة على إلغاء الدين العام الربوي لأن أساسه باطل شرعاً، فلا يُقرّ ولا يُورّث على الأمة، بل تُحاسَب الجهات التي أدخلته، كما تعمل الخلافة على إدارة الثروات الباطنية، والمرافق العامة، والماء، والطاقة، والمناجم... بوصفها ملكيات عامة لا يجوز بيعها ولا خصخصتها، بل يجب أن تستخدم لرعاية شؤون الناس لا خدمة الدائنين.
لقد عبّر النائب ضياء الدين داود عن وجعٍ حقيقي، لكنه لم يتجاوز النقد الظاهري إلى التشخيص الجذري. وإن من واجبنا بصفتنا مسلمين أن نُعلِن أن المشكلة ليست في الأرقام، ولا في مَن يحكم، بل في كيف يحكم. فالحكم اليوم ليس بالإسلام، بل بالنظام الرأسمالي العلماني، وهو ما يُنتج الفقر والديون والخصخصة والفساد. ولا نجاة لمصر ولا لغيرها من بلاد المسلمين إلا بالخلافة الراشدة، التي تُقيم الدين، وتُطبّق النظام الاقتصادي الإسلامي، وتُعيد للأمة سيادتها على مواردها.
يا أجناد الكنانة: يا أحفاد عمرو بن العاص، أنتم درع الأمة وسيفها، وأنتم حصنها المنيع عند الشدائد، وعينها الساهرة على دينها وأمنها وكرامتها. إنكم أبناء هذه الأمة، ولحمها ودمها، وفي أعناقكم أمانة عظيمة ومسؤولية ثقيلة؛ أن تحموا الدين، وتذودوا عن حياض المسلمين، وتمنعوا تسلط الأعداء وهيمنتهم على بلادكم ومقدراتها.
إن ما تعيشه مصر من تردٍّ وانهيار، وتبعية مذلة لصناديق الغرب ومؤسساته، ليس قضاءً محتوماً، بل هو نتيجة مباشرة لغياب حكم الإسلام، ولخضوع البلد لنظام رأسمالي متوحش لا يعرف إلا استغلال الشعوب ونهب ثرواتها. فلا تكونوا يا جند الكنانة حصناً لمن فرّط وباع، ولا سيفاً في يد من رهن البلاد والعباد للصناديق الأجنبية، ولا درعاً لمن استباح أموال الناس وأرزاقهم باسم الإصلاح والموازنة. لا تسمحوا أن يُستخدم سلاحكم في ترسيخ هذا الباطل، ولا تُضيّعوا شرفكم في حماية نظام لا يرعى إلا مصالح الأعداء. بل كونوا كما أراد الله لكم، حماةً لأمتكم، ساعين بجد وإخلاص لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحكم بشرع الله، وتحرر الأمة من التبعية، وتعيد الأموال والثروات إلى أصحابها، وترعى شؤون الناس بحق، وتحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالم.
يا جند الكنانة، إن النصرة التي ينتظرها الله منكم ليست نصرة لعَلَم أو حدود، بل نصرة للدين، ونصرة لدعوة الحق، ونصرة للمشروع الإسلامي الحضاري العظيم، فكونوا أهله، ولا تُفوّتوا عليكم أعظم فرصة لتكتبوا أسماءكم في سجل الخالدين في ظل الإسلام ودولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، عجل الله بها وجعلكم جند مصر أنصارها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ محمود الليثي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع